منتدى المؤمنين والمؤمنات
عن عبادة بن الصامت ، عن رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - أنه قال : من قتل مؤمنا فاغتبط بقتله لم يقبل الله منه صرفا ولا عدلا فأتاهُ رجلٌ فَناداهُ : يا عبدَ اللَّهِ بنَ عبَّاسٍ ، ما تَرى في رجُلٍ قتلَ مُؤمنًا متعمِّدًا ؟ فقالَ : جَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا قالَ : أفرأيتَ إِن تابَ وعملَ صالحًا ثمَّ اهتَدى ؟ قالَ ابنُ عبَّاسٍ : ثَكِلتهُ أمُّهُ ، وأنَّى لَهُ التَّوبةُ والهُدى ؟ والَّذي نَفسي بيدِهِ ! لقَد سَمِعْتُ نبيَّكم صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ يقولُ : ثَكِلتهُ أمُّهُ ، قاتِلُ مؤمنٍ متعمِّدًا ، جاءَ يومَ القيامةِ آخذَهُ بيمينِهِ أو بشمالِهِ ، تشخَبُ أوداجُهُ في قِبَلِ عرشِ الرَّحمنِ ، يلزمُ قاتلَهُ بيدِهِ الأخرى ، يقولُ : يا ربِّ سَل هذا فيمَ قتلَني ؟ وأيمُ الَّذي نفسُ عبدِ اللَّهِ بيدِهِ ! لقد أُنْزِلَت هذِهِ الآيةُ ، فما نسخَتها مِن آيةٍ حتَّى قُبِضَ نبيُّكم صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ ، وما نَزل بعدَها مِن بُرهانٍ
الراوي: عبدالله بن عباس المحدث: أحمد شاكر - المصدر: عمدة التفسير - الصفحة أو الرقم: 1/552
خلاصة حكم المحدث: إسناده صحيح
منتدى المؤمنين والمؤمنات
عن عبادة بن الصامت ، عن رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - أنه قال : من قتل مؤمنا فاغتبط بقتله لم يقبل الله منه صرفا ولا عدلا فأتاهُ رجلٌ فَناداهُ : يا عبدَ اللَّهِ بنَ عبَّاسٍ ، ما تَرى في رجُلٍ قتلَ مُؤمنًا متعمِّدًا ؟ فقالَ : جَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا قالَ : أفرأيتَ إِن تابَ وعملَ صالحًا ثمَّ اهتَدى ؟ قالَ ابنُ عبَّاسٍ : ثَكِلتهُ أمُّهُ ، وأنَّى لَهُ التَّوبةُ والهُدى ؟ والَّذي نَفسي بيدِهِ ! لقَد سَمِعْتُ نبيَّكم صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ يقولُ : ثَكِلتهُ أمُّهُ ، قاتِلُ مؤمنٍ متعمِّدًا ، جاءَ يومَ القيامةِ آخذَهُ بيمينِهِ أو بشمالِهِ ، تشخَبُ أوداجُهُ في قِبَلِ عرشِ الرَّحمنِ ، يلزمُ قاتلَهُ بيدِهِ الأخرى ، يقولُ : يا ربِّ سَل هذا فيمَ قتلَني ؟ وأيمُ الَّذي نفسُ عبدِ اللَّهِ بيدِهِ ! لقد أُنْزِلَت هذِهِ الآيةُ ، فما نسخَتها مِن آيةٍ حتَّى قُبِضَ نبيُّكم صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ ، وما نَزل بعدَها مِن بُرهانٍ
الراوي: عبدالله بن عباس المحدث: أحمد شاكر - المصدر: عمدة التفسير - الصفحة أو الرقم: 1/552
خلاصة حكم المحدث: إسناده صحيح
منتدى المؤمنين والمؤمنات
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى المؤمنين والمؤمنات

-- قال صلى الله عليه وسلم وايم الله لقد تركتكم على مثل البيضاء ليلها و نهارها سواء “
 
الرئيسيةاليوميةالأحداثمكتبة المنتدىالمنشوراتس .و .جبحـثالتسجيلدخولاالمواضيع اليوميه النشيطه
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ
فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ }. ...
فهذه رسالة مختصرة إلى أهل الثغور في الشام،
وكما لهم حق النصرة فلهم حق النصيحة، فأقول:١
1--
عليكم بالاجتماع، فإن لم تجتمعوا على كمالٍ في الحق فلا تتفرقوا
بسبب نقص بعضكم، لا تفرقكم بدعة ومعصية فإنكم تقابلون كفرًا،
فقد اجتمع المسلمون على قتال العبيديين وقائدهم خارجي،
وقاتل ابن تيمية التتار ومعه أهل بدع.




٢---
بالفرقة تُهزم الكثرة، وبالاجتماع تنصر القلة، ولن تنتصروا حتى تقتلوا هوى النفس قبل قتل العدو، فالهوى يقلب موازين العداوات فتنتصر النفوس لهواها وتظن أنها تنتصر لربها،
وقليل الذنوب يُفرق القلوب، قال النبي ﷺ: (لتقيمن صفوفكم أو ليخالفن الله بين قلوبكم) لم يمتثلوا باستواء صفوف الصلاة فتسبب بانـحراف القلوب،
فكيف بانـحراف صفوف الجهاد ولقاء العدو، فإن اختلفت القلوب فالتمسوا سبب ذلك في سوء الأعمال .


3---- إنكم في مقام اصطفاء ومقام ابتلاء، فمن أعلى مراتب الجنة جُعلت لمقاتلٍ قاتل لله، وأول مَن تُسَّعَر بهم النار مقاتل قاتل لهواه . ٤)---- إياكم وحب الاستئثار بالأمر وقد حذّر النبي ﷺ من (الأثَرَة) فاجعلوا همّكم نصرة الدين لا صدارة حزب وجماعة .

٥) ----
لا تخدعكم الألقاب فتوالوا لها وتعادوا عليها، فالله لا ينظر إلى ألويتكم وراياتكم وأسماء جماعاتكم، بل ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم،
لا تختصموا على اسمٍ فمهما بلغت أسماؤكم شرفاً فلن تكون أعظم شرفاً من كلمة (رسول الله) حيث محاها رسول الله بيده من صلح الحديبية
عندما نازعه المشركون عليها وذلك حتى يُمضي الحق وصالح الأمة .

٦)
----



العبرة بأعمالكم، فما ينفع (حزب الله) اسمه عند الله

٧)
 
لا يجوز لأحدٍ أن يجعل جماعته وحزبه قطبَ رحى الولاء والعداء، فلا يرى البيعة إلا له ولا يرى الإمارة إلا فيه،
ومن رأى في نفسه ذلك من دون بقية المسلمين فهو من الذين قال الله فيهم (إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعًا لست منهم في شيء)
قال ابن عباس لما قرأ هذه الآية: أمر الله المؤمنين بالجماعة، ونهاهم عن الاختلاف والفرقة، وأخبرهم
إنما هلك من كان قبلهم بالمراء والخصومات في دين الله
وبالاختلاف والتنازع يذهب النصر (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم) قال قتادة: لا تختلفوا فتجبنوا ويذهب نصركم .
٨) ---
لا يصح فيكم اليوم وأنتم في قتال وجماعات أن ينفرد أحدٌ ببيعة عامة يستأثر بها ولوازمها عن غيره وإنما هي بيعة جهاد
وقتال وثبات وصبر وإصلاح ونـحو ذلك، ولا يصح من أحدٍ أن ينفرد بجماعة منكم فيُسمى (أمير المؤمنين) وإنما أمير الجيش
أو الجند أو الغزو، فالولايات العامة مردّها إلى شورى المؤمنين لا إلى آحادٍ منهم، والألقاب استئثار تفضي إلى نزاع وقتال
وفتنة وشر، وإنما صحت الولاية الكبرى من النبي ﷺ لأنه ليس في الأرض مسلم سواه ومن معه، وليس في
الأرض خير من نبي ولا أحق بالأمر منه، فلو استأثر فهو نبي لا يرجع لأحدٍ ويرجع إليه كل أحد .

9---- لا يضرب بعضكم رقاب بعضٍ، فاتقوا الله في دمائكم، واحذروا مداخل الشيطان في تسويغ القتل وتبريره فتأخذوا أحداً بظن العمالة أو التجسس
أو التخذيل فالله حذر من الظنون التي تفسد أمر الأمة وتفرق شملها (اجتنبوا كثيرًا من الظن إن بعض الظن إثم)
ولا تجوز طاعة أميرٍ في قتل مسلم معصوم ومن أُمر بحرام كقتل معصومٍ فلا تجوز طاعته ولا بيعته حتى بيعة قتال،
 ولو بايعه فبيعته منقوضة، ولا يجوز لأحدٍ أن يمتثل أمرًا ظاهره التحريم  حتى يتيقن من جوازه بعلمٍ وإن جهل سأل من يعلم،
حتى لا يلقى الله بدم أو مال حرام، فيُفسد آخرته بجهل أو تأويل غيره، فالله يؤاخذ كل نفس بما كسبت (كل نفس بما كسبت رهينةٍ)
ولا أعظم بعد الشرك من الدم الحرام .

تابع 9 ----

فقد صح من حديث ابن عمر، أن النبي ﷺ أمّر خالد بن الوليد إلى جذيمة فدعاهم إلى الإسلام، فلم يحسنوا أن يقولوا: أسلمنا، فجعلوا يقولون:

صبأنا، صبأنا، فأمر خالد بقتل أسراهم، فقال ابن عمر: والله لا أقتل أسيري، ولا يقتل رجل من أصحابي أسيره،

قال: فقدموا على النبي ﷺ فذكروا له صنيع خالد، فقال النبي ﷺ ورفع يديه: (اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد) مرتين .

فقد عصوا خالدًا لما اشتبه عليهم الأمر، وهذا في دماءِ من الأصل فيه الكفر فكيف بدم من الأصل فيه الإسلام ؟!

10 ----

عند النزاع انزلوا إلى حكم الله كما أمر الله (وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله)
وقال: (فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر)
فالنزول عند حكم الله إيمان والنفرة منه نفاق، وإن اختلف اثنان أو جماعتان فليتحاكموا
إلى ثالث من غيرهم، دفعاً لتهمة المحاباة، فقد ورد في الحديث عنه ﷺ قال: (لا تجوز شهادة خصم ولا ظنّين)
وفي الحديث الآخر: (لا تجوز شهادة ذي غمر (عداوة) لأخيه، ولا مجرب شهادة،
ولا القانع (أي التابع) لأهل البيت، ولا ظنين في ولاء ولا قرابة)
وقد جاء معناه من طرق متعددة يشد بعضه بعضاً، وهذا في الشهادة وفي القضاء من باب أولى

١١)

احفظوا ألسنتكم فإن الوقيعة في أعراض بعضكم تزيد من أحقادكم على بعضكم، فما يزال الواحد واقعاً
في عرض أخيه حتى يمتلىء قلبه حقدًا وغلاً عليه فيُصدّق فيه ظن السوء ويُكذّب فيه يقين الخير .



١٢)
أحسنوا الظن بالعلماء ورثة الأنبياء واحفظوا قدرهم بالرجوع إليهم والصدور عن قولهم،
وأحسنوا الظن بهم واحملوا أقوالهم على أحسن المحامل، فمدادهم في نصرة الحق أثرها عظيم
وقد جاء عن جماعة من السلف (مداد العلماء أثقل في الميزان من دماء الشهداء)

13)

لا تُرحم الأمة إلا إذا تراحمت فيما بينها، ومحبة الله للمجاهدين ونصرته لهم معقودة
برحمتهم بالمؤمنين وتواضعهم لهم، وعزتهم على الكافرين، فإن من صفات المجاهدين
ما ذكره الله في قوله تعالى
: (فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم).



ومن الله استمدوا النصر والعون هو المولى فنعم المولى ونعم النصير .



