تكملة
اهْـــــــلُ أمَـــــــــانِ: وهم الكفار الذين يَقْدمون إلى بلاد المسلمين من غير استيطان لها بقصد التجارة أو الزيارة
فهؤلاء وأمثالهم يُعرض عليهم الإسلام، فإن أجابوا وإلا وجب ردهم إلى مأمنهم
قال تعالى (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ ) التوبة
قال بن القيم (وَأَمَّا الْمُسْتَأْمِنُ فَهُوَ الَّذِي يَقْدَمُ بِلَادَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ غَيْرِ اسْتِيطَانٍ لَهَا ، وَهَؤُلَاءِ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ : رُسُلٌ ، وَتُجَّارٌ ، وَمُسْتَجِيرُونَ حَتَّى يُعْرَضَ عَلَيْهِمُ الْإِسْلَامُ وَالْقُرْآنُ ، فَإِنْ شَاءُوا دَخَلُوا فِيهِ ، وَإِنْ شَاءُوا رَجَعُوا إِلَى بِلَادِهِمْ ، وَطَالِبُوا حَاجَةٍ مِنْ زِيَارَةٍ ، أَوْ غَيْرِهَا ، وَحُكْمُ هَؤُلَاءِ أَلَّا يُهَاجِرُوا ، وَلَا يُقْتَلُوا ، وَلَا تُؤْخَذُ مِنْهُمُ الْجِزْيَةُ ، وَأَنْ يُعْرَضَ عَلَى الْمُسْتَجِيرِ مِنْهُمُ الْإِسْلَامُ وَالْقُرْآنُ ، فَإِنْ دَخَلَ فِيهِ فَذَاكَ ، وَإِنْ أَحَبَّ اللَّحَاقَ بِمَأْمَنِهِ أُلْحِقَ بِهِ ، وَلَمْ يُعْرَضْ لَهُ قَبْلَ وُصُولِهِ إِلَيْهِ ، فَإِذَا وَصَلَ مَأْمَنُهُ عَادَ حَرْبِيًّا كَمَا كَان ) أحكام اهل الذمة
قال ابن المنذر: ( وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ أَمْوَالَ أَهْلِ الشِّرْكِ، وَإِنْ كَانَتْ مُبَاحَةً لِلْمُسْلِمِينَ، مَغْنُومَةً إِذَا أَخَذُوا ذَلِكَ مِنْهُمْ قَهْرًا، فَإِنَّهَا مَمْنُوعَةٌ بِالْأَمَانِ لَهُمْ عَلَيْهَا، مَرْدُودَةٌ إِلَى أَرْبَابِهَا، إِذَا أَخَذُوا ذَلِكَ فِي حَالِ الْأَمَانِ لَهُمْ، يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْمُغِيرَةِ: أَمَّا الْإِسْلَامُ فَأَقْبَلُ، وَأَمَّا الْمَالُ فَلَسْتُ مِنْهُ فِي شَيْءٍ " وَإِنَّمَا حُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُغِيرَةِ لِأَمْنِهِمْ لَمَّا صَحِبُوهُ، وَقَدْ أَمِنَ كُلٌّ مِنْهُمْ صَاحِبَهُ، عَلَى نَفْسِهِ وَمَالِهِ، فَكَانَ سَفْكُهُ دِمَاءَهُمْ وَأَخَذُهُ أَمْوَالَهُمْ فِي الْوَقْتِ غَدْرًا مِنْهُ بِهِمْ، وَالْغَدْرُ غَيْرُ جَائِزٍ، وَالْأَمَانَاتُ مُؤَدَّاةٌ إِلَى الْأَبْرَارِ وَالْفُجَّارِ، وَالْمُؤْمِنِينَ، وَالْمُشْرِكِينَ ). الأوسط 11/ 314
يَجُوزُ الأمَانُ مِن كُلّ مُسْلِم، سَوَاءٌ كَانَ الإمَام أوْ مِن آحَادِ النَّاسِ المُسْلِمِينَ
قال مسلم في صحيحه (عَنْ أَبِي النَّضْرِ ، أَنَّ أَبَا مُرَّةَ مَوْلَى أُمِّ هَانِئٍ بِنْتِ أَبِي طَالِبٍ أَخْبَرَهُ ، أَنَّهُ سَمِعَ أُمَّ هَانِئٍ بِنْتَ أَبِي طَالِبٍ ، تَقُولُ : ذَهَبْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْفَتْحِ ، فَوَجَدْتُهُ يَغْتَسِلُ ، وَفَاطِمَةُ ابْنَتُهُ تَسْتُرُهُ بِثَوْبٍ ، قَالَتْ : فَسَلَّمْتُ ، فَقَالَ : مَنْ هَذِهِ ؟ قُلْتُ : أُمُّ هَانِئٍ بِنْتُ أَبِي طَالِبٍ ، قَالَ : مَرْحَبًا بِأُمِّ هَانِئٍ ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ غُسْلِهِ ، " قَامَ فَصَلَّى ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ مُلْتَحِفًا فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ " ، فَلَمَّا انْصَرَفَ ، قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، زَعَمَ ابْنُ أُمِّي عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ، أَنَّهُ قَاتِلٌ رَجُلًا أَجَرْتُهُ فُلَانُ ابْنُ هُبَيْرَةَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قَدْ أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْتِ يَا أُمَّ هَانِئٍ ، قَالَتْ أُمُّ هَانِئٍ : وَذَلِكَ ضُحًى ) بَاب اسْتِحْبَابِ صَلَاةِ الضُّحَى
و غَيْرُ هَؤلاءِ يَجُوزُ قِتَالُهُم وَ انْ لَمْ يُقَاتِلُوا لأنَّ الأصْلَ فِيهِم وَفِي أمْوَالِهم الحِلُّ بِسَبَبِ كُفْرِهُم
قال تعالى (فَإِذَا انسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ ۚ فَإِن تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) التوبة
و قال مسلم (حَدَّثَنَا سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ ، وَابْنُ أَبِي عُمَرَ ، قَالَا : حَدَّثَنَا مَرْوَانُ يَعْنِيَانِ الْفَزَارِيَّ ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، يَقُولُ : " مَنْ قَالَ : لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، وَكَفَرَ بِمَا يُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ ، حَرُمَ مَالُهُ ، وَدَمُهُ ، وَحِسَابُهُ عَلَى اللَّهِ ) كتاب الايمان
و قال محمد بن عبد الوهاب شارحا قول النبي صلى الله عليه وسلم (من قال لا إله إلا الله وكفر بما يُعبد من دون الله حرم ماله ودمه وحسابه على الله ) ( هذا من أعظم ما يبيِّن معنى "لا إله إلا الله" فإنه لم يجعل التلفظ بها عاصماً للدم والمال، بل ولا معرفة معناها مع لفظها، بل ولا الإقرار بذلك، بل ولا كونه لا يدعو إلا الله وحده لا شريك له، بل لا يحرم ماله ودمه حتى يضيف إلى ذلك الكفر بما يعبد من دون الله، فإن شك أو توقف لم يحرم ماله ودمه. فيالها من مسألة ما أعظمها وأجلها، وياله من بيان ما أوضحه، وحجة ما أقطعها للمنازع ) مجموع مؤلفاته ج 1 ص 26
