قبل أن تقدح الزِّناد ..
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله ،،،،،،،،، وبعد :
أخي المجاهدُ الخارج في سبيل الله التارك وطنه وأهله ابتغاء وجه الله : في خضم هذه الفتن الحوالك التي يضل فيها السالك وتشتبه عليه أعلام المسالك ، وقبل أن توجه فوهة رشاشك وتقدح زناد سلاحك تذكر :
أن الحياة واحدة والموت كذلك ؛ فالعمر لا يعوض والموت لا يستدرك "لايذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى"
وما بعد الموت إلا شقاء دائم أو نعيم مقيم أو عذاب أحقاب ربك بها أعلم ،فانظر يا رعاك مولاك كيف تقضي عمرك وتبصّرْ أيّةَ موتة تموتها .
قبل أن تقدح الزناد تذكر :
أن أحدا لن يغني عنك شيئا: فكيف تَفنى ليبقى ، وتشقى ليرقى ، وتهلك ليملك ، وتنتحر لينتصر ، وتبيع دينك ثمنا لدنياه "ذلك هو الخسران المبين" ،
عَنْ مُطَرِّفٍ ، عَنْ عَامِرٍ ، قَالَ : لَمَّا قَاتَلَ مَرْوَانُ الضَّحَّاكَ بْنَ قَيْسٍ أَرْسَلَ إِلَى أَيْمَنَ بْنِ خُرَيْمٍ الأَسَدِيِّ ، فَقَالَ : إِنَّا نُحِبُّ أَنْ تُقَاتِلَ مَعَنَا ، فَقَالَ : إِنَّ أَبِي وَعَمِّي شَهِدَا بَدْرًا فَعَهِدَا إِلَيَّ أَنْ لا أُقَاتِلَ أَحَدًا يَشْهَدُ أَنَّ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ ، فَإِنْ جِئْتَنِي بِبَرَاءَةٍ مِنَ النَّارِ ، قَاتَلْتُ مَعَكَ ، فَقَالَ : اذْهَبْ ، وَوَقَعَ فِيهِ وَسَبَّهُ ، فَأَنْشَأَ أَيْمَنُ ، يَقُولُ :
وَلَسْتُ مُقَاتِلا رَجُلا يصَلّي
عَلَى سُلْطَانِ آخَرَ مِنْ قُرَيْشِ
لَهُ سُلْطَانُهُ ، وَعَلِيَّ إِثْمِي
مُعَاذَ اللَّهِ مِنْ جَهْلٍ وَطَيشِ
أُقَاتِلُ مُسْلِمًا فِي غَيرِ شَيْءٍ ؟
فلَيسَ بِنَافِعِي مَا عِشْتُ عَيْشِي " .
قلت : أفلح والله أيمن ، وما ضره سبُّ أيسر أو أيمن.
قبل أن تقدح الزناد تذكر :
أن هذا الذي زين لك شيطانُ الجن والإنس قتلَه هو أخوك المسلم المصلي الساجد لله العابد الصائم القائم البائت القانت بل المجاهد المعاضد ؛ فبأي ذنب قتلته ، هذا ما سيسألك الله عنه فأعد لسؤالك جوابا، أيسعك عند الله أن تقول قتلته لأن خصمَه فلان فتكون كحال ذلك المتباهي المغتبط بقتل الصالح العابد ، وما كفاه قتله حتى فخر واغتبط فقال:
وَأشعَثَ سَجَّادٍ بآيَاتِ رَبِّهِ
قَلِيلِ الاَذَى فِيمَا تَرَى العَينُ مُسلِمِ
شَكَكَتُ لَهُ بالرُّمحِ جَيبَ قَمِيصِهِ
فَخَرَّ صَرِيعاً لِليَدَينِ ولِلفَمِ
عَلى غَيرِ شَيءٍ غَيرَ أَن لَيسَ تَابِعاً
عَلِيّاً ومَن لاَ يَتبَعِ الحَقِّ ينَدَمِ
يُذَكِّرُني حَامِيمَ والرُّمحُ شَارِعٌ
فهَلاَّ تَلاَ حَامِيمَ قَبلَ التَّقَدُّمِ
قال أبو القاسم الطبراني : حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُعَلَّى الدِّمَشْقِيُّ ، ثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ ، ثَنَا صَدَقَةُ بْنُ خَالِدٍ . ح وَحَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ دُحَيْمٍ ، ثَنَا أَبِي ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ شَابُورَ ، قَالا : ثَنَا خَالِدُ بْنُ دِهْقَانَ ، عَنْ هَانِئِ بْنِ كُلْثُومٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ مَحْمُودَ بْنَ رَبِيعَةَ ، خَتَنَ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ , عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ ، أَنَّهُ سَمِعَهُ يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أَنَّهُ قَالَ : " مَنْ قَتَلَ م ُؤْمِنًا فَاغْتَبَطَ بِقَتْلِهِ , لَمْ يَقْبَلِ اللَّهُ مِنْهُ صَرْفًا ، وَلا عَدْلا " ، زَادَ هِشَامٌ فِي حَدِيثِهِ , قَالَ خَالِدُ بْنُ دِهْقَانٍ : سَأَلْتُ يَحْيَى بْنَ يَحْيَى الْغَسَّانِيَّ عَنْ قَوْلِهِ : " ثُمَّ اغْتَبَطَ بِقَتْلِهِ ؟ " قَالَ : هُمُ الَّذِينَ يَقْتُلُونَ فِي الْفِتْنَةِ ، فَيُقْتَلُ أَحَدُهُمْ , فَيَرَى أَنَّهُ عَلَى هُدًى , وَلا يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ مِنْهُ أَبَدًا ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُعَلَّى الدِّمَشْقِيُّ ، ثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ ، ثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّنْعَانِيُّ ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ ، قَالَ : الصَّرْفُ : الْقُرْبَةُ , وَالْعَدْلُ : الْفِدْيَةُ .وأخرجه أبوداود السجستاني وأحمد بن الحسين البيهقي وغيرهم.
قبل أن تطلق الزناد :
اعلم أنك لا زلت في فضاء العافية ، فلا تولج نفسك في مضايق البلاء ، واعلم أن زوال الدنيا برمتها والسموت والأرض ونقض بيت الله الحرام حجر حجرا أشنع منه سفك دم مسلم ، وإن تنازعك هاجسان فدع ما يريبك إلى ما لا يريبك ، وغلّب في حق أخيك الرخصة على العزيمة ، والسلامة لا يعدلها شيء ، " وما رزق إنسان بعد يقين خيرا له من عافية"،"وما يزال المرء في فسحة من دينه مالم يصب دما حراما"
وما من ذنب مع الشرك قيل بخلوده في النار سوى قتل العمد في غضون جملة قاصفة من العقوبات " ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما"بل وزاد القتل على الشرك في أنه الذنب الذي لا توبة منه لبقاء حق المقتول"كل ذنب عسى الله أن يغفره إلا الرجل يموت كافرا أو الرجل يقتل مؤمنا متعمدا"
وقال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة ، سمعت يحيى بن المجبر يحدث عن سالم بن أبي الجعد ، عن ابن عباس ; أن رجلا أتاه فقال : أرأيت رجلا قتل رجلا متعمدا ؟ فقال : ( جزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما ) قال : لقد نزلت في آخر ما نزل ، ما نسخها شيء حتى قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وما نزل وحي بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال : أرأيت إن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى ؟ قال : وأنّى له بالتوبة . وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم . يقول : " ثكلته أمه ، رجل قتل رجلا متعمدا ، يجيء يوم القيامة آخذا قاتله بيمينه أو بيساره - وآخذا رأسه بيمينه أو بشماله - تشخب أوداجه دما من قبل العرش يقول : يا رب ، سل عبدك فيم قتلني ؟ "قلت: وهذا حديث صحيح رجاله رجال الصحيح سوى يحيى بن المجبر التيمي وهو ثقة، وهذا من فقه هذا الإمام الحبر البحر ؛ إذ رأى التهوك في الدماء وخروج الخوارج وبغي البغاة ؛ فحمل على القول الأقوى تحذيرا للمسارعين في الدماء وزجرا، وقد رحل إليه تلميذه سعيد بن جبير من الكوفة إلى مكة يسأله عن توبة القاتل عمدا فأجابه وحق له أن يجيب وحق لسعيد أن يرحل لأجلها ويسأل ، وهو الذنب الذي لا يجير منه حل ولاحرم، وجاء في معنى هذا حديث.
قبل أن تطلق الكلمة :
اعلم أن كلمتك في جوفك كرصاصتك في جوف بندقيتك وقذيفتك في مدفعك وصاروخك في راجمته، فإذا فرطت الكلمة استحال ردها كالرصاصة ، وظل يستظل بظلها القتلة ، ويسبح في بحرها السفاحون السفاكون السباحون في بحور الدماء، والقاتل الصامت - هو المصنف(رحمه الله تعالى) كما يقول التلامذة في كل قراءة - ناعم بين أهله قد صنف ما صنف وحقق ما حقق في ضجيج التصفيق وهتاف التأييد وخديعة التشييخ والتأميم تحت نسيم مكيفه البارد وعلى فراشه الأثير يُغدى عليه بكأس ويُراح عليه بصحفة ، وكل ما عليه أن دقق وحقق في نظره المناط تاركا تطبيقه لمن لا يحسن كتابة اسمه ، ورب كَلام أنكى من كِ ام وقاتل بكلمته وتحريضه وتأييده أضعاف ما يقتل قاتل بيده ، وعند الله تجتمع الخصوم ، فتمهل يا صاحب الكلمة والقلم والتصنيف والحساب قبل يوم الحساب:
فإِنّ النارَ بِالعُودَينِ تُذكَى
وإِنّ الحَرْبَ أَوّلُهُ كَلَامُ
قبل أن تقدح الزناد تذكر :
أن الحق غالبا خلاف الهوى ، فلا تقتصر على سماع ما تهوى ممن تهوى ، اسمع الآخر ، واقرأ للآخر ، واسأل الآخر الذي ربما ما اهتديت من الضلالة إلا على يديه ، ولا فتق لسانك بالقرآن إلا في حلقته ، والذي كنت يوما تراه إمام الدنيا ولا تحدّ النظر في وجهه إجلالا وتقبّل هامه وإبهامه ، ربما صوره أصحابك صورة منفرة ونبزوه بما نبز به سادات الخلق من الكذب والخيانة والكتمان ؛ لكن لا يضرك لا تعرض ولا تضع في أذنيك الكرسف ، فإن لك عقلا ؛ فلا تكن كالطفل وكن كالطفيل الذي ضحك على نفسه ، وتعجب من سرعة طوعه مع عقله فنزع الكرسف ، وأبى في أغلال التقليد يرسف ؛ والعاقل العالم يك ل عقله وعلمه بالمشير الناصح ، فأولى بذلك الجاهل .
العاقل يشاور في شراء عَرَض من الدنيا قليل ؛ لئلا يغبن في عَرَضه ودنياه، فكيف به يرضى الغبن في عِرْضه ودينه
وكيف بالأنفس والأرواح والدماء والأديان والأبدان ؟!!
بعد أن تقدح الزناد:
وتقتل من تقتل وتيتم من تيتم ، وترمل من ترمل ، وتروع من تروع؛ لعلك يوما أن تفيق من الهوى وتنهاك النهى ، ويتجدد لك اجتهاد ، ويتغير لك رأي ، فترى في رصيدك أثقالا هائلة من الضحايا والأيتام والأرامل الذين تقرحت أجفانهم من دموعهم بكاء ودعاء عليك فماذا أنت فاعل ، وماذا لنفسك قائل ، أتقول ما قال البحتري في أهله :
وَأمسَتْ تَساقي المَوْتَ من بَعدِ ما غدتْ
شَرُوباً تَساقي الرّاحَ رِفْهاً شُرُوعُهَا
إذا افتَرَقُوا عَنْ وَقْعَةٍ جَمَعَتْهُمُ
لِأُخْرَى دِماءٌ ما يُطَلّ نَجِيعُهَا
وَفُرْسانِ هَيجاءٍ تَجِيشُ صُدُورُهَا
بِأحْقَادِها حَتّى تَضِيقَ دُرُوعُهَا
تُقَتِّلُ مِنْ وِتْرٍ أعَزَّ نُفُوسِهَا
عَلَيْها، بِأيْدٍ مَا تَكَادُ تُطِيعُهَا
إذا احتَرَبتْ يَوْماً، فَفَاضَتْ دِماؤها
تذَكّرَتِ القُرْبَى فَفَاضَتْ دُمُوعُها
قدّر نفسك يوما فائقا من غمرة الهوى وغيابة الجهالة ، سيروعك ما قدمت يداك وستقطع شفتيك حسرة ، ويضج داخلك : بأمنية مريم "ياليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا" وبأمنية أسامة "ليتني أسلمت يومئذ" وستقول قاتل الله الرئاسة والشرف والهوى والطاعة العمياء والتقليد المقيت ، ستتمنى على الله الأماني ، فما أنت قائله هناك قله هنا قبل مزيد من الموبقات وتلطيخ الأيدي بالدماء .
أقول قولي هذا والله يقول الحق وهو يهدي السبيل
،،، ،،، ،،، ،،، ،،، ،،، ،،،
قبل أن تقدح الزِّنادْ .. قبل أن يُفلت القيادْ
أيها الخارج الذي .. يبتغي سنة الجهاد
قف مع النفس برهة .. واترك اللجَّ والعناد
إنه غمضُ طرفةٍ .. مثلما غمضة الرقاد
بعده هول برزخٍ .. لو درى المرء ما استزاد
ولدى الله موقف .. حينما يبعث العباد
يُذهل المرضعَ التي .. طفلها شاب في المهاد
،، ،، ،، ،، ،، ،، ،،
ياالذي فارق الحمى .. ودّع الأهل والبلاد
صرخت فيه حرةٌ .. أجبروها على الفساد
حرةٌ من كرائم .. ناشئاتٍ على الرشاد
دنس الفرس طهرها .. فهي حبلى من السِفاد
صرخت أين أهلنا .. قال لبيك يامناد
عبلةَ الطهر أبشري .. كلنا عنتر الجٍلاد
كلنا كعبٌ الذي .. تيّمت قلبَه سعاد
ما به العشق بل به .. قهره يفطر الفؤاد
قال لبيك حرة .. بنت قحطان أو إياد
لو تفانت أرواحنا .. وهلكنا بكل واد
وانبرى ليثَ غابة .. شاكيَ الناب والعتاد
يتبارى وفتيةً .. تحتهم ضُمَّرُ الجياد
عاديات إلى العِدا .. من كُميتٍ ومن وِراد
،، ،، ،، ،، ،، ،،
إنه أنت يا فتى.. باذلا روحه جواد
أمّلت فيك بعدما .. قُرّح الجفن من سهاد
طالما طال ليلها .. واكتست حلة الحداد
بَشَّروها بنصركم .. فانثنت تخلع السواد
ثم أصبحتَ همّها .. ياأخا النصر والنِجاد
صرت في جفنها قذى .. مثلما شوكة القتاد
ترتجي كف ّ بأسكم .. ومناها منك الحياد
قتلوا طارفا لها .. ثم ثنّيت بالتلاد
،، ،، ،، ،، ،، ،، ،،
أيها الشهم إنها .. غلطة العمْر لا تُعاد
قتلُكَ المسلمَ الذي .. زعموا فعلَه ارتداد
ورطة العمر يالها .. لو تأملتَ بانقياد
إنها حرب فتنةٍ .. ويلَ من شبها وقاد
رابح الحرب خاسر .. والمُعادي بها استفاد
قاتل النفس بائر .. ومبير يوم التناد
ولهم سالف مضى .. لو لهم في التقى اجتهاد
قال فيهم نبينا .. اقتلوهم كقتل عاد
عائذا من بلائهم .. ومعيذا أولي السداد
منقول بتصرف يسير
|