الشيخ عبدالعزيز الطريفي ١٧/ من ذي القعدة / ١٤٣٤ هـ
.

 

 تفريغ سلسلة نصرة للشريعة للدكتور إياد القينبي

اذهب الى الأسفل 
+2
ابو يحي
المثنى 2007
6 مشترك
انتقل الى الصفحة : 1, 2  الصفحة التالية
كاتب الموضوعرسالة
المثنى 2007
عضو فعال
عضو فعال
المثنى 2007

شكرا لتفاعلك ومشاركتك
اللهم اغفر له وارحمه وتجاوز عنه


تفريغ سلسلة نصرة للشريعة للدكتور إياد القينبي  Empty
مُساهمةموضوع: تفريغ سلسلة نصرة للشريعة للدكتور إياد القينبي    تفريغ سلسلة نصرة للشريعة للدكتور إياد القينبي  I_icon_minitime10/1/2013, 11:30 pm

بسم الله الرّحمن الرّحيم


تفريغ سلسلة


نُصْرَةً للشَّرِيعَةِ


د. إياد قنيبي















الحلقة الأولى

[وحدهم المشرفون لديهم صلاحيات معاينة هذا الرابط]
لمن يقول:


"يجب حل المشاكل قبل تطبيق الشريعة"
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إخواني وأخواتي: حياكم الله وبياكم، وسنبدأ معكم _بإذن الله تعالى_ في سلسلة جديدة بعنوان: (نُصرةً للشريعة).
هذه السلسلة هي صوت من الأصوات المنادية لإخواني العاملين للإسلام في البلدان التي سقطت فيها الأنظمة، فأعطوا فيها فرصة لقيادة الشعوب: أن يا أيها العاملون للإسلام:
"احذروا من الانزلاق وتقديم التنازلات".
وكذلك هي صوت: أن يأيتها الشعوب الإسلامية:
"الإسلام لم يدخل المعركة بعد في كثير من الساحات التي ينادى فيها بأطروحات يقال أنها إسلامية"
فإذا ما أخفق الإسلاميون في محاولاتهم لإنقاذكم فلا تقولوا: جربنا الإسلام _فيما جربنا_ فلم ينفعنا؛ فكثير من هذا التي ترون ليس تمثيلا صحيحا للإسلام، وإخفاقه ليس إخفاقا للإسلام. دفعني إلى البدء في هذه السلسلة ما نسمعه من بعض العاملين للإسلام _هدانا الله وإياهم_ من أنهم إن وصلوا إلى الحكم فلن يفرضوا أحكام الشريعة دفعة واحدة، بل سيتدرجون في تطبيقها.
وهذا الظن "أن لإنسانٍ أن يتدرج في تطبيق الشريعة" مما لا نرتضيه لمسلم أن يعتقده، فضلا عن أن يقول به العاملون للإسلام.
لذا؛ فهذه مناصحة لإخواني أسأل الله تعالى أن يهدينا فيها إلى الصواب، وأن يأخذ بنواصينا إلى الحق أخذا رفيقا.
وكونُ الموضوع متشعبا جدا فإني سأعالج في كل حلقة نقطة واحدة بإذن الله، وأتوقع أن تطول السلسلة، لكنها نافعة _بإذن الله_.
فلن يجد القارئ أو السامع مبحثا متكاملا في كل حلقة على حدة، ولابد أن تثار لديه أسئلة كثيرة، لكن كلَّ ما يثار عادة سيتم الإجابة عنه في حلقات أخرى بإذن الله تعالى.
أبدأ بالنقطة الأولى:
الذين يقولون بالتدرج في تطبيق الشريعة من حججهم أنه لا بد _بداية_ من القضاء على الفقر والبطالة والفساد وانعدام الأمن، يقولون: "أطعم الناس ووفر لهم الأمن ثم طبق الشريعة".
هذا الطرح مثخن بالجراح والتناقضات:
فأولاً: نحن _كمسلمين_ نؤمن بأن الفقر والبطالة والفساد هذه كلها من نتائج تغييب الشريعة، قال تعالى: (ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقه بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون)
من معاني الفساد _كما ذكر المفسرون_: قلة البركة وضيق العيش وكساد السلع وغلاء الأسعار.
ما المطلوب إذاً حتى يرفع هذا الفساد؟
(لعلهم يرجعون) أي: إلى شريعة الله تعالى كاملة، عقيدة وتطبيقا ومنهجا.
وقال الله تعالى: (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ)
وتغييب شريعة الله تعالى من الكفر بأنعمه، يتقلب العبد في نعم الله ثم لا ينصاع لأوامره ويطبق غير شريعته، هذا هو سبب الخوف والجوع.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي أخرجه ابن ماجة والحاكم والبزار والمنذري وغيرهم:
(لمْ تَظْهَرِ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ، حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا، إِلَّا فَشَا فِيهِمُ الطَّاعُونُ، وَالْأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلَافِهِمُ الَّذِينَ مَضَوْا،
وَلَمْ يَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ، إِلَّا أُخِذُوا بِالسِّنِينَ، وَشِدَّةِ الْمَئُونَةِ، وَجَوْرِ السُّلْطَانِ عَلَيْهِمْ،
وَلَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ، إِلَّا مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنَ السَّمَاءِ، وَلَوْلَا الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا،
وَلَمْ يَنْقُضُوا عَهْدَ اللَّهِ، وَعَهْدَ رَسُولِهِ، إِلَّا سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ، فَأَخَذُوا بَعْضَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ،
وَمَا لَمْ تَحْكُمْ أَئِمَّتُهُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ، وَيَتَخَيَّرُوا مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ، إِلَّا جَعَلَ اللَّهُ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ)
انظر إلى الحال الموصوفة في هذا الحديث، كلها أشكال من تعطيل الشريعة:
ظهور الفاحشة: من نتائج تعطيل حد الزنا والسماح بما يسمى "الحريات الشخصية"،
ومنع الزكاة: لأن الدولة ليست إسلامية تفرض الزكاة على من تجب عليه،
نقض عهد الله وعهد رسوله: أوضح أشكاله ترك تطبيق شريعة الله بشموليتها،
ثم نص رسول الله صلى الله عليه وسلم على الحكم نصا فقال: (وَمَا لَمْ تَحْكُمْ أَئِمَّتُهُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ).
هذه المقدمات _كلها_ هي من أشكال تعطيل الشريعة، ما نتائجها؟
الأمراض، جور السلطان يعني = الديكتاتورية، منع المطر، احتلال البلاد وضياع الثروات، أن يكون بأس المسلمين بينهم يعني الخوف والحروب وقطع الطرق وضياع الأمن.
هذه كلها نتائج تعطيل الشريعة، ما نعانيه اليوم هو من تعطيل الشريعة.
وهؤلاء يقولون: أبق الشريعة معطلة إلى أن نتخلص من الفقر والفساد وانعدام الأمن.
يريدون مداواة المرض بسببه.
في حديث (إِذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ...) الذي نعرفه كلنا، قال النبي _صلى الله عليه وسلم_ في آخره: (سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلًّا لَا يَنْزِعُهُ عَنْكُمْ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ)
هذا هو الحل: أن نرجع إلى ديننا، أن نرجع إلى شريعتنا.
وإلا سنبقى ندور في حلقة مفرغة، نريد علاج مشاكلنا بما يزيد هذه المشاكل، كالمستجير من الرمضاء بالنار.
ما الحل؟
الحل في إقامة شريعة الله.
قال الله تعالى: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ)
وقال تعالى: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ (65) وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ)
فإذا كنا نريد القضاء على الفقر والبطالة والفساد والخوف والفوضى فليس لنا إلا شريعة الله تعالى، وإلا: فالسراب، والركض وراء الجزرة المربوطة بالعصا.
الخلاصة:
لن تحل مشاكل المجتمع قبل تطبيق الشريعة.
وإلى لفتة أخرى في الحلقة القادمة بإذن الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
المثنى 2007
عضو فعال
عضو فعال
المثنى 2007

شكرا لتفاعلك ومشاركتك
اللهم اغفر له وارحمه وتجاوز عنه


تفريغ سلسلة نصرة للشريعة للدكتور إياد القينبي  Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفريغ سلسلة نصرة للشريعة للدكتور إياد القينبي    تفريغ سلسلة نصرة للشريعة للدكتور إياد القينبي  I_icon_minitime10/1/2013, 11:39 pm

السلام عليكم

الحلقة الثانية


[وحدهم المشرفون لديهم صلاحيات معاينة هذا الرابط]
لا تغضوا من قيمة الشريعة
السلام عليكم ورحمة الله
إخوتي الكرام: لا زلنا في سلسلة (نُصْرَةً للشَّريعة)، ولا زلنا نناقش الطرح القائل: "لا بد من علاج مشاكل المجتمع أولاً، ثم تطبيق الشريعة".
في الواقع؛ هذا الطرح فيه غض من قيمة دين الله تعالى، فيه انتقاص من قيمة الدين،
فإن كانت القوانين الوضعية والحلول البشرية المناقضة للشريعة = إن كانت تصلح حياة الناس وتقضي على مشاكلهم فما فائدة الشريعة إذاً؟
هل يُقصد بهذا الطرح أنه علينا أن نصلح دنيانا بالقوانين الوضعية ثم نصلح آخرتنا بتطبيق الشريعة؟! وهل جاءت الشريعة إلا لصلاح الدنيا والآخرة؟
أليس مُنزل الشريعة _سبحانه وتعالى_ هو الأعلم بما يحتاجه عباده في دنياهم؟
(أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ)
ألم ينزل الله _تعالى_ الشريعة رفقا بالناس، ومراعاة لضعفهم، ولعلمه _تعالى_ أنهم لا يستطيعون أن يسوسوا حياتهمدون هديه؟
قال تعالى بعدما فصل أحكاما من الشريعة في سورة النساء:
(يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ
وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا
يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا)
يبين الله تعالى في هذه الآيات أنه ينقذ عباده _بالشريعة_ من قوانين وأهواء الذين يتبعون الشهوات فيقودون الناس إلى جحيم الدنيا قبل جحيم الآخرة، ويميلونهم عن صراط الهدى والبركة واليسر والخير ميلا عظيم.
ثم قال تعالى: (يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا)
أي أنه _تعالى_ أنزل الشريعة لعلمه بأن الإنسان ضعيف، فأراد _تعالى_ أن ينقذه من عنت ومشقة القوانين الوضعية والأحكام والأهواء البشرية.
كما قال سبحانه وتعالى:
(وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ)
هذا الخطاب موجه إلى الصحابة، أنقى الناس قلوبا وأرجهم عقلا وأقلهم هوى،
ومع ذلك يقول الله لهم: أنه لو ترك نبيه يطيعهم في اختياراتهم لعنتوا، أي: لأصابتهم المشقة في الدنيا.
فما بالك بقوانين وضعية صاغها أناس لا نقاءَ قلب ولا تقوى، لا يصوغونها إلا عن هوى ومصالح شخصية؟
أنريد إصلاح أوضاع المجتمع بقوانين هؤلاء؟!
ثم قال تعالى: (وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَان...) ما الإيمان؟
دين الله، شريعة الله.
الخلاصة من هذه الحلقة:
القول بعلاج مشاكل المجتمع قبل تطبيق الشريعة فيه غض من قيمة الشريعة،
فالشريعة ما أنزلت إلا لتحل مشاكل المجتمع ولتصلح دنيا وآخرة الناس.
وإلى لفتة أخرى في الحلقة القادمة _بإذن الله_، والسلام عليكم ورحمة الله.