قال تعالى (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ ۚ فَإِنِ انتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ) الانفال
قال تعالى (وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُم مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ ۚ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ ) البقرة
عِلَّة القِتَال : الشِّرْك
قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً ۚ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ) التوبة
عِلَّةٌ القِتَال : الكُفْرِ
و قال البخاري في صحيحه (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُسْنَدِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو رَوْحٍ الْحَرَمِيُّ بْنُ عُمَارَةَ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ وَاقِدِ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبِي يُحَدِّثُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّ الْإِسْلَامِ وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ ) بَاب فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ
قال الشافعي (اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى حَرَّمَ دَمَ الْمُؤْمِنِ وَمَالَهُ إلَّا بِوَاحِدَةٍ أَلْزَمَهُ إيَّاهَا ، وَأَبَاحَ دَمَ الْكَافِرِ وَمَالَهُ إلَّا بِأَنْ يُؤَدِّيَ الْجِزْيَةَ أَوْ يُسْتَأْمَنَ إلَى مُدَّةٍ ، فَكَانَ الَّذِي يُبَاحُ بِهِ دَمُ الْبَالِغِ مِنْ الْمُشْرِكِينَ هُوَ الَّذِي يُبَاحُ بِهِ مَالُهُ ، وَكَانَ الْمَالُ تَبَعًا لِلَّذِي هُوَ أَعْظَمُ مِنْ الْمَالِ ، فَلَمَّا خَرَجَ الْمُرْتَدُّ مِنْ الْإِسْلَامِ صَارَ فِي مَعْنَى مَنْ أُبِيحَ دَمُهُ بِالْكُفْرِ لَا بِغَيْرِهِ وَكَانَ مَالُهُ تَبَعًا لِدَمِهِ ، وَيُبَاحُ بِاَلَّذِي أُبِيحَ بِهِ مِنْ دَمِهِ ، وَلَا يَكُونُ أَنْ تَنْحَلَّ عَنْهُ عُقْدَةُ الْإِسْلَامِ فَيُبَاحَ دَمُهُ وَيُمْنَعَ مَالَهُ ) كتاب الصلاة - الْخِلَافُ فِي الْمُرْتَدِّ
قال ابن جرير الطبري (وَكَذَلِكَ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْمُشْرِكَ لَوْ قَلَّدَ عُنُقَهُ أَوْ ذِرَاعَيْهِ لِحَاءَ جَمِيعِ أَشْجَارِ الْحَرَمِ ، لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُ أَمَانًا مِنَ الْقَتْلِ ، إِذَا لَمْ يَكُنْ تَقَدَّمَ لَهُ عَقْدُ ذِمَّةٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَوْ أَمَانٍ ) جامع البيان في تأويل القرآن المعروف – تفسير سورة المائدة
قال الشافعي (حَقَنَ اللَّهُ الدِّمَاءَ ، وَمَنَعَ الْأَمْوَالَ إلَّا بِحَقِّهَا بِالْإِيمَانِ بِاَللَّهِ ، وَبِرَسُولِهِ أَوْ عَهْدٍ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ بِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ لِأَهْلِ الْكِتَابِ ، وَأَبَاحَ دِمَاءَ الْبَالِغِينَ مِنْ الرِّجَالِ بِالِامْتِنَاعِ مِنْ الْإِيمَانِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ عَهْدٌ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ } إلَى { غَفُورٌ رَحِيمٌ } و أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : لَا أَزَالُ أُقَاتِلُ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ فَإِذَا قَالُوهَا فَقَدْ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إلَّا بِحَقِّهَا ، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ . وَاَلَّذِي أَرَادَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُقْتَلُوا حَتَّى يَتُوبُوا ، وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ ، أَهْلُ الْأَوْثَانِ مِنْ الْعَرَبِ ، وَغَيْرِهِمْ الَّذِينَ لَا كِتَابَ لَهُمْ ، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ : مَا دَلَّ عَلَى ذَلِكَ ؟ قِيلَ لَهُ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ { قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ } : فَمَنْ لَمْ يَزَلْ عَلَى الشِّرْكِ مُقِيمًا لَمْ يُحَوَّلْ عَنْهُ إلَى الْإِسْلَامِ فَالْقَتْلُ عَلَى الرِّجَالِ دُونَ النِّسَاءِ مِنْهُمْ ) كتاب الام - الْحُكْمُ فِي السَّاحِرِ وَالسَّاحِرَةِ
قال الكاساني (وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ كُلَّ مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْقِتَالِ يَحِلُّ قَتْلُهُ ، سَوَاءٌ قَاتَلَ أَوْ لَمْ يُقَاتِلْ ، وَكُلُّ مَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الْقِتَالِ لَا يَحِلُّ قَتْلُهُ إلَّا إذَا قَاتَلَ حَقِيقَةً أَوْ مَعْنًى بِالرَّأْيِ وَالطَّاعَةِ وَالتَّحْرِيضِ ) بدائع الصنائع
وَ مِنَ الأمْثِلَةِ
