،،،،،،،،
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
كلمات للإمام ابن القيم
مقتطفات من كتب الامام
*******
من كتاب " الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي "
فصل : ضرورة توحيد المحبوب
" والمحبة الصادقة تقتضي توحيد المحبوب ،
وأن لا يشرك بينه وبين غيره في محبته ،
وإذا كان المحبوب من الخلق يأنف ويغار أن يشرك معه محبة غيره في محبته ،
ويمقته لذلك ، ويبعده ولا يحظيه بقربه ، ويعده كاذبا في دعوي محبته ، مع أنه ليس أهلا لصرف كل قوة المحبة إليه ،
فكيف بالحبيب الأعلى الذي لا تنبغي المحبة إلاّ له وحده وكل محبة لغيره فهي عذاب على صاحبها ووبال؟!
ولهذا لا يغفر سبحانه أن يشرك به في هذه المحبة ، ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء.
فمحبة الصور تفوت محبة ما هو أنفع للعبد منها ،
بل تفوت محبة ما ليس له صلاح ولا نعيم ولا حياة نافعة إلاّ بمحبته وحده،
فليختر إحدى المحبتين ، فإنهما لا يجتمعان في القلب ، ولا يرتفعان منه ،
بل من أعرض عن محبة الله وذكره والشوق إلى لقائه إبتلاه بمحبة غيره ،
فيعذب به في الدنيا وفي البرزخ وفي الآخرة "
************
" فمن لم يكن إلهه مالكه ومولاه كان إلهه هواه
قال تعالى: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلي عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلي سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلي بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ}( الجاثية : 23) "
*************
" وقال بعض أهل البصائر في قوله تعالي {مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فإن أَجَلَ اللَّهِ لآتٍ} ( العنكبوت : 5 )
لما علم سبحانه شدة شوق أوليائه إلى لقائه، وأن قلوبهم لا تهتدي دون لقائه ،
ضرب لهم أجلا و موعدا للقائه ، تسكن نفوسهم به ، وأطيب العيش وألذه علي الإطلاق عيش المحبين المشتاقين المستأنسين ،
فحياتهم هي الحياة الطيبة في الحقيقة ، ولا حياة للعبد أطيب ولا أنعم ولا أهنأ منها ،
فهي الحياة الطيبة المذكورة في قوله تعالي {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً}( النحل : 97)
وليس المراد منها الحياة المشتركة بين المؤمنين والكفار ، والأبرار والفجار ، من طيب المأكل والمشرب والملبس والمنكح ،
بل ربما زاد أعداء الله علي أوليائه في ذلك أضعافا مضاعفة ،
وقد ضمن الله سبحانه لكل من عمل صالحا أن يحييه حياة طيبة ، فهو صادق الوعد الذي لا يخلف وعده ،
وأي حياة أطيب من حياة اجتمعت همومه كلها وصارت هما واحدة في مرضاة الله؟
ولم يتشعب قلبه ، بل أقبل علي الله ، واجتمعت إرادته وأفكاره ـ التي كانت متقسمة بكل واد منها شعبة ـ علي الله ،
فصار ذكره بمحبوبه الأعلى ، وحبه والشوق إلى لقائه والأنس بقربه وهو المستولي عليه .
وعليه تدور همومه وإرادته وقصوده بل خطرات قلبه ،
فإن سكت سكت بالله ، وإن نطق نطق بالله ، وإن سمع فبه يسمع ، وإن أبصر فيه يبصر ، وبه يبطش ، وبه يمشى ، وبه يتحرك ، وبه يسكن ، وبه يحيا ، وبه يموت ، وبه يبعث . "
كما في صحيح البخاري عنه صلي الله عليه وسلم فيما يروي عن ربه تبارك وتعالي أنه قال:
"ما تقرب إلى عبدي بمثل أداء ما افترضت عليه ولا يزال عبدي يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه
فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، ويده التي يبطش بها ، ورجله التي يمشي بها
فبي يسمع، و بي يبصر ، و بي يبطش ، وبي يمشى ، ولئن سألني لأعطينه ، ولئن استعاذ بي ، لأعيذنه ،
وما ترددت في شيء أنا فاعله ترددي عن قبض روح عبدي المؤمن ، يكره الموت وأكره مساءته ولا بد له منه".
فتضمن هذا الحديث الشريف الإلهي- الذي حرام علي غليظ الطبع كثيف القلب فهم معناه والمراد به- حصر أسباب محبته في أمرين:
أداء فرائضه
والتقرب إليه بالنوافل.
وأخبر سبحانه إن أداء فرائضه أحب مما يتقرب إليه المتقربون ثم بعدها النوافل
وأن المحب لا يزال يكثر من النوافل حتى يصير محبوبا لله
فإذا صار محبوبا لله أوجبت محبة الله له محبة منه أخرى فوق المحبة الأولى فشغلت هذه المحبة قلبه عن الفكرة والاهتمام بغير محبوبه وملكت عليه روحه ولم يبق فيه سعة لغير محبوبه البتة
فصار ذكر محبوبه وحبه مثله الأعلى مالكا لزمام قلبه ، مستوليا علي روحه استيلاء المحبوب علي محبه الصادق في محبته التي قد اجتمعت قوى حبه كلها له.
ولا ريب أن هذا المحب إن سمع سمع بمحبوبه وإن أبصر أبصر به وإن بطش بطش به وإن مشي مشي به
فهو في قلبه ومعه ومؤنسه وصاحبه
فالباء هاهنا باء المصاحبة وهي مصاحبة لا نظير لها ولا تدرك بمجرد الإخبار عنها والعلم بها فالمسألة حالية لا علمية محضة.
********************