السلام عليكم

الحلقة الثالثة


[وحدهم المشرفون لديهم صلاحيات معاينة هذا الرابط]


إخوتي الكرام لا زلنا في سلسلة (نُصْرَةً للشَّريعة)،
"نريد أن نحكم بغير ما أنزل الله لفترة من الزمن" هل هذه عبارة يقولها مسلم؟
في الواقع؛ هذه العبارة لا تختلف أبدا عن عبارة "نريد أن نتدرج في تطبيق الشريعة"؛ لأن هذا التدرج يعني: نريد أن لا نحكم بما أنزل الله في عدد من المسائل لفترة من الزمن، وهي لا تختلف أبدا عن عبارة "نريد أن نحكم بغير ما أنزل الله لفترة".
لماذا؟
لأن الذي يصل إلى سدة الحكم لا يصل إلى فراغ،
لو كان يصل إلى فراغ ليس فيه أنظمة ولا قوانين ولا أحكام لتصورنا أنه سيطبق بداية 10% شريعة، ثم 20% شريعة، وهكذا... إلى أن يصل إلى 100% شريعة، ودون أن يطبق قوانين وضعية خلال هذه الفترة، ولكان يمكن أن يقال: هو يتدرج في تحكيم الشريعة ولا يحكم بغيرها.
لكن الذي يصل إلى سدة الحكم سيصل إلى منظومة كاملة من القوانين الوضعية المحكّمة في النظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي والجنائي، وهذه القوانين الوضعية مخالفة لشريعة الله سبحانه وتعالى.
فالذي يقول: "أريد أن أتدرج في تطبيق الشريعة" كلامه يعني أنه سيحكم _بداية_ بقوانين موافقة للشريعة بنسبة 50%مثلا، بينما سيحكم بالقوانين الوضعية بنسبة 50%.
هل لكلامه معنى آخر؟
أين يذهب _حينئذ_ من قوله تعالى: (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) (...فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (...فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)؟؟
لن أدخل هنا في حكم من يحكم بغير ما أنزل الله، ولن أناقش الاستحلال الفعلي والقولي، ومسألة كفر دون كفر، والفرق بين القضاء في المسألة الواحدة أو أكثر مع الاعتراف بمرجعية الشريعة مقابل تبديل الشرائع.
بغض النظر عن ذلك كله:
ألسنا نتفق على أن الحكم بغير ما أنزل الله حرام على الأقل وبكل أشكاله؟
هل يقبل الإسلاميون أن يقولوا هذه العبارة: "نريد أن نحكم بغير ما أنزل الله لفترة من الزمن"؟ هل هناك آية تثني عليهم حينئذ؟
هل هناك آية تقول: ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك المحسنون أو فأولئك هم المفلحون أو فأولئك هم المعذورون؟
هل الحكم بغير ما أنزل الله كان حراما على الأنظمة البائدة ثم أصبح حلالا للإسلاميين لأن قصدهم شريف، ولأن نواياهم طيبة، ولأنهم _في المقابل_ يحكمون بشيء مما أنزل الله؟
أليس منهم من كان ينادي بأن من حكم بغير ما أنزل الله فهو طاغوت جعل نفسه مشرّعا ليتخذه الناس ربا من دون الله؟
إنْ حكم الإسلاميون بغير ما أنزل الله _مرحليا بنسبة مئوية معينة_ فما الذي يعفيهم من هذه الأوصاف؟
هل النية الطيبة، وبعض الشريعة الذي يحكمون به، والتوجه العام تجاه الشريعة = هل هذا كله _في أصول الشريعة_ هل هذا كله كاف في أن يعفيهم؟




التدرج في تطبيق الشريعة =الحكم بغير ما أنزل الله
إذاً إخواني:
عندما نسمع هذه العبارة: "نريد أن نتدرج في تطبيق الشريعة"
دعونا نفهم معناها ولوازمها:
لا تختلف أبدا عن عبارة "نريد أن نحكم بغير ما أنزل الله لفترة من الزمن نقدرها نحن بناء على المعطيات"
الخلاصة من هذه الحلقة:
القول بالتدرج في تطبيق الشريعة معناه الحكم بغير ما أنزل الله
والسلام عليكم ورحمة الله.


اكمل معكم غدآ
باقي الحلقات
[وحدهم المشرفون لديهم صلاحيات معاينة هذه الصورة]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
المثنى 2007
عضو فعال
عضو فعال
المثنى 2007

شكرا لتفاعلك ومشاركتك
اللهم اغفر له وارحمه وتجاوز عنه


تفريغ سلسلة نصرة للشريعة للدكتور إياد القينبي  Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفريغ سلسلة نصرة للشريعة للدكتور إياد القينبي    تفريغ سلسلة نصرة للشريعة للدكتور إياد القينبي  I_icon_minitime11/1/2013, 12:19 pm

السلام عليكم
جزاك الله خيرآ
أخي ابو ساجده على تثبيت الموضوع


الحلقة الرابعة

[وحدهم المشرفون لديهم صلاحيات معاينة هذا الرابط]

قبل متابعة السلسلة أود أن أوضح مقصودي بالتدرج في تطبيق الشريعة حتى لا يحصل لبس. فبعد الحلقات الثلاثة الأولى جاءتني استفسارات واعتراضات يتلخص كثير منها في:

الاستدلال بشواهد صحيحة من الشريعة والسيرة على التدرج غير الشرعي المطروح هذه الأيام.
فالإخوة المعترضون يسمون هذه الشواهد تدرجا ويستدلون بها على صحة التدرج المطروح. وكأنني برفضي للتدرج أخالف هذه الشواهد التي يأتون بها.

بتفصيل أكثر:
مجمل ما يورده الإخوة من شواهد ويعتبرونه دليلا على التدرج إما أنه في الواقع دليل على ترتيب للأولويات في عرض الشريعة وبيانها للناس، أو دليل على وقف لحكم شرعي معين عملا بالشريعة، لأن شروط هذا الحكم الشرعية لم تتحقق فوجب العمل بحكم آخر.

أما ترتيب الأولويات في عرض الشريعة وبيانها فكاستدلالهم بحديث إرسال النبي معاذا إلى اليمن وتوجيهه أن يدعو الناس إلى الشهادتين أولا ثم الصلاة ثم الزكاة.

وأما وقف الحكم الشرعي عملا بالشريعة، فكوقف حد السرقة في حق السارق الجائع الفقير، أو كإسقاط بعض أشكال إنكار المنكر عن الحكومة الإسلامية لعجزها عنه وعدم قدرتها.

إخواننا يسمون ذلك تدرجا ثم يستدلون به على صحة التدرج المطروح في الساحة الإسلامية. ثم يقولون لي ما مفاده: إن كنت تنكر التدرج المطروح فأنت:

1) تنكر مراعاة ترتيب الأولويات في عرض الشريعة
2) تنكر وقف العمل بأحكام إسلامية عند عدم وجود شروطها
3) تنكر سقوط وجوب أحكام على الدولة لعدم قدرتها على تنفيذها

فتوضيحا لإخواني أود أن أبين أني لا أنكر أيا من هذه الأمور الثلاثة بل سأبين مشروعيتها في الحلقات القادمة بإذن الله. أنا لا أقول أن على الدولة الإسلامية الناشئة أن تبني المجتمع بناء إسلاميا في اليوم الأول وتقضي على المنكرات كلها بجرة قلم وتدخل في صراع على كل الجبهات دفعة واحدة.

لكنني في الوقت ذاته أقول: كل ما يطرحه إخواني ليس دليلا على التدرج غير الشرعي المطروح.
لأن التدرج المطروح والذي ننتقده ونقول بعدم مشروعيته في هذه السلسلة قد تحقق فيه واحد أو أكثر من المشاكل التالية:

1)لا تعلن فيه السيادة للشريعة بحيث تعتبر المرجعية العليا الحاكمة على القوانين من البداية أو

2)يُستأذن فيه مجلس الشعب في تطبيق الشريعة أو

3) تُقر فيه مرحليا قوانين وضعية مخالفة لأحكام الشريعة أو

4) تنفذ فيه قوانين مخالفة لأحكام الشريعة موروثة من الحكم غير الإسلامي أو

5) يقال فيه بالتدرج في التشريع وكأن الشريعة تتنزل من عند الله تعالى من جديد أو

6) يربط فيه تطبيق الشريعة بحل مشاكل الناس الاقتصادية أو الأمنية أولاً أو

7) يقال فيه أن علينا ترسيخ العقيدة والأخلاق الإسلامية لدي الناس قبل تطبيق الشريعة أو

يُربط فيه تطبيق الشريعة برضا القوى الداخلية أو الخارجية المعارضة للشريعة أو

9) يقدم فيه الإسلاميون في سبيل الوصول إلى الحكم تنازلات ستبقى آثارها وتمنعهم من تطبيق الشريعة إن وصلوا إلى الحكم

هذه هي المشاكل في التدرج المطروح.
وسنفرد حلقة خاصة لبيان عدم مشروعية كل منها بإذن الله.
تبقى هنا نقطة:

موضوعنا هذا ضخم ومتشعب للغاية. فلا بد من تفكيكه لعناصر صغيرة للرد على الشبهات واحدة تلو الأخرى ومن ثم بيان الحل الشرعي الذي على الأمة أن تنتهجه. وأنا الآن أسير بخطة معينة لذلك. فأتمنى على إخواني الذين يوردون الاعتراضات أن يناقشوا الجزئية التي أطرحها تحديدا بدلا من أن يستعجلوا الأمور بإيراد شبهة جديدة. فمثلا، في الحلقة الأولى بينت أنه لا يمكن حل مشاكل المجتمع قبل تطبيق الشريعة. هل هناك خلاف على ذلك؟ أتوقع ممن سيناقشني أن يناقش هذه النقطة بالذات، بأن يقول لي –مثلا-: (ما أوردته من أدلة لا يشهد لصحة استنتاجك، بل هناك ما يدل على أنه يمكن حلها قبل تطبيق الشريعة). لكن إخواني يتركون هذه النقطة ويقولون: (لكن عمر رضي الله عنه عطل حد السرقة عام المجاعة). إخواني هذه شبهة أخرى تماما سيأتي دورها إن شاء الله. إن ناقشتها مع المعترض على شكل رد مجتزأ فلن نوفي الموضوع حقه وسيختل الترتيب ويخرج القطار عن السكة!

كذلك في الحلقة الثانية بينت أن القول بحل المشاكل قبل تطبيق الشريعة فيه غض من قيمة الشريعة. هل طرحي هذا كان خاطئا؟ دعونا نناقش هذه الجزئية.

في الحلقة الثالثة بينت أن الذي يصل إلى الحكم لن يصل إلى فراغ بل سيحتاج إلى إنفاذ أحكام اجتماعية واقتصادية وسياسية وجنائية. فإن حكم بأحكام موافقة للشريعة في بعض ذلك فهو في المقابل سيحكم بغير ما أنزل الله في البعض الآخر. أتوقع من المعترض أن يناقش هذه الجزئية بالذات.

إخواني بغير ذلك لن نصل إلى عرض مرتب متكامل مؤسس على أسس صحيحة. وللمستعجلين جدا أقول: كنت قديما قد خطبت في سلسلة بعنوان (فقه التنازلات)، والسلسلة موجودة على موقع الفرقان. فللأخ المتعجل أن يرجع إليها وإن كانت لا تغطي جميع ما أود عرضه، لكنها قد تطمئنه إلى أن هناك جوابا لما يورد من شبهات.

إخواني الموضوع متعلق بأزمة الأمة وسبيل خلاصها وتحقيق عبوديتها لله بإخضاع الحياة لشرعه...المسألة متعلقة بسعادة الدارين. فتستحق منا بذل الجهد وطول النفس بارك الله فيكم.

فخطتنا المرحلية للحلقات القادمة بإذن الله أن نوضح أولا أن ما يطرحه إخواننا المدافعون عن التدرج هو في الحقيقة دليل على ترتيب للأولويات في بيان الشريعة أو سقوط أحكام شرعية معينة وعمل بأحكام شرعية أخرى من الشريعة، وليست أدلة على التدرج الذي يدافعون عنه. ثم نبين نقاط الخلل في التدرج المطروح نقطة بقطة بإذن الله.