قال البخاري في صحيحه (حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ قَالَ أَخْبَرَنِي الزُّهْرِيُّ قَالَ أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ عَنْ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ وَمَرْوَانَ يُصَدِّقُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَدِيثَ صَاحِبِهِ قَالَا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَمَنَ الْحُدَيْبِيَةِ حَتَّى إِذَا كَانُوا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ بِالْغَمِيمِ فِي خَيْلٍ لِقُرَيْشٍ طَلِيعَةٌ فَخُذُوا ذَاتَ الْيَمِينِ فَوَاللَّهِ مَا شَعَرَ بِهِمْ خَالِدٌ حَتَّى إِذَا هُمْ بِقَتَرَةِ الْجَيْشِ فَانْطَلَقَ يَرْكُضُ نَذِيرًا لِقُرَيْشٍ وَسَارَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى إِذَا كَانَ بِالثَّنِيَّةِ الَّتِي يُهْبَطُ عَلَيْهِمْ مِنْهَا بَرَكَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ فَقَالَ النَّاسُ حَلْ حَلْ فَأَلَحَّتْ فَقَالُوا خَلَأَتْ الْقَصْوَاءُ خَلَأَتْ الْقَصْوَاءُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا خَلَأَتْ الْقَصْوَاءُ وَمَا ذَاكَ لَهَا بِخُلُقٍ وَلَكِنْ حَبَسَهَا حَابِسُ الْفِيلِ ثُمَّ قَالَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يَسْأَلُونِي خُطَّةً يُعَظِّمُونَ فِيهَا حُرُمَاتِ اللَّهِ إِلَّا أَعْطَيْتُهُمْ إِيَّاهَا ثُمَّ زَجَرَهَا فَوَثَبَتْ قَالَ فَعَدَلَ عَنْهُمْ حَتَّى نَزَلَ بِأَقْصَى الْحُدَيْبِيَةِ عَلَى ثَمَدٍ قَلِيلِ الْمَاءِ يَتَبَرَّضُهُ النَّاسُ تَبَرُّضًا فَلَمْ يُلَبِّثْهُ النَّاسُ حَتَّى نَزَحُوهُ وَشُكِيَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَطَشُ فَانْتَزَعَ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِهِ ثُمَّ أَمَرَهُمْ أَنْ يَجْعَلُوهُ فِيهِ فَوَاللَّهِ مَا زَالَ يَجِيشُ لَهُمْ بِالرِّيِّ حَتَّى صَدَرُوا عَنْهُ فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ جَاءَ بُدَيْلُ بْنُ وَرْقَاءَ الْخُزَاعِيُّ فِي نَفَرٍ مِنْ قَوْمِهِ مِنْ خُزَاعَةَ وَكَانُوا عَيْبَةَ نُصْحِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَهْلِ تِهَامَةَ فَقَالَ إِنِّي تَرَكْتُ كَعْبَ بْنَ لُؤَيٍّ وَعَامِرَ بْنَ لُؤَيٍّ نَزَلُوا أَعْدَادَ مِيَاهِ الْحُدَيْبِيَةِ وَمَعَهُمْ الْعُوذُ الْمَطَافِيلُ وَهُمْ مُقَاتِلُوكَ وَصَادُّوكَ عَنْ الْبَيْتِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّا لَمْ نَجِئْ لِقِتَالِ أَحَدٍ وَلَكِنَّا جِئْنَا مُعْتَمِرِينَ وَإِنَّ قُرَيْشًا قَدْ نَهِكَتْهُمْ الْحَرْبُ وَأَضَرَّتْ بِهِمْ فَإِنْ شَاءُوا مَادَدْتُهُمْ مُدَّةً وَيُخَلُّوا بَيْنِي وَبَيْنَ النَّاسِ فَإِنْ أَظْهَرْ فَإِنْ شَاءُوا أَنْ يَدْخُلُوا فِيمَا دَخَلَ فِيهِ النَّاسُ فَعَلُوا وَإِلَّا فَقَدْ جَمُّوا وَإِنْ هُمْ أَبَوْا فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَأُقَاتِلَنَّهُمْ عَلَى أَمْرِي هَذَا حَتَّى تَنْفَرِدَ سَالِفَتِي وَلَيُنْفِذَنَّ اللَّهُ أَمْرَهُ فَقَالَ بُدَيْلٌ سَأُبَلِّغُهُمْ مَا تَقُولُ قَالَ فَانْطَلَقَ حَتَّى أَتَى قُرَيْشًا قَالَ إِنَّا قَدْ جِئْنَاكُمْ مِنْ هَذَا الرَّجُلِ وَسَمِعْنَاهُ يَقُولُ قَوْلًا فَإِنْ شِئْتُمْ أَنْ نَعْرِضَهُ عَلَيْكُمْ فَعَلْنَا فَقَالَ سُفَهَاؤُهُمْ لَا حَاجَةَ لَنَا أَنْ تُخْبِرَنَا عَنْهُ بِشَيْءٍ وَقَالَ ذَوُو الرَّأْيِ مِنْهُمْ هَاتِ مَا سَمِعْتَهُ يَقُولُ قَالَ سَمِعْتُهُ يَقُولُ كَذَا وَكَذَا فَحَدَّثَهُمْ بِمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَامَ عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ فَقَالَ أَيْ قَوْمِ أَلَسْتُمْ بِالْوَالِدِ قَالُوا بَلَى قَالَ أَوَلَسْتُ بِالْوَلَدِ قَالُوا بَلَى قَالَ فَهَلْ تَتَّهِمُونِي قَالُوا لَا قَالَ أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنِّي اسْتَنْفَرْتُ أَهْلَ عُكَاظَ فَلَمَّا بَلَّحُوا عَلَيَّ جِئْتُكُمْ بِأَهْلِي وَوَلَدِي وَمَنْ أَطَاعَنِي قَالُوا بَلَى قَالَ فَإِنَّ هَذَا قَدْ عَرَضَ لَكُمْ خُطَّةَ رُشْدٍ اقْبَلُوهَا وَدَعُونِي آتِيهِ قَالُوا ائْتِهِ فَأَتَاهُ فَجَعَلَ يُكَلِّمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوًا مِنْ قَوْلِهِ لِبُدَيْلٍ فَقَالَ عُرْوَةُ عِنْدَ ذَلِكَ أَيْ مُحَمَّدُ أَرَأَيْتَ إِنْ اسْتَأْصَلْتَ أَمْرَ قَوْمِكَ هَلْ سَمِعْتَ بِأَحَدٍ مِنْ الْعَرَبِ اجْتَاحَ أَهْلَهُ قَبْلَكَ وَإِنْ تَكُنِ الْأُخْرَى فَإِنِّي وَاللَّهِ لَأَرَى وُجُوهًا وَإِنِّي لَأَرَى أَوْشَابًا مِنْ النَّاسِ خَلِيقًا أَنْ يَفِرُّوا وَيَدَعُوكَ فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ امْصُصْ بِبَظْرِ اللَّاتِ أَنَحْنُ نَفِرُّ عَنْهُ وَنَدَعُهُ فَقَالَ مَنْ ذَا قَالُوا أَبُو بَكْرٍ قَالَ أَمَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْلَا يَدٌ كَانَتْ لَكَ عِنْدِي لَمْ أَجْزِكَ بِهَا لَأَجَبْتُكَ قَالَ وَجَعَلَ يُكَلِّمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكُلَّمَا تَكَلَّمَ أَخَذَ بِلِحْيَتِهِ وَالْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ قَائِمٌ عَلَى رَأْسِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَهُ السَّيْفُ وَعَلَيْهِ الْمِغْفَرُ فَكُلَّمَا