والسلام عليكم ورحمة الله.







السلام عليكم

[وحدهم المشرفون لديهم صلاحيات معاينة هذا الرابط]

الحلقة الخامسة: تقديم الأولويات في بيان الشريعة


يحتج إخواننا المدافعون عن التدرج في تطبيق الشريعة بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن: ((إنك ستأتي قوما من أهل الكتاب، فإذا جئتهم فادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، فإن هم أطاعوا لك بذلك، فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أطاعوا لك بذلك، فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم صدقة، تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم، فإن هم أطاعوا لك بذلك، فإياك وكرائم أموالهم، واتق دعوة المظلوم، فإنه ليس بينه وبين الله حجاب)). الحديث صحيح رواه البخاري.

لكن إخواني أين الدلالة فيه على التدرج المطروح في تطبيق الشريعة؟
هذا الحديث إنما يعلمنا مراعاة الأولويات في بيان الشريعة للناس. فالشهادتان أصل الإسلام وأساسه، فليس من الحكمة مخاطبة الناس بالصلاة وهم لم يقروا بالشهادتين. ثم الصلاة أهم الأركان وهكذا.
- لكن هل قال النبي لمعاذ: لا تعلن سيادة الشريعة على أهل اليمن لأن فئات منهم سترفض هذا الإعلان؟

- هل قال له: إلى أن يتعلم أهل اليمن الصلاة ويؤدوا الزكاة أبق قوانينهم المخالفة للشريعة على ما هي عليه واحكم بينهم بما تعارفوا عليه من هذه القوانين؟

- هل قال النبي لمعاذ: إن لم يطيعوك ولم يصلوا فتدرج معهم وفق جدول زمني مرسوم وأكد لهم أنك لن تفرض عليهم الشريعة فرضا بل ستستشيرهم في ما يأذنون بتطبيقه من الشريعة؟

- هل قال له: أعطيك الصلاحية بتقدير الوقت المناسب لإلغاء القوانين المعمول بها في اليمن وإحلال قوانين الشريعة بدلا منها؟

- هل قال له: بما أن القرآن لم يحرم الخمر دفعة واحدة فأنت كذلك لا تمنعها عن أهل اليمن دفعة واحدة؟
- هل قال له: إذا وجدت فقرا وقلة أمن في اليمن فوفر الطعام للمحتاجين وفرص العمل للعاطلين عن العمل وأثبت جدارتك الاقتصادية قبل تطبيق الشريعة؟

- هل قال النبي لمعاذ: ركز في البداية على الجانب العقدي والأخلاقي ولا تطبق الحدود لأن أهل اليمن قد يستثقلونها؟ فإن سرق سارق أو زنى زان فاحكم بينهم بأحكامهم التي تعارفوا عليها؟

- هل قال النبي لمعاذ: احرص على رضا أهل اليمن ولو على حساب الشريعة وأكد لهم أنك تحترم رأي أغلبيتهم لئلا ينقضوا عليك أو يتعاونوا مع الفرس والروم ضدك؟

هل قال له: طمئن أهل اليمن بأن الرافضين منهم للشريعة سيكونون فئة محترمة مصونة سيتم إشراكها في بناء المجتمع اليمني الجديد واتخاذ القرارات؟

هل هناك رواية من روايات الحديث لا نعرفها قال فيها النبي شيئا من ذلك؟ وهل يُتصور أن يأمر النبي معاذا بشيء من هذا؟

- ثم إن الحديث لم يذكر الصيام. فلو أن النبي أرسل معاذا في رمضان فهل يعني كلامه لمعاذ ألا يطالِب أهل اليمن بالصيام ذلك العام من قبيل التدرج؟ وهل لو طالبهم لأثم على اعتبار أنه خالف أمر النبي بالتدرج على حد تعبيرهم؟

- هل لو أُرسل معاذ قبيل شهر رمضان فإنه متروك له الحرية في تقدير أن يفرض عليهم صيام رمضان من ذلك العام أم لا لأنه المخول بتحديد سرعة التدرج؟

-ثم إن شرائع الإسلام كثيرة جدا، والنبي لم يذكر منها إلا الشهادتين والصلاة والزكاة. فماذا عن باقي الأوامر والاحكام؟ هل يُعقل أن النبي ترك لمعاذ تقدير الوقت المناسب لفرض الصيام والحج ونصرة المظلوم ومنع الربى والخمر والسرقة والتبرج والاحتكار والرشوة؟

ثم إن المنادين بالتدرج يقولون أنه ينبغي التركيز على الجانب العقدي بداية قبل تطبيق الأحكام والجوانب التشريعية من الشريعة، والنبي لم يذكر من الجانب العقدي إلا الشهادتين. فلو كان ما ذكره على سبيل الحصر، فإنه يعني أنه كان على معاذ أن يأمر أهل اليمن بالصلاة والزكاة قبل الإيمان باليوم الآخر والكتب والملائكة والقدر. فهل يعقل هذا؟

-ثم هل في الحديث ما يدل على ان أهل اليمن لو لم يجيبوا معاذا إلى الإقرار بالشهادتين فإن النبي كان سيقرهم على ذلك ويدعهم؟

إذن إخواني الحديث لا علاقة له بالتدرج المطروح. والمسألة واضحة بشيء من التدبر. وردت أحاديث كثيرة يأمر فيها النبي أقواما أسلموا بأمور وينهاهم عن أمور. ونلاحظ أنه نوع في أوامره ونواهيه. فمثلا عندما وفد عليه وفد عبد القيس أمرهم بِأَرْبَعٍ وَنَهاهُمْ عَنْ أَرْبَعٍ: أَمَرَهُمْ بِالإِيمانِ بِاللهِ وَحْدَهُ، قَالَ: أَتَدْرُونَ مَا الإِيمانُ بِاللهِ وَحْدَهُ قَالُوا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: شَهادَةُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاّ اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، وَإِقامُ الصَّلاةِ وَإِيتاءُ الزَّكاةِ وَصِيامُ رَمَضَانَ وَأَنْ تُعْطُوا مِنَ الْمغنَمِ الْخُمُسَ. وَنَهاهُمْ عَنْ أَرْبَعٍ: عَنِ الْحَنْتَمِ وَالدُّبَّاءِ وَالنَّقِيرِ وَالمُزَفَّتِ (وهي أوعية كان النبيذ يصنع فيها). والحديث متفق عليه.

فهنا ذكر النبي الصيام وإعطاء الخمس من المغنم ونهى عما يُصنع فيه الخمر بخلاف ما فعل مع معاذ. فهل هذا يدل على أنه تدرج بالتشريع أو التطبيق لوفد عبد القيس تدرجا مختلفا عما تدرجه مع أهل اليمن؟ المسألة لا علاقة لها بالتدرج. وهذه الأوامر والنواهي ليست على سبيل الحصر.

الحديث إنما يعلمنا أنك إذا أتيت أناسا يجهلون شرائع الإسلام فإنك ترتب الأولويات في عرض هذه الشرائع عليهم، حتى لا تزدحم عليهم هذه الشرائع فلا يستطيعوا تعلمها والعمل بها. فالصلاة أمر آني فوري يحتاجه أهل اليمن فلا بد لهم من تعلمه، أما الصيام فيمكن تأخير تعليمه وتعليم نواقضه إلى قبيل رمضان، وكذلك الحج فإنه واجب على التراخي مرة في العمر. ومن قواعد الأصوليين أنه يجوز تأخير البيان إلى وقت الحاجة إليه.

كذلك نفهم من الحديث مسألة مهمة جدا، وهي أن أهل اليمن بمجرد أن يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فإنهم قد أعلنوا العبودية المطلقة لله وأقروا وخضعوا لسيادة الشريعة. فلا يؤمرون بأمر إلا ويمتثلون له لأنه أمر الله، ولا تستجد قضية بعد ذلك إلا ويحكم فيها معاذ بحكم الله. فأين هذا من التدرج الذي ينادي به البعض؟ إنما هو ترتيب في بيان وتعليم فرائض الإسلام، لا تدرج في العبودية لله والخضوع لأحكامه، فمن لحظة إعلان العبودية والخضوع المطلق بالشهادتين فقد طبقت الشريعة.

فإن لم يحج أحد من أهل اليمن بعد ذلك الإعلان لأن موسم الحج لم يأت بعدُ، وإن لم يزنِ أحد منهم فيقام عليه الحد، فهل نقول أن الشريعة لم تطبق بشكل كامل بعد؟ لا طبعا بل هي مطبقة تطبيقا كاملا. أين هذا من المناداة بإبقاء القوانين الوضعية على ما هي عليه والاحتكام إليها إلى حين أسلمتها من خلال العملية الديمقراطية؟!

ثم إخواني عبر تاريخ الفتوحات الإسلامية في عهد النبي والخلفاء الراشدين ومن بعدهم، هل ورد أنه حصل تدرج في تطبيق الإسلام بحيث يُسمح لمن دخل في الإسلام أن يشرب الخمر أو يزني سنة مثلاً ثم بعد ذلك يُمنع؟! بل كانت الأحكام تطبق كلها. وهذا متواتر مستفيض في تطبيق الأحكام على البلاد المفتوحة. هل عند أحد مثال من التاريخ لا نعرفه؟ فليأتنا به.


بقيت فائدة عظيمة في الحديث أود الحديث عنها. لكن حتى لا أطيل عليكم سنناقشها في الحلقة القادمة بإذن الله.
خلاصة الحلقة:
حديث معاذ دليل على ترتيب الأولويات في بيان شرائع الإسلام لأناس خضعوا لأحكام الله واستعدوا لتنفيذها، وليس دليلا على التدرج في تطبيق الشريعة.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
المثنى 2007
عضو فعال
عضو فعال
المثنى 2007

شكرا لتفاعلك ومشاركتك
اللهم اغفر له وارحمه وتجاوز عنه


تفريغ سلسلة نصرة للشريعة للدكتور إياد القينبي  Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفريغ سلسلة نصرة للشريعة للدكتور إياد القينبي    تفريغ سلسلة نصرة للشريعة للدكتور إياد القينبي  I_icon_minitime11/1/2013, 12:23 pm

السلام عليكم
اخوتي وأخواتي
اريد رأيكم
هل أضع كل يوم حلقتان حتى يتم قرائتها أم اضع أكثر من ذلك؟
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
ابو يحي
نائب ألمدير العام
نائب ألمدير العام
ابو يحي

شكرا لتفاعلك ومشاركتك
اللهم اغفر له وارحمه وتجاوز عنه


تفريغ سلسلة نصرة للشريعة للدكتور إياد القينبي  Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفريغ سلسلة نصرة للشريعة للدكتور إياد القينبي    تفريغ سلسلة نصرة للشريعة للدكتور إياد القينبي  I_icon_minitime11/1/2013, 12:23 pm

السلام عليكم

الله يفتح عليك ابواب رحمته

والسلام عليكم


[وحدهم المشرفون لديهم صلاحيات معاينة هذه الصورة]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
المثنى 2007
عضو فعال
عضو فعال
المثنى 2007

شكرا لتفاعلك ومشاركتك
اللهم اغفر له وارحمه وتجاوز عنه


تفريغ سلسلة نصرة للشريعة للدكتور إياد القينبي  Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفريغ سلسلة نصرة للشريعة للدكتور إياد القينبي    تفريغ سلسلة نصرة للشريعة للدكتور إياد القينبي  I_icon_minitime12/1/2013, 9:02 pm

السلام عليكم

الحلقة السادسة : لماذا قضيتنا رابحة؟


[وحدهم المشرفون لديهم صلاحيات معاينة هذا الرابط]

في الحلقة الماضية ذكرنا فوائد من حديث معاذ رضي الله عنه. واليوم نحن مع فائدة مهمة جدا.
المتابع لهذه الحلقات عندما يسمع أننا نطالب الإسلاميين بعدم تقديم التنازلات عن شيء من الشريعة قد يظن أننا نطالبهم بأن يخرجوا على الناس ويقولوا لهم:

"نحن إذا حكمناكم فسنفرض الحجاب على النساء ونمنع الخمر ونقطع يد السارق ونجلد الزاني".