أَهْوَى عُرْوَةُ بِيَدِهِ إِلَى لِحْيَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَرَبَ يَدَهُ بِنَعْلِ السَّيْفِ وَقَالَ لَهُ أَخِّرْ يَدَكَ عَنْ لِحْيَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَفَعَ عُرْوَةُ رَأْسَهُ فَقَالَ مَنْ هَذَا قَالُوا الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ فَقَالَ أَيْ غُدَرُ أَلَسْتُ أَسْعَى فِي غَدْرَتِكَ وَكَانَ الْمُغِيرَةُ صَحِبَ قَوْمًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَقَتَلَهُمْ وَأَخَذَ أَمْوَالَهُمْ ثُمَّ جَاءَ فَأَسْلَمَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَّا الْإِسْلَامَ فَأَقْبَلُ وَأَمَّا الْمَالَ فَلَسْتُ مِنْهُ فِي شَيْءٍ ثُمَّ إِنَّ عُرْوَةَ جَعَلَ يَرْمُقُ أَصْحَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَيْنَيْهِ قَالَ فَوَاللَّهِ مَا تَنَخَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نُخَامَةً إِلَّا وَقَعَتْ فِي كَفِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ فَدَلَكَ بِهَا وَجْهَهُ وَجِلْدَهُ وَإِذَا أَمَرَهُمْ ابْتَدَرُوا أَمْرَهُ وَإِذَا تَوَضَّأَ كَادُوا يَقْتَتِلُونَ عَلَى وَضُوئِهِ وَإِذَا تَكَلَّمَ خَفَضُوا أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَهُ وَمَا يُحِدُّونَ إِلَيْهِ النَّظَرَ تَعْظِيمًا لَهُ فَرَجَعَ عُرْوَةُ إِلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ أَيْ قَوْمِ وَاللَّهِ لَقَدْ وَفَدْتُ عَلَى الْمُلُوكِ وَوَفَدْتُ عَلَى قَيْصَرَ وَكِسْرَى وَالنَّجَاشِيِّ وَاللَّهِ إِنْ رَأَيْتُ مَلِكًا قَطُّ يُعَظِّمُهُ أَصْحَابُهُ مَا يُعَظِّمُ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحَمَّدًا وَاللَّهِ إِنْ تَنَخَّمَ نُخَامَةً إِلَّا وَقَعَتْ فِي كَفِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ فَدَلَكَ بِهَا وَجْهَهُ وَجِلْدَهُ وَإِذَا أَمَرَهُمْ ابْتَدَرُوا أَمْرَهُ وَإِذَا تَوَضَّأَ كَادُوا يَقْتَتِلُونَ عَلَى وَضُوئِهِ وَإِذَا تَكَلَّمَ خَفَضُوا أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَهُ وَمَا يُحِدُّونَ إِلَيْهِ النَّظَرَ تَعْظِيمًا لَهُ وَإِنَّهُ قَدْ عَرَضَ عَلَيْكُمْ خُطَّةَ رُشْدٍ فَاقْبَلُوهَا فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي كِنَانَةَ دَعُونِي آتِيهِ فَقَالُوا ائْتِهِ فَلَمَّا أَشْرَفَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا فُلَانٌ وَهُوَ مِنْ قَوْمٍ يُعَظِّمُونَ الْبُدْنَ فَابْعَثُوهَا لَهُ فَبُعِثَتْ لَهُ وَاسْتَقْبَلَهُ النَّاسُ يُلَبُّونَ فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ قَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ مَا يَنْبَغِي لِهَؤُلَاءِ أَنْ يُصَدُّوا عَنْ الْبَيْتِ فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى أَصْحَابِهِ قَالَ رَأَيْتُ الْبُدْنَ قَدْ قُلِّدَتْ وَأُشْعِرَتْ فَمَا أَرَى أَنْ يُصَدُّوا عَنْ الْبَيْتِ فَقَامَ رَجُلٌ مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ مِكْرَزُ بْنُ حَفْصٍ فَقَالَ دَعُونِي آتِيهِ فَقَالُوا ائْتِهِ فَلَمَّا أَشْرَفَ عَلَيْهِمْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا مِكْرَزٌ وَهُوَ رَجُلٌ فَاجِرٌ فَجَعَلَ يُكَلِّمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَيْنَمَا هُوَ يُكَلِّمُهُ إِذْ جَاءَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ مَعْمَرٌ فَأَخْبَرَنِي أَيُّوبُ عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّهُ لَمَّا جَاءَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقَدْ سَهُلَ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ قَالَ مَعْمَرٌ قَالَ الزُّهْرِيُّ فِي حَدِيثِهِ فَجَاءَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو فَقَالَ هَاتِ اكْتُبْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ كِتَابًا فَدَعَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْكَاتِبَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قَالَ سُهَيْلٌ أَمَّا الرَّحْمَنُ فَوَاللَّهِ مَا أَدْرِي مَا هُوَ وَلَكِنْ اكْتُبْ بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ كَمَا كُنْتَ تَكْتُبُ فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ وَاللَّهِ لَا نَكْتُبُهَا إِلَّا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اكْتُبْ بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ ثُمَّ قَالَ هَذَا مَا قَاضَى عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ فَقَالَ سُهَيْلٌ وَاللَّهِ لَوْ كُنَّا نَعْلَمُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ مَا صَدَدْنَاكَ عَنْ الْبَيْتِ وَلَا قَاتَلْنَاكَ وَلَكِنْ اكْتُبْ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاللَّهِ إِنِّي لَرَسُولُ اللَّهِ وَإِنْ كَذَّبْتُمُونِي اكْتُبْ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ الزُّهْرِيُّ وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ لَا يَسْأَلُونِي خُطَّةً يُعَظِّمُونَ فِيهَا حُرُمَاتِ اللَّهِ إِلَّا أَعْطَيْتُهُمْ إِيَّاهَا فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَنْ تُخَلُّوا بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْبَيْتِ فَنَطُوفَ بِهِ فَقَالَ سُهَيْلٌ وَاللَّهِ لَا تَتَحَدَّثُ الْعَرَبُ أَنَّا أُخِذْنَا ضُغْطَةً وَلَكِنْ ذَلِكَ مِنْ الْعَامِ الْمُقْبِلِ فَكَتَبَ فَقَالَ سُهَيْلٌ وَعَلَى أَنَّهُ لَا يَأْتِيكَ مِنَّا رَجُلٌ وَإِنْ كَانَ عَلَى دِينِكَ إِلَّا رَدَدْتَهُ إِلَيْنَا قَالَ الْمُسْلِمُونَ سُبْحَانَ اللَّهِ كَيْفَ يُرَدُّ إِلَى الْمُشْرِكِينَ وَقَدْ جَاءَ مُسْلِمًا فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ دَخَلَ أَبُو جَنْدَلِ بْنُ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو يَرْسُفُ فِي قُيُودِهِ وَقَدْ خَرَجَ مِنْ أَسْفَلِ مَكَّةَ حَتَّى رَمَى بِنَفْسِهِ بَيْنَ أَظْهُرِ الْمُسْلِمِينَ فَقَالَ سُهَيْلٌ هَذَا يَا مُحَمَّدُ أَوَّلُ مَا أُقَاضِيكَ عَلَيْهِ أَنْ تَرُدَّهُ إِلَيَّ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّا لَمْ نَقْضِ الْكِتَابَ بَعْدُ قَالَ فَوَاللَّهِ إِذًا لَمْ أُصَالِحْكَ عَلَى شَيْءٍ أَبَدًا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَجِزْهُ لِي قَالَ مَا أَنَا بِمُجِيزِهِ لَكَ قَالَ بَلَى فَافْعَلْ قَالَ مَا أَنَا بِفَاعِلٍ قَالَ مِكْرَزٌ بَلْ قَدْ أَجَزْنَاهُ لَكَ قَالَ أَبُو جَنْدَلٍ أَيْ مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ أُرَدُّ إِلَى الْمُشْرِكِينَ وَقَدْ جِئْتُ مُسْلِمًا أَلَا تَرَوْنَ مَا قَدْ لَقِيتُ وَكَانَ قَدْ عُذِّبَ عَذَابًا شَدِيدًا فِي اللَّهِ قَالَ فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَأَتَيْتُ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ أَلَسْتَ نَبِيَّ اللَّهِ حَقًّا قَالَ بَلَى قُلْتُ أَلَسْنَا عَلَى الْحَقِّ وَعَدُوُّنَا عَلَى الْبَاطِلِ قَالَ بَلَى قُلْتُ فَلِمَ نُعْطِي الدَّنِيَّةَ فِي دِينِنَا إِذًا قَالَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ وَلَسْتُ أَعْصِيهِ وَهُوَ نَاصِرِي قُلْتُ أَوَلَيْسَ كُنْتَ تُحَدِّثُنَا أَنَّا سَنَأْتِي الْبَيْتَ فَنَطُوفُ بِهِ قَالَ بَلَى فَأَخْبَرْتُكَ أَنَّا نَأْتِيهِ الْعَامَ قَالَ قُلْتُ لَا قَالَ فَإِنَّكَ آتِيهِ وَمُطَّوِّفٌ بِهِ قَالَ فَأَتَيْتُ أَبَا بَكْرٍ فَقُلْتُ يَا أَبَا بَكْرٍ أَلَيْسَ هَذَا نَبِيَّ اللَّهِ حَقًّا قَالَ بَلَى قُلْتُ أَلَسْنَا عَلَى الْحَقِّ وَعَدُوُّنَا عَلَى الْبَاطِلِ قَالَ بَلَى قُلْتُ فَلِمَ نُعْطِي الدَّنِيَّةَ فِي دِينِنَا إِذًا قَالَ أَيُّهَا الرَّجُلُ إِنَّهُ لَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَيْسَ يَعْصِي رَبَّهُ وَهُوَ نَاصِرُهُ فَاسْتَمْسِكْ بِغَرْزِهِ فَوَاللَّهِ إِنَّهُ عَلَى الْحَقِّ قُلْتُ أَلَيْسَ كَانَ يُحَدِّثُنَا أَنَّا سَنَأْتِي الْبَيْتَ وَنَطُوفُ بِهِ قَالَ بَلَى أَفَأَخْبَرَكَ أَنَّكَ تَأْتِيهِ الْعَامَ قُلْتُ لَا قَالَ فَإِنَّكَ آتِيهِ وَمُطَّوِّفٌ بِهِ قَالَ الزُّهْرِيُّ قَالَ عُمَرُ فَعَمِلْتُ لِذَلِكَ أَعْمَالًا قَالَ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ قَضِيَّةِ الْكِتَابِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ قُومُوا فَانْحَرُوا ثُمَّ احْلِقُوا قَالَ فَوَاللَّهِ مَا قَامَ مِنْهُمْ رَجُلٌ حَتَّى قَالَ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَلَمَّا لَمْ يَقُمْ مِنْهُمْ أَحَدٌ دَخَلَ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ فَذَكَرَ لَهَا مَا لَقِيَ مِنْ النَّاسِ فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَتُحِبُّ ذَلِكَ اخْرُجْ ثُمَّ لَا تُكَلِّمْ أَحَدًا مِنْهُمْ كَلِمَةً حَتَّى تَنْحَرَ بُدْنَكَ وَتَدْعُوَ حَالِقَكَ فَيَحْلِقَكَ فَخَرَجَ فَلَمْ يُكَلِّمْ أَحَدًا مِنْهُمْ حَتَّى فَعَلَ ذَلِكَ نَحَرَ بُدْنَهُ وَدَعَا حَالِقَهُ فَحَلَقَهُ فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِكَ قَامُوا فَنَحَرُوا وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يَحْلِقُ بَعْضًا حَتَّى كَادَ بَعْضُهُمْ يَقْتُلُ بَعْضًا غَمًّا ثُمَّ جَاءَهُ نِسْوَةٌ مُؤْمِنَاتٌ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمْ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ حَتَّى بَلَغَ بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ فَطَلَّقَ عُمَرُ يَوْمَئِذٍ امْرَأَتَيْنِ كَانَتَا لَهُ فِي الشِّرْكِ فَتَزَوَّجَ إِحْدَاهُمَا مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ وَالْأُخْرَى صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ ثُمَّ رَجَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَةِ فَجَاءَهُ أَبُو بَصِيرٍ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ وَهُوَ مُسْلِمٌ فَأَرْسَلُوا فِي طَلَبِهِ رَجُلَيْنِ فَقَالُوا الْعَهْدَ الَّذِي جَعَلْتَ لَنَا فَدَفَعَهُ إِلَى الرَّجُلَيْنِ فَخَرَجَا بِهِ حَتَّى بَلَغَا ذَا الْحُلَيْفَةِ فَنَزَلُوا يَأْكُلُونَ مِنْ تَمْرٍ لَهُمْ فَقَالَ أَبُو بَصِيرٍ لِأَحَدِ الرَّجُلَيْنِ وَاللَّهِ إِنِّي لَأَرَى سَيْفَكَ هَذَا يَا فُلَانُ جَيِّدًا فَاسْتَلَّهُ الْآخَرُ فَقَالَ أَجَلْ وَاللَّهِ إِنَّهُ لَجَيِّدٌ لَقَدْ جَرَّبْتُ بِهِ ثُمَّ جَرَّبْتُ فَقَالَ أَبُو بَصِيرٍ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْهِ فَأَمْكَنَهُ مِنْهُ فَضَرَبَهُ حَتَّى بَرَدَ وَفَرَّ الْآخَرُ حَتَّى أَتَى الْمَدِينَةَ فَدَخَلَ الْمَسْجِدَ يَعْدُو فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ رَآهُ لَقَدْ رَأَى هَذَا ذُعْرًا فَلَمَّا انْتَهَى إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ قُتِلَ وَاللَّهِ صَاحِبِي وَإِنِّي لَمَقْتُولٌ فَجَاءَ أَبُو بَصِيرٍ فَقَالَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ قَدْ وَاللَّهِ أَوْفَى اللَّهُ ذِمَّتَكَ قَدْ رَدَدْتَنِي إِلَيْهِمْ ثُمَّ أَنْجَانِي اللَّهُ مِنْهُمْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيْلُ أُمِّهِ مِسْعَرَ حَرْبٍ لَوْ كَانَ لَهُ أَحَدٌ فَلَمَّا سَمِعَ ذَلِكَ عَرَفَ أَنَّهُ سَيَرُدُّهُ إِلَيْهِمْ فَخَرَجَ حَتَّى أَتَى سِيفَ الْبَحْرِ قَالَ وَيَنْفَلِتُ مِنْهُمْ أَبُو جَنْدَلِ بْنُ سُهَيْلٍ فَلَحِقَ بِأَبِي بَصِيرٍ فَجَعَلَ لَا يَخْرُجُ مِنْ قُرَيْشٍ رَجُلٌ قَدْ أَسْلَمَ إِلَّا لَحِقَ بِأَبِي بَصِيرٍ حَتَّى اجْتَمَعَتْ مِنْهُمْ عِصَابَةٌ فَوَاللَّهِ مَا يَسْمَعُونَ بِعِيرٍ خَرَجَتْ لِقُرَيْشٍ إِلَى الشَّأْمِ إِلَّا اعْتَرَضُوا لَهَا فَقَتَلُوهُمْ وَأَخَذُوا أَمْوَالَهُمْ فَأَرْسَلَتْ قُرَيْشٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُنَاشِدُهُ بِاللَّهِ وَالرَّحِمِ لَمَّا أَرْسَلَ فَمَنْ أَتَاهُ فَهُوَ آمِنٌ فَأَرْسَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِمْ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ حَتَّى بَلَغَ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ وَكَانَتْ حَمِيَّتُهُمْ أَنَّهُمْ لَمْ يُقِرُّوا أَنَّهُ نَبِيُّ اللَّهِ وَلَمْ يُقِرُّوا بِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَحَالُوا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْبَيْتِ قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ مَعَرَّةٌ الْعُرُّ الْجَرَبُ تَزَيَّلُوا تَمَيَّزُوا وَحَمَيْتُ الْقَوْمَ مَنَعْتُهُمْ حِمَايَةً وَأَحْمَيْتُ الْحِمَى جَعَلْتُهُ حِمًى لَا يُدْخَلُ وَأَحْمَيْتُ الْحَدِيدَ وَأَحْمَيْتُ الرَّجُلَ إِذَا أَغْضَبْتَهُ إِحْمَاءً وَقَالَ عُقَيْلٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ عُرْوَةُ فَأَخْبَرَتْنِي عَائِشَةُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَمْتَحِنُهُنَّ وَبَلَغْنَا أَنَّهُ لَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يَرُدُّوا إِلَى الْمُشْرِكِينَ مَا أَنْفَقُوا عَلَى مَنْ هَاجَرَ مِنْ أَزْوَاجِهِمْ وَحَكَمَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَنْ لَا يُمَسِّكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ أَنَّ عُمَرَ طَلَّقَ امْرَأَتَيْنِ قَرِيبَةَ بِنْتَ أَبِي أُمَيَّةَ وَابْنَةَ جَرْوَلٍ الْخُزَاعِيِّ فَتَزَوَّجَ قَرِيبَةَ مُعَاوِيَةُ وَتَزَوَّجَ الْأُخْرَى أَبُو جَهْمٍ فَلَمَّا أَبَى الْكُفَّارُ أَنْ يُقِرُّوا بِأَدَاءِ مَا أَنْفَقَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى وَإِنْ فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ وَالْعَقْبُ مَا يُؤَدِّي الْمُسْلِمُونَ إِلَى مَنْ هَاجَرَتْ امْرَأَتُهُ مِنْ الْكُفَّارِ فَأَمَرَ أَنْ يُعْطَى مَنْ ذَهَبَ لَهُ زَوْجٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مَا أَنْفَقَ مِنْ صَدَاقِ نِسَاءِ الْكُفَّارِ اللَّائِي هَاجَرْنَ وَمَا نَعْلَمُ أَنَّ أَحَدًا مِنْ الْمُهَاجِرَاتِ ارْتَدَّتْ بَعْدَ إِيمَانِهَا وَبَلَغَنَا أَنَّأَبَا بَصِيرِ بْنَ أَسِيدٍ الثَّقَفِيَّ قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُؤْمِنًا مُهَاجِرًا فِي الْمُدَّةِ فَكَتَبَ الْأَخْنَسُ بْنُ شَرِيقٍ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلُهُ أَبَا بَصِيرٍ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ ) بَاب الشُّرُوطِ فِي الْجِهَادِ وَالْمُصَالَحَةِ مَعَ أَهْلِ الْحَرْبِ وَكِتَابَةِ الشُّرُوطِ
فأبو بصير احل دم الرجلين من قريش و لم ينكر هذا رسول الله بل أثنى عليه فقال صلى الله عليه و سلم : وَيْلُ أُمِّهِ! مِسْعَرَ حَرْبٍ لَوْ كَانَ لَهُ أَحَدٌ