في الواقع نحن نحذر إخواننا أصحاب المشروع الإسلامي من أن يُجَروا إلى نقاش الفرعيات بدلا من الأصوليات...من أن يُجروا إلى نقاش الأحكام بدلا من بيان العقيدة. نحن كأصحاب مشروع إسلامي لسنا مكلفين الآن أن نرد على توجسات الناس حتى نقنعهم باختيار الشريعة. قضيتنا الكبرى الآن هي أن نبين للناس أنهم عباد لله وحده...لا تحرر لهم إلا إذا عبدوا الله وحده.

وهذه العبودية لا تتحقق إلا بتطبيق الشريعة بمفهومها الشامل.

قضيتنا الكبرى هي أن نبين للناس أنه لا يصح إسلامهم إلا إذا خضعوا لشريعة الله، وأن قبول الاحتكام إلى غير الله شرك أكبر.

نحن إذا أغرقنا في الحديث عن تفاصيل الشريعة وفي الدفاع أمام العلمانيين عن نظام العقوبات الإسلامي...إذا استطردنا في الحديث عن الحلول التي تقدمها الشريعة لمشاكل الناس الاقتصادية والاجتماعية... فإننا نضيع قضية العبودية هذه...لأننا سنبدو حينئذ كتاجر يروج سلعته ويحاول إقناع الزبائن بميزاتها أو الدفاع عن عيوبها...كأننا نكرس لدى الناس مفهوم أن الشريعة خيار من الخيارات المطروحة يمكن مقارنته بالخيارات الأخرى بناء على ميزاتها الدنيوية... بينما علينا في الواقع أن نقول للناس: ألستم مؤمنين بالله؟ فليس لكم حينئذ إلا قوله تعالى:
((وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم))...فأيتها الشعوب... الشريعة لا غنى عنها ولا خيار غيرها!

نحن لا نبيع سلعة لنجد أنفسنا مضطرين أن نبين لزبائننا ما فيها حتى يشتروها على نور ولا يقولوا لاحقا أننا خدعناهم! نحن بالمناداة بالشريعة نطالب الشعوب الإسلامية أن تلتزم بتبعات (لا إله إلا الله) التي نطقت بها، والتي تعني الرضا بالله ربا ومشرعا وحاكما...((فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما))...نحن لسنا في مأزق حتى ندافع عن طرحنا، بل الذي يدعي الإسلام ثم يرفض الشريعة هو الذي في مأزق الازدواجية والنفاق والتناقض.

هذه الفائدة من حديث معاذ نفهمها من أنه عليه الصلاة والسلام لم يوجه معاذا أن يعرض تكاليف الشريعة كاملة على أهل اليمن ليدرسوها كخيار ويقارنوها بالخيارات الأخرى ثم يقبلوها او يرفضوها. إن شهدوا الشهادتين فليس من ثَم إلا الخضوع والتنفيذ.

إذن إخواني: نقطة مهمة جدا...لا ينبغي استخدام الحلول التي تقدمها الشريعة للمشاكل، والرفاهية التي تحققها للمجتمعات كميزة تسويقية للشريعة. هذه إنما هي بركات وهدايا تأتي تبعا...ميزة الشريعة أنها دين الله...((الله الذي خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم هل من شركائكم من يفعل من ذلكم من شيء)) هل العلمانيون يخلقون أو يرزقون أو يميتون أو يحيون؟ هل البرلمانات تفعل من ذلك شيئا؟ فكيف يشرعون؟

((الله الذي خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم هل من شركائكم من يفعل من ذلكم من شيء سبحانه وتعالى عما يشركون)).

ثم هنا مسألة مهمة جدا... نحن إن نادينا بتطبيق الشريعة على اعتبار أنها تحل مشاكل المجتمع وتحقق الرفاه الدنيوي، إذا استجاب الناس لدعوتنا هذه وقبلوا بتطبيق الشريعة... هل نكون قد حققنا المقصود حقيقة؟ أبدا! فالمقصود من تطبيقها هو العبودية لله تعالى. فإن اختارتها الشعوب لميزاتها الدنيوية فإنها لا تحقق معنى العبودية. ثم إن اختيار تطبيق الشريعة بصدق في بلد ما يتوقع أن يعقبه فترة من التضحيات أمام أعدائها في العالم، وهي فترة كفيلة بأن تجعل من اختار الشريعة للدنيا ينكص على عقبيه.

إخواني هذا دين الله! أجلُّ من أن يعرض على الرف مع غيره ويعدَّل فيه ليوافق أهواء الزبائن!
في هذه السلسلة سأبين –بإذن الله- أنه ليس هناك شيء من الشريعة نستحيي منه. بل والله كل جانب منها بحد ذاته مفخرة نرفع بها رؤوسنا. وبإذن الله سأبين جمال نظام العقوبات الإسلامي ورحمته! نظام العقوبات! نعم نظام العقوبات. لكن علينا أن نعلم أن هذا كله ليس ما نُقنع به الشعوب. لا يجوز أن نعرض هذه المفاضلة على أنها ميزتنا التسويقية! نقارن شريعة الله بحثالات أفكار واضعي القوانين الوضعية الوضيعة؟!


ألم تر أن السيف ينقص قدره إذا قيل إن السيف أمضى من العصا!
إنما ميزة الشريعة أنها دين الله...((أفغير الله أبتغي حكما وهو الذي أنزل إليكم الكتاب مفصلا)).

طيب إذا سأل المماحك حول نظام العقوبات مثلا: ماذا تفعلون بمن يخالف الشريعة؟ يقال له: ولماذا يخالفها؟ من يسأل سؤالا كهذا فهو دلالة أنه يبطن سوءا، لأنه يريد مخالفة أحكام الله. فلماذا يخالفها؟ إخواني، الذين كانوا يبايعون النبي على الإسلام ما كانوا يسألونه (ماذا ستفعل بنا إن خالفنا أوامر الشريعة، بين لنا قبل أن نبايعك) لأنهم يعلمون أن هذا سؤال لا يُسأل بل هو يدل على عدم الجدية في المبايعة.

ونحن يُراد لنا من مناوئي الشريعة أن نُغرق في الردود على الشبهات المثارة عن الشريعة ونلتهي عن طرح ميزتها العظمى...ألا وهي أنها شريعة الله، خالق الإنسان والأعلم بما يَصلح له ويُصلحه. هذه هي الميزة التي تجعل قضيتنا هي الوحيدة الرابحة والتي ينبغي أن نركز عليها.

إذن عند الحديث عن الشريعة كنظام يجب أن تحتكم إليه الشعوب الإسلامية علينا أن ننتبه إلى عدم الانشغال بالدفاع عن جزئيات الشريعة أمام الشبهات.
قد تقول: لكن المعارضين للشريعة سيتهموننا حينئذ بأننا نخبئ أجندة سرية...أيها الإخوة!
المعارضون للشريعة لن يرضوا عنا حتى نتبع ملتهم. إن رفضنا الانشغال با لردود وركزنا على

العبودية فسيقولون: أجندة سرية، والذي يرد على الشبهات يجادلونه فيها جدالا يضيع قضية العبودية، والذي يعدهم باحترام رغباتهم حال استلام الحكم سيقولون أنه يبطن غدرا فيدعي احترام قواعد اللعبة الديمقراطية لكنه سينقلب عليها إذا مُكن. ولن يرضوا عن أحد حتى يتبع ملتهم. فلنلزم الحق لنكسب معية الله.

خلاصة الحلقة : الشريعة ليست خيارا يقارَن بالأنظمة الوضعية، وميزتها هي أنها دين الله، خالقنا ورازقنا ومميتنا ومحيينا.

من النقولات: (ان تطبيق الشريعة الإلهية لا يراد منه اصلاح المجتمع الانساني فحسب بل هوتنفيذ أمر الله وتحقيق العبودية له فالمسلم لا ينظر الى تطبيق الشريعة على أنه مجرد احلال نظام جديد صالح محل نظام ثبت عدم صلاحيته بل ينظر اليه-أيضا-نظرة ايمانية وهي : أنه أمر من الله تعالى واجب التنفيذ لا يصح التوقف فيه لأي مبرر كان سواء كان المجتمع مهيئا أو غير مهيئ كما أن الأخذ به وتطبيقه من لوازم الايمان بالله تعالى ومن لوازم الاقرار بحاكميته على عباده والانقياد له فيما أمر والانتهاء عما نهى عنه) (د. مفرح القوصي).
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
المثنى 2007
عضو فعال
عضو فعال
المثنى 2007

شكرا لتفاعلك ومشاركتك
اللهم اغفر له وارحمه وتجاوز عنه


تفريغ سلسلة نصرة للشريعة للدكتور إياد القينبي  Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفريغ سلسلة نصرة للشريعة للدكتور إياد القينبي    تفريغ سلسلة نصرة للشريعة للدكتور إياد القينبي  I_icon_minitime14/1/2013, 12:15 pm

شبهة تعطيل حد السرقة عام المجاعة

الحلقة السابعة


[وحدهم المشرفون لديهم صلاحيات معاينة هذا الرابط]




السلام عليكم ورحمة الله. إخوتي متابعي سلسلة (نصرة للشريعة)، دعونا نرتب أفكارنا. في الحلقة الرابعة بعنوان (عن أي تدرج نتكلم) وهي حلقة مهمة أرجو متابعتها مرة أخرى، ذكرت أن مجمل ما يورده المدافعون عن التدرج في تطبيق الشريعة هو أحد اثنين:

-إما أنه في الواقع دليل على ترتيب للأولويات في عرض الشريعة وبيانها للناس، لا على التدرج، وقد بينت ذلك في الحلقتين السابقتين.

- أو أنه دليل على وقف لحكم شرعي معين عملا بالشريعة، لأن شروط هذا الحكم الشرعية لم تتحقق فوجب العمل بحكم آخر.

هذا ما سنبدأ بنقاشه في هذه الحلقة.

إخواني، أكثر اعتراض وردني إلى الآن على هذه السلسلة هو أن عمر رضي الله عنه أوقف حد السرقة عام المجاعة. كيف يفهم الإخوة هذه المسألة؟ أن عمر عندما رأى الناس قد أصابهم الفقر والجوع فسرقوا لينقذوا حياتهم حكَّم عقله ونحى جزءا من الشريعة جانبا لأنه رأى أن الظرف لا يسمح بتطبيق هذه الجزئية من الشريعة.

طبعا هذا الفهم خاطئ جداً!
بداية، أود أن أنبه إلى أن هذا الأثر في أن عمر أوقف حد السرقة في عام المجاعة لم يثبت عنه أصلا. فقد رواه ابن أبي شيبة في مصنفه بإسناد فيه مجهولان كما قال الألباني في (إرواء الغليل).
وعلى كل، فهذا لا يؤثر في مسألتنا لأنه لو حصل فعلا أن الناس سرقوا عام المجاعة مضطرين فإن عمر ولا بد لم يكن لينفذ فيهم حد السرقة. لماذا؟ لأن الشريعة تأمره بألا ينفذ حد السرقة في هذه الحالة.

فلا بد من توافر شروط دلت عليها الأدلة الصحيحة لتطبيق حد السرقة:
أن يكون أخذ الشيء على وجه الخِفْيَةِ، وأن يكون المسروق مالا محترماً لا عينا محرمة، وأن يبلغ المسروق النصاب وأن يأخُذَ السارق ما سرقه من حرزه الذي يحفظ فيه عادة وثُبُوتِ السرقة بشهادة عَدْلَيْنِ أو بإقرار السارق على نفسه مرتين وأن يطالب المسروق منه بماله وألا يكون للسارق شبهة في المال.