قال البخاري ( حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ ، قَالَ : حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْلًا قِبَلَ نَجْدٍ فَجَاءَتْ بِرَجُلٍ مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ ، يُقَالُ لَهُ : ثُمَامَةُ بْنُ أُثَالٍ ، فَرَبَطُوهُ بِسَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : " مَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ ؟ " فَقَالَ : عِنْدِي خَيْرٌ يَا مُحَمَّدُ ، إِنْ تَقْتُلْنِي تَقْتُلْ ذَا دَمٍ ، وَإِنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ ، وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ الْمَالَ ، فَسَلْ مِنْهُ مَا شِئْتَ ، فَتُرِكَ حَتَّى كَانَ الْغَدُ ، ثُمَّ قَالَ لَهُ : " مَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ ؟ " قَالَ : مَا قُلْتُ لَكَ : إِنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ ، فَتَرَكَهُ حَتَّى كَانَ بَعْدَ الْغَدِ ، فَقَالَ : " مَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ ؟ " فَقَالَ : عِنْدِي مَا قُلْتُ لَكَ ، فَقَالَ : " أَطْلِقُوا ثُمَامَةَ " ، فَانْطَلَقَ إِلَى نَجْلٍ قَرِيبٍ مِنَ الْمَسْجِدِ فَاغْتَسَلَ ، ثُمَّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ ، فَقَالَ : أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ، يَا مُحَمَّدُ وَاللَّهِ مَا كَانَ عَلَى الْأَرْضِ وَجْهٌ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ وَجْهِكَ ، فَقَدْ أَصْبَحَ وَجْهُكَ أَحَبَّ الْوُجُوهِ إِلَيَّ ، وَاللَّهِ مَا كَانَ مِنْ دِينٍ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ دِينِكَ ، فَأَصْبَحَ دِينُكَ أَحَبَّ الدِّينِ إِلَيَّ ، وَاللَّهِ مَا كَانَ مِنْ بَلَدٍ أَبْغَضُ إِلَيَّ مِنْ بَلَدِكَ ، فَأَصْبَحَ بَلَدُكَ أَحَبَّ الْبِلَادِ إِلَيَّ ، وَإِنَّ خَيْلَكَ أَخَذَتْنِي وَأَنَا أُرِيدُ الْعُمْرَةَ ، فَمَاذَا تَرَى ؟ فَبَشَّرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمَرَهُ أَنْ يَعْتَمِرَ ، فَلَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ ، قَالَ لَهُ قَائِلٌ : صَبَوْتَ ، قَالَ : لَا ، وَلَكِنْ أَسْلَمْتُ مَعَ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا وَاللَّهِ لَا يَأْتِيكُمْ مِنْ الْيَمَامَةِ حَبَّةُ حِنْطَةٍ حَتَّى يَأْذَنَ فِيهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) صحيح البخاري
فالصحابة كانوا يرون حل دم المشركين ابتداءًا لهذا أسروه
تعامل الصحابة مع قوم مسيلمة
قال النسائي في السنن الكبرى (أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو ، ثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ ، ثَنَا بَحْرُ بْنُ نَصْرٍ ، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ ، أَخْبَرَنِي يُونُسُ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ : أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ أَخَذَ بِالْكُوفَةِ رِجَالًا يَنْعِشُونَ حَدِيثَ مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابِ يَدْعُونَ إِلَيْهِمْ ؛ فَكَتَبَ فِيهِمْ إِلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَكَتَبَ عُثْمَانُ : أَنِ اعْرِضْ عَلَيْهِمْ دِينَ الْحَقِّ ، وَشَهَادَةَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ، فَمَنْ قَبِلَهَا وَبَرِئَ مِنْ مُسَيْلِمَةَ فَلَا تَقْتُلْهُ ، وَمَنْ لَزِمَ دِينَ مُسَيْلِمَةَ فَاقْتُلْهُ ، فَقَبِلَهَا رِجَالٌ مِنْهُمْ فَتُرِكَوا ، وَلَزِمَ دِينَ مُسَيْلِمَةَ رِجَالٌ فَقُتِلُوا ) كتاب المرتد
فسقط العهد بمجرد شركهم في النبوة و ايمانهم بمسيلمة الكذاب
و كذلك كان السلف
قال عبد الله ( سَمِعْتُ أَبَا مَعْمَرٍ الْهُذَلِيُّ ، يَقُولُ : مَنْ زَعَمَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لا يَتَكَلَّمُ وَلا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يَغْضَبُ وَلا يَرْضَى وَذَكَرَ أَشْيَاءَ مِنْ هَذِهِ الصِّفَاتِ فَهُوَ كَافِرٌ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إِنْ رَأَيْتُمُوهُ عَلَى بِئْرٍ وَاقِفًا فَأَلْقُوهُ فِيهَا بِهَذَا أَدِينُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ ، لأَنَّهُمْ كُفَّارٌ بِاللَّهِ تَعَالَى ) السنة
فتأمل قوله : إِنْ رَأَيْتُمُوهُ عَلَى بِئْرٍ وَاقِفًا فَأَلْقُوهُ فِيهَا و فيه بيان أنّ دم المسلم يصبح حلال بمجرد تلبسه بالكفر
و هذا طبعا بعد بلوغ الدعوة اليهم
و النَّاس فِي هَذا قِسْمَانِ
قَوْمٌ لَمْ تَبْلَغْهُم الدَّعْوَة فَيَجِبُ دَعْوَتَهُم قَبْل قِتَالِهُم