إذا لم تتوفر هذه الشروط فلا يجوز للحاكم شرعا أن يقطع يد السارق.
- إذن قلنا من الشروط أن يبلغ الشيء المسروق النصاب، وهو ربع دينارِ ذهب. دينار الذهب 4.25 غرام ذهب. فربع الدينار حوالي غرام ذهب، يعني أكثر من 300 جنيه، أو أكثر من 50 دولار أمريكي هذه الأيام. فالذي يسرق ليأكل لن يحتاج أن يسرق هذا المبلغ أو طعاما بهذه القيمة.

والشريعة لا تأمر بالقطع على سرقة ربطة خبز أو دجاجة أو ما يُسد به الجوع.

دعونا نفترض أنه في عام المجاعة غلت الأطعمة جدا وسرق الفقير مضطرا ما يبلغ النصاب، سرق طعاما أو ثمن طعام يبلغ غرام الذهب. هنا الشريعة تمنع من إقامة الحد على هذا السارق لأن من شروط الحد ألا يكون للسارق شبهة في المال. والسارق مضطر فهذه شبهة تمنع إقامة الحد عليه بأمر الشريعة.

إذن إخواني المسألة ببساطة أن الشريعة هي التي منعت عمر رضي الله عنه من إقامة الحد على السارق المضطر، فليس له إلا أن يذعن للشريعة فلا يقطع في هذه الحالة. هذا حكم من داخل الشريعة، لا أن عمر عطل الشريعة وعمل برأيه. فالحد لم يجب أصلا ليسقطه عمر أو يعطله.

فعمر لم يقل سنقنن أو نطبق قانونا بشريا من خارج الشريعة هذه السنة لأن الوضع لا يسمح بتطبيق الشريعة! بل هو طبق الشريعة لا شيء غير الشريعة. فإن الله تعالى لم يجعل حد السرقة لمن سرق حتى ينقذ نفسه من الهلاك أو مشقة الجوع الشديدة. ومعلوم أن الضرورة الملجئة تبيح للإنسان ما لا يباح لغير المضطر, فالذي لا يجد ما يأكله له أن يأكل الميتة والدم ولحم الخنزير! وإن لم يعطه الغني طواعية جاز لهذا الجائع الفقير أن يسرق ما ينقذ به نفسه.

بمعنى آخر، لو أقام نظام مسلم الحد في هذه الحالة لأثم! لاحظ: لو أقام نظام مسلم الحد في هذه الحالة لأثم! لأنه لو أقام الحد فإنه عمل بخلاف الشريعة.

الآن لو قتل مسلمٌ مسلما آخر خطأ. فما حكمه في الشريعة؟ عليه الكفارة وعلى عاقلته الدية. هل يُقتل؟ طبعا لا يقتل لأنه قَتل خطأ. إذا جاء الحاكم وقتله، هل يكون مصيبا؟ لا طبعا بل يأثم ويكون قد ارتكب جريمة قتل تعاقب عليها الشريعة. فهل نقول: على الحاكم أن يعطل حكم الشريعة في الاقتصاص من القاتل؟ لا طبعا! هو لا يعطل حكم الشريعة. بل نقول أن شرط تعمد القتل لم يتحقق حتى يسمح الحاكم بالقصاص. فهذا القاتل له حكم آخر من الشريعة ذاتها. حكمه الكفارة والدية على عاقلته. وهكذا مسألتنا هذه. السارق المضطر ليس حكمه القطع في الشريعة، بل الشريعة تمنع من إقامة الحد عليه.

فالمسألة إخواني مسألة فقهية بحتة، لا إعمالٌ للعقل بدلا من الشريعة. سؤال يطرح نفسه: بيننا وبين عمر أكثر من 14 قرنا. هل قال عالم واحد من علماء الأمة عبر هذه القرون أن رواية عمر هذه دليل على جواز التدرج في تطبيق الشريعة؟ هل فهم عالم واحد هذا الفهم الذي أصبحنا نسمعه في هذه الأيام؟

هل قال عالم من سلفنا الصالح أن عمر أوقف العمل بشيء من الشريعة؟ هل قال بذلك أبو حنيفة أو مالك أو الشافعي أو أحمد أو ابن تيمية أو الغزالي أو أي واحد من علماء الأمة؟

بل انظروا كيف يعرض العلماء هذه المسألة:
قال ابن القيم في إعلام الموقعين: (فإن السَّنة إذا كانت سنة مجاعة وشدةٍ غلب على الناس الحاجة والضرورة، فلا يكاد يسلم السارق من ضرورة تدعوه إلى ما يسد به رمقه. ويجب على صاحب المال بذل ذلك له، إما بالثمن أو مجانا، على الخلاف في ذلك; والصحيح وجوب بذله مجانا; لوجوب المواساة وإحياء النفوس مع القدرة على ذلك والإيثار بالفضل مع ضرورة المحتاج، (إذن يجب على الغني أصلا أن يبذل المال للفقير عند المجاعة)

وهذه شبهة قوية تدرأ القطع عن المحتاج، لا سيما وهو مأذون له في مغالبة صاحب المال على أخذ ما يسد رمقه (أي يجوز للفقير أن يأخذ المال او الطعام من الغني عنوة في هذه الحالة).

وعام المجاعة يكثر فيه المحاويج والمضطرون، ولا يتميز المستغني منهم والسارق لغير حاجة من غيره، فاشتبه من يجب عليه الحد بمن لا يجب عليه، فدُرئ. (أي أنه على فرض أن عمر لم يقطع يد أي سارق عام المجاعة فإن هذا لأنه كان يصعب عليه أن يعرف من يسرق مضطرا ممن يسرق غير مضطر). (ثم قال ابن القيم): نعم، إذا بان أن السارق لا حاجة به وهو مستغن عن السرقة قُطع)...لاحظ! إذن المسألة ليست إيقافا للعمل بالحد عموما.

إنما أوقف العمل به لتعذر معرفة المضطر من غيره. لكن لو بان أن شخصا بعينه غير مضطر ولا حاجة به إلى السرقة وتحققت الشروط الأخرى فإنه حينئذ يقام عليه الحد.

-إخواني، لقد جعل الله تعالى شريعته سمحة تراعي أحوال الناس. تراعي الاضطرار والإكراه والجهل الذي يُعذر الإنسان به. فالرفق بالناس إنما هو بإعمال الشريعة على ما هي عليه.

فالذي يريد أن يعطل الشريعة إشفاقا على الناس من شدتها إما أنه يجهل أحكام الشريعة ومراعاتها للاضطرار والإكراه والعذر بالجهل، وإما أنه يسيء الظن بالشريعة ويظن نفسه أرفق بالعباد من ربهم سبحانه وتعالى.

- هناك بيئات لا تصلها الأحكام الشرعية. رأينا مثلا كيف أن هناك مناطق في صعيد مصر لا يعرف الواحد أن يقرأ الفاتحة ولا يعرف اسم النبي صلى الله عليه وسلم نتيجة التجهيل الذي مارسه النظام العفن لعقود طويلة. الآن لو قام حكم إسلامي وأتى إلى هذه المناطق فرأى الناس يشربون الخمر ويتعاطون الحشيش ويتعاملون بالربا وهم يجهلون حرمة هذه الأشياء، هل يقيم عليهم حد الخمر ويعزرهم على تعاطي الحشيش والربا؟ لا طبعا! لأن الناس جهلوا حرمة هذه الأشياء جهلا لعل كثيرين منهم معذورون به لأنهم نشأوا في بيئات مجهلة فقيرة نائية عن العلم. ومن شروط العقوبة على العمل المحرم أن يعلم فاعله أنه محرم. فإنما يجب على الدولة حينئذ أن تُعلم الناس في هذه المناطق حرمة هذه المنكرات. فإن شرب أحد الخمر بعدئذ جلد لان شروط الحد مستكمَلة.

فلو تصورنا أن نظاما أتى وقطع يد السارق المضطر وجلد شارب الخمر الجاهل المعذور بجهله فإننا سنكون أول من يقف في وجه هكذا نظام ونؤلف فيه سلسلة بعنوان (نصرة للشريعة) أيضا لأنه لا يعمل بالشريعة! فإعمال حكم لم تتحقق شروطه وترك الحكم المناسب للحالة هو أيضا تعطيل للشريعة. عدم أخذ الاضطرار والإكراه والجهل بعين الاعتبار هو مخالفة للشريعة. جلد من لا ينبغي جلده وعقاب من لا يستحق العقاب هو من تعطيل الشريعة.


خلاصة الحلقة: لم يقم عمر حد السرقة عام المجاعة عملا بالشريعة، لأن شروط الحد الشرعية لم تتوفر. ولم يعطل عمر شيئا من الشريعة أو يعمل رأيه بدلا منها.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
المثنى 2007
عضو فعال
عضو فعال
المثنى 2007

شكرا لتفاعلك ومشاركتك
اللهم اغفر له وارحمه وتجاوز عنه


تفريغ سلسلة نصرة للشريعة للدكتور إياد القينبي  Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفريغ سلسلة نصرة للشريعة للدكتور إياد القينبي    تفريغ سلسلة نصرة للشريعة للدكتور إياد القينبي  I_icon_minitime15/1/2013, 12:30 pm

السلام عليكم



تطبيق الشريعة وقصة الرجال الثلاثة

[وحدهم المشرفون لديهم صلاحيات معاينة هذا الرابط]

الحلقة الثامنة

السلام عليكم ورحمة الله.
إخوتي الكرام تصوروا معي ثلاثة رجال عادوا إلى بيوتهم فرآوا فيها نارا! والوضع في كل بيت من البيوت الثلاثة على النحو الآتي: الماء في الحديقة قليل، بينما من أضرموا النار يمدونها بالوقود ليزيدوا اشتعالها. الجيران لا يريدون أن يساعدوا، وصلت النار إلى غرفة الأولاد وهم محاصرون بها. الزوجة تكاد تختنق من الدخان، والنار في طريقها إلى الخزانة التي فيها تحويشة العمر.

أصيب كل رجل من الثلاثة بالذهول! فهو لا يعرف ماذا يفعل! أيبدأ بإطفاء النار؟ وأيَّة نار يطفئ بالماء القليل؟ أم هل ينشغل بقتال الذين يصبون الوقود على النار؟ أم بإسعاف زوجته؟ أم بإخراج أولاده من غرفتهم؟ أم بإنقاذ تحويشة العمر؟ أم بإقناع جيرانه القساة واسترحامهم ليهبوا لنجدته؟
هنا تصرف كل رجل من الثلاثة بطريقة مختلفة:

الأول رأى زوجته المختنقة في رمقها الأخير فأخرجها من البيت ليسعفها بملابسها البيتية والرجال حوله يشاهدونها، كما أنه ترك النار تأكل الخزانة التي فيها تحويشة العمر لأنه انشغل بإخراج أولاده المحاصرين بالنار. هل هذا الأول مسيء ؟ لا طبعا ليس مسيئا. فهو انشغل بالأهم عن المهم. فحفظ نفس زوجته مقدم على سترها، وحفظ نفوس أولاده مقدم على حفظ المال.

الثاني انشغل بإطفاء النار المتوجهة إلى خزانة ماله وترك زوجته المختنقة وأولاده المحاصرين، ثم صلى ركعتي نافلة وأطال السجود ودعا الله أن يطفئ النار بخارقة من عنده! هل هو مسيء؟ طبعا مسيء! لأنه انشغل بحفظ المال عن حفظ النفس. ومع أن الصلاة أحب القربات إلى الله، لكنها في هذه الحالة شغلته عن واجب الوقت الذي لا يجوز الانشغال عنه، ألا وهو إنقاذ زوجته وأولاده. فلا يجوز له أن يصلي في هذه الحالة.