قال مسلم في صحيحه (حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ يَعْنِي ابْنَ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلٍ، ح وَحَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ - وَاللَّفْظُ هَذَا - حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، أَخْبَرَنِي سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ يَوْمَ خَيْبَرَ: «لَأُعْطِيَنَّ هَذِهِ الرَّايَةَ رَجُلًا يَفْتَحُ اللهُ عَلَى يَدَيْهِ، يُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيُحِبُّهُ اللهُ وَرَسُولُهُ» قَالَ: فَبَاتَ النَّاسُ يَدُوكُونَ لَيْلَتَهُمْ أَيُّهُمْ يُعْطَاهَا، قَالَ فَلَمَّا أَصْبَحَ النَّاسُ غَدَوْا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كُلُّهُمْ يَرْجُونَ أَنْ يُعْطَاهَا، فَقَالَ أَيْنَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَقَالُوا: هُوَ يَا رَسُولَ اللهِ يَشْتَكِي عَيْنَيْهِ، قَالَ فَأَرْسِلُوا إِلَيْهِ، فَأُتِيَ بِهِ، فَبَصَقَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عَيْنَيْهِ، وَدَعَا لَهُ فَبَرَأَ، حَتَّى كَأَنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ وَجَعٌ، فَأَعْطَاهُ الرَّايَةَ، فَقَالَ عَلِيٌّ: يَا رَسُولَ اللهِ أُقَاتِلُهُمْ حَتَّى يَكُونُوا مِثْلَنَا، فَقَالَ: «انْفُذْ عَلَى رِسْلِكَ، حَتَّى تَنْزِلَ بِسَاحَتِهِمْ، ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ، وَأَخْبِرْهُمْ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ مِنْ حَقِّ اللهِ فِيهِ، فَوَاللهِ لَأَنْ يَهْدِيَ اللهُ بِكَ رَجُلًا وَاحِدًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ ) باب من فضائل علي بن أبي طالب رضي الله عنه
و قِسْمٌ بَلَغَتْهُم الدَّعْوَة فَيُغَارُ عَلَيْهُم مُبَاشَرَة
قال مسلم في صحيحه (حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِيُّ حَدَّثَنَا سُلَيْمُ بْنُ أَخْضَرَ عَنْ ابْنِ عَوْنٍ قَالَ كَتَبْتُ إِلَى نَافِعٍ أَسْأَلُهُ عَنْ الدُّعَاءِ قَبْلَ الْقِتَالِ قَالَ فَكَتَبَ إِلَيَّ إِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ قَدْ أَغَارَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى بَنِي الْمُصْطَلِقِ وَهُمْ غَارُّونَ وَأَنْعَامُهُمْ تُسْقَى عَلَى الْمَاءِ فَقَتَلَ مُقَاتِلَتَهُمْ وَسَبَى سَبْيَهُمْ وَأَصَابَ يَوْمَئِذٍ قَالَ يَحْيَى أَحْسِبُهُ قَالَ جُوَيْرِيَةَ أَوْ قَالَ الْبَتَّةَ ابْنَةَ الْحَارِثِ وَحَدَّثَنِي هَذَا الْحَدِيثَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَكَانَ فِي ذَاكَ الْجَيْشِ وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ ابْنِ عَوْنٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ مِثْلَهُ وَقَالَ جُوَيْرِيَةَ بِنْتَ الْحَارِثِ وَلَمْ يَشُكَّ ) باب جواز الإغارة على الكفار الذين بلغتهم دعوة الإسلام من غير تقدم الإعلام بالإغارة
قال الترمدي (إِسْحَقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ قَالَ إِنْ تُقُدِّمَ إِلَيْهِمْ فِي الدَّعْوَةِ فَحَسَـنٌ يَكُونُ ذَلِكَ أَهْيَبَ وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ لَا دَعْوَةَ الْيَوْمَ وَقَالَ أَحْمَــدُ لَا أَعْرِفُ الْيَوْمَ أَحَدًا يُدْعَى وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يُقَاتَلُ الْعَدُوُّ حَتَّى يُدْعَوْا إِلَّا أَنْ يَعْجَلُوا عَنْ ذَلِكَ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَقَدْ بَلَغَتْهُمْ الدَّعْوَةُ ) السنن - كِتَاب السِّيَرِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم بَاب مَا جَاءَ فِي الدَّعْوَةِ قَبْلَ الْقِتَالِ
و قد بيّن الشافعي الفَرْقَ بَيْنَ القِسْمَينْ
قال الشافعي (الْحُكْمُ فِي أَهْلِ دَارِ الْحَرْبِ حُكْمَانِ : فَأَمَّا مَنْ بَلَغَتْهُ الدَّعْوَةُ فَأُغِيرُ عَلَيْهِ بِغَيْرِ دَعْوَةٍ آخُذُ مَالَهُ وَإِنْ لَمْ أَقْتُلْهُ ، وَأَمَّا مَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ الدَّعْوَةُ فَلَا أُغِيرُ عَلَيْهِ حَتَّى أَدْعُوَهُ ، وَلَا أَغْنَمُ مِنْ مَالِهِ شَيْئًا حَتَّى أَدْعُوَهُ فَيَمْتَنِعُ فَيَحِلُّ دَمُهُ وَمَالُهُ ، فَلَمَّا كَانَ الْقَوْلُ فِي الْمُرْتَدِّ أَنْ يُدْعَى لَمْ يُغْنَمْ مَالُهُ حَتَّى يُدْعَى ، فَإِذَا امْتَنَعَ قُتِلَ ، وَغُنِمَ مَالُهُ ) الام - كتاب الصلاة - الْخِلَافُ فِي الْمُرْتَدِّ
و قال أيضا (الدُّعَاءَ لِلْمُشْرِكِينَ إلَى الْإِسْلَامِ أَوْ إلَى الْجِزْيَةِ إنَّمَا هُوَ وَاجِبٌ لِمَنْ تَبْلُغُهُ الدَّعْوَةُ فَأَمَّا مَنْ بَلَغَتْهُ الدَّعْوَةُ فَلِلْمُسْلِمِينَ قَتْلُهُ قَبْلَ أَنْ يُدْعَى وَإِنْ دَعَوْهُ فَذَلِكَ لَهُمْ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُمْ إذَا كَانَ لَهُمْ تَرْكُ قِتَالِهِ بِمُدَّةٍ تَطُولُ فَتَرْكُ قِتَالِهِ إلَى أَنْ يُدْعَى أَقْرَبُ فَأَمَّا مَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ دَعْوَةُ الْمُسْلِمِينَ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَاتِلُوا حَتَّى يُدْعَوْا إلَى الْإِيمَانِ ... وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا لَمْ تَبْلُغْهُ الدَّعْوَةُ الْيَوْمَ إلَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ وَرَاءِ عَدُوِّنَا الَّذِينَ يُقَاتِلُونَا أُمَّةً مِنْ الْمُشْرِكِينَ فَلَعَلَّ أُولَئِكَ أَنْ لَا تَكُونَ الدَّعْوَةُ بَلَغَتْهُمْ وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَكُونُوا خَلْفَ الرُّومِ أَوْ التُّرْكِ أَوْ الْخَزَرِ أُمَّةً لَا نَعْرِفُهُمْ) كتاب الأم - كتاب الحكم في قتال المشركين ومسألة مال الحربي
تأمل هنا فائدة من كلام الشافعي : أنه سماهم مشركين قبل أن تبلغهم الدعوة