الثالث كانت زوجته في الأصل مدخِّنة وأولاده يضيعون أوقاتهم على ألعاب الكمبيوتر وجيرانه يكرهونه لأنه لم يكن يسمح لهم بإقامة حفلات رقص وغناء وشرب في بيته. والآن، العصابة التي تصب الوقود على النار تطالبه بأن يعيرهم زوجته ليلة واحدة.

فقبل أن يدخل البيت نادى زوجته وقال لها: يا زوجتي تعاوني معي في إخراج نفسك وأعدك ألا أمنعك من التدخين، يا أولادي اسمحوا لي أن أساعدكم وأعدكم بالسماح لكم باللعب على الكمبيوتر كما تشتهون. يا جيراني، تعالوا ساعدوني في إطفاء الحريق وسأعطيكم نسخة من مفتاح البيت تفعلون فيه ما تشاؤون. أيتها العصابة الموقدة للنار توقفي وسأدرس موضوع إعارة زوجتي لكم ليلة واحدة!
ما رأيكم في تصرف هذا الرجل الثالث؟ ألا يبدو فعله هذا سخيفا مستهجنا؟!

ما المقصود بالرجل الأول والثاني والثالث؟ دعونا اليوم نبدأ بالأول.
ما نطالب به أي إسلاميين يمكن ان يحكموا بلدا من بلاد المسلمين في يوم من الأيام هو أن يكونوا كالرجل الأول. عندمايستلم إسلاميونَ الحكمَ في بلد ما يوما ما سيكون عليهم كم هائل من المسؤوليات:

مقاومة العدو الخارجي وكبت المناوئين للشريعة من العلمانيين والمنافقين والعملاء، و القضاء على الفتن والتنازعات الداخلية وبناء نظام اقتصادي إسلامي قوي وإبطال العقود المخالفة للشريعة ووقف تعاطي الربا و وتربية الجيش تربية إيمانية وتغيير قياداته الفاسدة وصناعة الأسلحة وإعداد العدة وتأسيس جهاز قضائي يحكم بالشريعة وإطعام الجياع وتوفير العلاج ومنع الاحتكار والرشوة والغش وتوفير العمل للعاطلين عن العمل والقضاء على الخمر والمخدرات والحشيش ومنع الاختلاط في أماكن التعليم والعمل وإشاعة أجواء عامة نظيفة لا تستثار فيها الغرائز وإعادة صياغة المناهج التعليمية والإعلام صياغة إسلامية صحيحة وإيقاف الجرائم وإقامة نظام العقوبات الإسلامي للمخالفين ورد المنتهبات التي انتهبتها الطبقة الفاسدة إلى المجتمع وتعليم الناس ما يلزمهم في دينهم ودنياهم وغير ذلك الكثير. هذا كله داخل في مصطلح تطبيق الشريعة.

هذا كله من تطبيق الشريعة.
هل يستطيع أي نظام إسلامي أن يفعل ذلك كله دفعة واحدة؟ وفي اليوم الأول من استلام الحكم؟ طبعا لا. إذن ما المطلوب منه؟ هذا ما سنعرفه في الحلقة القادمة بإذن الله تعالى.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
المثنى 2007
عضو فعال
عضو فعال
المثنى 2007

شكرا لتفاعلك ومشاركتك
اللهم اغفر له وارحمه وتجاوز عنه


تفريغ سلسلة نصرة للشريعة للدكتور إياد القينبي  Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفريغ سلسلة نصرة للشريعة للدكتور إياد القينبي    تفريغ سلسلة نصرة للشريعة للدكتور إياد القينبي  I_icon_minitime16/1/2013, 6:41 pm

الحلقة التاسعة

[وحدهم المشرفون لديهم صلاحيات معاينة هذا الرابط]
هل نطالب الإسلاميين بأكثر من طاقتهم؟
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إخوتي الكرام: لا زلنا في سلسلة (نُصْرَةً للشَّريعة)
تكلمنا في الحلقة الماضية عن مثال (الرجال الثلاثة) الذين عادوا إلى بيوتهم فوجدوها تحترق. وقلنا: أن على من يصل إلى الحكم أن يكون كالرجل الأول الذي انشغل بالأهم عن المهم. وكذلك سيجد العاملون للإسلام أنفسهم _لا محالة_ منشغلين بواجبات عن واجبات، لكن لا تثريب عليهم، قال تعالى: (مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ) وقال تعالى: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) وقال تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ).
والنبي صلى الله عليه وسلم لما كان يوم الأحزاب قال: ( مَلَأَ اللَّهُ بُيُوتَهُمْ وَقُبُورَهُمْ نَارًا، كَمَا شَغَلُونَا عَنْ الصَلاَةِ الوُسْطَى _يعني: صلاة العصر_ حَتَّى غَابَتِ الشَّمْسُ).
فما المطلوب إذاً؟
على الإسلاميين أن يعلنوا _من اللحظة الأولى_ أن الحكم لله، وأن ما خالف الشريعة من القوانين فهو تحت الأقدام، فالسيادة المطلقة التامة للشريعة منفردة لا تنازعها سيادة أبدا.
فإن عجزوا عن فريضة من الفرائض فإن فرضيتها تسقط عنهم، ولا تكون واجبة في حقهم إلى حين تحقق القدرة والاستطاعة، (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا).
ما دام القانون إسلاميا والدولة تطبق ما تقدر عليه = فالشريعة مطبقة.
قد يقول قائل ألا يسمى ذلك تدرجا؟
نقول: أبدا. لا علاقة له بالتدرج، وسأبين ذلك في حلقة أخرى بإذن الله تعالى.
تعالوا _بداية_ إلى تطبيقات عملية مهمة حتى تتضح المسألة:
أولا: قد... و(قد) هذه لها قصة ستأتي بإذن الله تعالى
قد لا يُطالَب العاملون للإسلام بإعلان الجهاد لتحرير بلاد المسلمين المحتلة من اليوم الأول من استلامهم للحكم.
لكن افترض أن شبابا تسللوا من الدولة الإسلامية إلى فلسطين وجاهدوا المحتل ثم عادوا إلى حمى الدولة الإسلامية، هل ستنفذ الدولة الإسلامية ضدهم قانون مكافحة الإرهاب الذي يقضي في هذه الحالة بتجريمهم وحبسهم؟
طبعا لا. فقانون مكافحة الإرهاب ومعاهدة (كامب ديفد) وكل قانون أو معاهدة تمنع من نصرة المسلمين وتذل رقابهم لعدوهم = ستكون لاغية بمجرد إعلان تطبيق الشريعة ومن اللحظة الأولى، وسيحل محلها قانون (وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ)
أن تنفذ الدولة هذا القانون الجديد بحسب الوسع والطاقة شيء، وأن تعمل بضده شيء آخر. قد يأتي الحاكم في هذه الحالة بالشاب المجاهد ويقول له في رفق: لماذا يا بني استعجلت؟ نحن في طور إعداد العدة وترتيب الصف ووأد الفتنة، ونريد همتك معنا في ذلك، ولا والله لن يهدأ لنا بال حتى نحرر بلاد المسلمين، لا تفتح علينا الآن يا بني جبهة جديدة لا طاقة لنا بها.
وقد يعزره إذا أضر فعله بالدولة الناشئة وجرها إلى مواجهات أرهقتها وشغلتها عن ما هي فيه. أما أن تنفذ الدولة فيه قانون مكافحة الإسلام المعروف بقانون مكافحة الإرهاب فماذا بقي لها حينئذ من اسم الإسلامية؟
قد لا تكون لديها الاستطاعة لتحرير بلاد المسلمين، لكن ينبغي أن لا يكون لها الاستطاعة أيضا للبطش بالمجاهدين.
ثانيا: إذا استلم العاملون للإسلام الحكم في بلد فيها عدد كبير من دور المجون والخمارات، ومحلات الفيديوهات المحرمة وأشرطة الأغاني، ومقاهي الانترنت التي يعمل فيها بالمعاصي، والسنيماهات، والصالونات النسائية التي يعمل بها الرجال، ومحلات المساج الماجنة، ومحلات بيع التماثيل المحرمة، والمكتبات التي فيها كتب إباحية أو كفرية وغيرها.
قد لا يكون لدى الدولة الاستطاعة لإغلاق ذلك كله دفعة واحدة، لكن بمجرد إعلان تطبيق الشريعة فإن حكم هذه الأشياء كلها أصبح واضحا معروفا.
كانت في القانون الوضعي أماكن قانونية محمية باسم القانون، يُجرَّم من يعتدي عليها، والآن أصبحت أماكن ممنوعة لا حرمة لها، بل تنتظر إغلاقها بمجرد استطاعة الدولة لذلك، ما عادت تستطيع أن تستعز بالدولة أو تحتمي بالقانون.
ثالثا: المنافقون والعلمانيون _وبتحريض من الدولة المعادية_ قد يتعمدون التهجم على الشريعة والسخرية من أحكامها، بل والاستهزاء بالله تعالى وآياته ورسوله صلى الله عليه وسلم، قد لا يكون لدى الدولة الاستطاعة أن تستتيب هؤلاء كلهم دفعة واحدة، أو تقضي عليهم كلهم دفعة واحدة.
لكن بمجرد إعلان تطبيق الشريعة فإن هؤلاء _إن لم يتوبوا_ سيكونون بانتظار الجزاء العادل الذي شرعه الله عز وجل لمن يرتد عن دينه أو يسخر منه، وسيحاسبون على كلامهم فور استطاعة الدولة لذلك.
ما عادت زبالات أفكار هؤلاء المنافقين والعلمانيين_ ما عادت حرية تعبير كما كانت في ظل الدولة التي تعطي الحرية لهم وتحرم منها الدعاة إلى الله، بل إيقافهم عند حدهم سيُعطى أولوية قصوى في دولة مبنية على تعظيم الله والعبودية له تعالى.
رابعا: في بعض البلاد عدد كبير من الأضرحة والمقامات التي يزورها الناس ويتبركون بها، ويمارسون عندها طقوسا بدعية أو شركية، وكانت تتمتع بحماية الدول التي كانت تعين سدنة وحراسا لهذه المقامات.
بمجرد إعلان تطبيق الشريعة فإن هذه الأضرحة تنتظر إزالة الدولة لها، وتحويلها إلى قبور عادية، وليس حراستها.
خامسا: على الدولة أن تحقق الرعاية الصحية لشعبها، وأن تقوم بمشاريع زراعية وحيوانية تحقق لها اكتفاء ذاتيا عن عدوها، بحيث لا يحاول ابتزازها والتحكم بسياساتها من خلال امتلاكه للقمح والحليب وغيرها، كما أن على الدولة القيام بمشاريع الصناعات الثقيلة التي تحقق لها استقلالها أيضا.
فهذا كله من تطبيق الشريعة، ومن حفظ النفس والمال والنسل التي هي من مقاصد الشريعة. لكن كما لا يخفى فإن تحقيق هذا كله لا يتم من اليوم الأول من استلام الحكم، لكن إعلان تطبيق الشريعة يتضمن أن لا تلتزم الدولة بأي اتفاقية تبتزها وتجعل قوتها بيد أعدائها.
سادسا: قد تجد الدولة الإسلامية نفسها أمام آلاف من الفاسدين الذين كانوا منتفعين من النظام غير الإسلامي الجاهلي.
هؤلاء الفاسدون قد انتهبوا خيرات البلاد فتملكوا أراضيها ومشاريعها الحيوية، وخُصخصت القطاعاتُ العامة لهم، وغمروا الناس في قروض ربوية من خلال بنوك لهؤلاء الفاسدين.
قد لا تستطيع الدولة الناشئة رد ما في أيدي هؤلاء من منتهبات إلى عامة الناس دفعة واحدة. لكن لو جاء بنك من بنوكهم يقول: فلان اقترضَ مني مائة ألف قبل سنوات، فتراكمت عليه الفوائد وعجز عن السداد، فلم يسدد إلا أصل الدين، تعالي يا دولة اطرديه من بيته المرهون لأبيعه وأحصل على فوائدي.
هل تعينه الدولة؟
طبعا لا تعينه. ففوائده هذه أصبحت ربا محرما باطلا بإعلان تطبيق الشريعة.
وعلى ذلك فقس، أمثلة كثيرة جدا.
هل نحن _في ذلك كله_ نطالب من يستلم الحكم بأكثر من طاقته ووسعه؟
لا والله.
لكن المسألة ببساطة:
إما إسلام أو لا إسلام،
إما شريعة وإما قوانين وضعية.
هناك دروس كثيرة يمكن استنباطها من هذه الأمثلة:
ما هي هذه الدروس؟
هذا ما سنعرفه في الحلقة القادمة بإذن الله، فتابعوا معنا.
والسلام عليكم ورحمة الله.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
المثنى 2007
عضو فعال
عضو فعال
المثنى 2007

شكرا لتفاعلك ومشاركتك
اللهم اغفر له وارحمه وتجاوز عنه


تفريغ سلسلة نصرة للشريعة للدكتور إياد القينبي  Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفريغ سلسلة نصرة للشريعة للدكتور إياد القينبي    تفريغ سلسلة نصرة للشريعة للدكتور إياد القينبي  I_icon_minitime19/1/2013, 11:56 am

الحلقة العاشرة:



السلام عليكم
لماذا إعلان سيادة الشريعة من البداية؟-نصرة للشريعة10

[وحدهم المشرفون لديهم صلاحيات معاينة هذا الرابط]


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
إخوتى الكرام :
لازلنا في سلسلة ( نُصرةًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًََََََََََََ للشريعة ) ...

ذكرنا في الحلقة الماضية أن من يحمل مشروعاً إسلاميا ً- إن استلم الحكم - فلا مناص له
من إعلان السيادة المطلقة الكاملة المنفردة للشريعة ( ومن اللحظة الأولى ) .

وذكرنا أن هذا لا يعني بالضرورة إتيانه بالواجبات كلها , وإلغاء للمنكرات كلها دفعةً واحدة , لكن مادام القانون إسلامياً محضاً , والدولة تُطبق ما تقدر عليه , فالشريعة مطبقة , وذكرنا أمثلة عملية للنقلة الكبيرة التي يحدثها إعلان سيادة الشريعة , ثم وعدتكم بإستخلاص دروس مهمة.

تعالوا أحبتي الكرام نستعرض بعض هذه الدروس :

أولاً: -
-----
لاحظنا أن إعلان سيادة الشريعة يؤثر في كل شيئ في المجتمع , فالمجتمع يصبح مبنياً على العبودية المطلقة لله ؛
فبهذا الإعلان فإن أعمالاً كانت تُجرم في ظل القوانين الوضعية أصبحت مسموحة , وأخرى كانت مسموحة أصبحت جرائم ,

أيضاً فإن أشخاص وأملاك فقدت حصانتها , وأخرى اكتسبتها , وقضايا كانت رابحة تخسر , وأخرى كانت خاسرة تربح . اتفاقياتٌ تُلغى وأخرى تُبرم .
كل هذا بإعلان تطبيق الشريعة ومن اللحظة الأولى,
حتى وإن لم تستطع الدولة إنفاذ هذه الأحكام مرةَ واحدة فإن تسميتها وتوصيفها الشرعي يبقى ذا أثرٍ كبير .
فرقٌ كبير بين أن يعرف الفرد أنه يفعل شيئاً محضوضاً عليه وتشجعه الدولة , وبين أن يفعل شيئاً ممنوعاً يستوجب العقوبة , حتى وإن تأخرت المثوبة والعقوبة إلى حين قدرة الدولة واستطاعتها , فتوصيف الأفعال يبقى ذا أثرٍ كبيرٍ في سلوك المجتمع .

ثانياً:-
------
لاحظنا أن البديل عن إعلان سيادة الشريعة هو أن تحكم الدولة الإسلامية بالقانون الوضعي الجاهلي.
فعندما نقول: إسلاميون في الحكم ؛ فهم دولة وليس لهم أن يقفوا موقف المحايد من التصرفات والأشخاص والقضايا , فإما أن يحكموا بالإسلام , وإما أن يحكموا بالقوانين الوضعية الجاهلية .
( أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكماً لقومٍ يوقنون ). ولبيان ذلك أكثر برجاء مراجعة الحلقة الثالثة وهي بعنوان:
( المعنى الخطير للتدرج ).

فيا من تطالبون بعدم إعلان سيادة الشريعة من اللحظة الأولى , إعرفوا ما يؤدي إليه ذلك ؛ وهو أن تصبح الدولة الإسلامية حارسةً للقوانين الوضعية , منفذة لها ومعاقبة لمن يخالفها , ومثيبة للعاصي, ومعاقبة للمطيع . فماذا بقي لها من اسم ( اسلامية ) حينئذٍ , فهل تقبلون للدولة الإسلامية أن تفعل ذلك ولو ليومٍ واحد يا أصحاب التدرج .

وقد آلمني ما سمعته من أحد الدعاة وهو يقول لمستمعيه في المسجد :
( ما تظنوش إن الإسلاميين إذا وصلوا للحكم حيغيروا كل حاجة مرة واحدة ؛ يمكن مفيش حاجة من القوانين حتتغير أول سنتين تلاتة ,
لكن الناس حتبقى نضيفة )
وهذا كما ترون يا إخواني كلام خطيييييير للغاية , يدل على عدم وعي لمعنى أن تكون في الحكم , أو على تجويز أن يسوس المسلمون المجتمع بقوانين جاهلية وضعية .
إن لم يتغير شيئ من القوانين فستبقى الأماكن التي تمارس فيها المحرمات قانونية كما كانت في القانون الوضعي وتستحق من الدولة الحماية والرعاية ضد من يريدون إنكار منكرها . فهل يُتصور أن تعين الدولة الإسلامية في النهاية حراساً ملتحين على أبواب الخمارات والنوادي الليلية ( ما لكم كيف تحكمون )
فيا من تدافعون عن التدرج , إعرفوا عن ماذا تدافعون .

ثالثاُ :
--------

أما الفائدة الثالثة من الأمثلة التي ضربناها في الحلقة السابقة , وهي أن الحق واحد والباطل متشعب ؛ فإن لم يلتزم الدعاة بإعلان سيادة الشريعة , فإنهم سيتخبطون في البديل عن ذلك لأنهم فقدوا البوصلة بالتنازل عن الحق ( فماذا بعد الحق إلا الضلال فأنى تصرفون)
فترى هذا الداعية يقول: قد لا نغير شيئاً من القوانين في أول سنتين أول ثلاثة .
وآخر يقدرها بأشهر , والثالث بمدة أكثر أو أقل . وآخر يقول : سنبدأ بأحكام الشريعة التي يتقبلها الشعب ونؤخر ما لا يتقبلها .
وآخر : يقول نبدأ بالأحكام المتعلقة بالأخلاق والسلوك ونؤخر الحدود .
وآخر ايضاً يقول: نقوي الإقتصاد ثم نطبق الشريعة.
وهكذا أصبحت المسألة خاضعة لتقديرات البشر, وهي أهم مسألة ؛ ألا وهي غبودية الله بتطبيق شرعه والخلافة في الأرض- أصبحت خاضعة للأهواء والتخمينات والتخريصات والظنون ( وما يتبع أكثرهم إلا ظنا إن الظن لا يغنى من الحق شيئاً )
فهل يظن بالله تعالى أن يترك هذه المسألة المصيرية – مسألة العبودية لله بتطبيق شرعه -
أن يتركها لظنون البشر هكذا , فالحق واحد ( وهو في إعلان السيادة المطلقة التامة للشريعة من اللحظة الأولى ) ومن تخلى عن ذلك دخل في تشعبات و متاهات وتخبطات الباطل .

رابعاً:-
---------

إعلان السيادة للشريعة من اللحظة الأولى هو: ( عقدٌ بين الحاكم والمحكوم), وهو ملزمٌ للطرفين يمنع أياً منهما من التلاعب , وبه تسقط الحصانات الزائفة حتى عن الحكام لأنهم إن زاغوا عن تبعات هذا الإعلان فإن على الشعب أن يحاسبهم ويقيس أفعالهم على هذه المسطرة الواضحة (مسطرة الشريعة ) فالعاملون للإسلام ليسوا معصومين؛ فإن وصلوا للحكم , فما الذي يضمن أن لا تصيبهم لوثة السلطة والأبهة التي أصابت من شغل المناصب قبلهم ,
وهل هذا معقول ؟؟؟!!! نعم معقول , فلا عصمة لأحد فإن كنا نرى تنازلات قُدمت من البعض , وهذا وهم لم يصلوا بعد للحكم ,
فما الحال عندما تذاق حلاوة الألقاب والمشي على السجاد الأحمر .
ونحن مأمورون بأن نأخذ بظواهر الناس في الخير والشر, ولا يغنينا أن يقول قائل نيتي طيبة , أما النوايا فأمرها إلى الله عزوجل .
لذلك فنحن لا نقبل أبداً بالعبارات المائعة الرمادية التي تستخدم هذه الأيام بديلاً عن عبارة تحكيم الشريعة ومن اللحظة الأولى,

ومن هذه العبارات :
-------------------

*أجندة واضحة للتدرج في تطبيق الشريعة.
*سنطبق ما يتوافق مع روح الشريعة .
*فلان لديه توجه نحو تطبيق الشريعة .
*سنسن القوانين بما يحقق مقاصد الشريعة.
*الحزب الفلاني سيسعى بخطواتٍ حثيثة إلى تطبيق الشربعة .
*عليه أن يكون لديه نية جازمة لتطبيق الشريعة.
*جدية في الوصول بالمجتمع إلى تطبيق الشريعة .
*ستكون الدولة ذات مرجعية شرعية .

هذه العبارات كلها هلامية مائعة تهربية, حتى وإن استخدمت فيها كلمات الجدية والحزم والعزم والصدق , ولكنها تبقى مائعة هلامية غير مقبولة .
لأن يا إخواني تطبيق الشريعة عقدٌ ... فهل تقبل أن تكتب مع مالك شقة عقد إيجار صيغته: اتفق الطرفان على أن يدفع المستأجر 500 دينار شهريا مقابل أن يكون لدى المؤجِّر توجه واضح نحو تأجيره الشقة؟!
هل تقبل في عقد زواجك أن يُكتب: اتفق الطرفان على أن يدفع الرجل المهر مقابل أن يكون لدى ولي المرأة نية جازمة لتزويجه إياها؟!
هل تقبل بذلك؟؟؟!!! هل تُغني عندك النوايا حينئذٍ؟؟؟!!!
كذلك ؛ فإن تطبيق الشريعة عقدٌ بين الحاكم والمحكوم . فالمحكوم يبذل الطاعة والولاء ويتعبد لله بطاعة هذا الحاكم مقابل أن يلتزم الحاكم بتطبيق الشريعة , ثم هو قبل ذلك وفوق ذلك عقدٌ عبودية وخضوع مع الله عزوجل بتطبيق شرعه تعالى , ولاتنفع فيه مثل هذه العبارات الهلامية ,و إن كنت لاتقبل مثل هذه العبارات في عقد زواج أو استئجار فمن باب أولى ألا تقبلها في أخطر ما تعيش من أجله وهو العبودية لله تعالى بتطبيق شرعه.

كلمة تطبيق الشريعة هي كلمة منضبطة يمكن قياسها , أما عبارات التوجه, والتدرج , والنية , والرؤية , والمرجعية , كلها كلمات ليست منضبطة, ولا يمكن قياسها ,
فإذا استلم من يرفعون هذه الشعارات الحكم في يوم من الأيام ثم قست قلوبهم وأصابتهم لوثة الكرسي وأردوا مداهنة الغرب –لاخوفاً على شعبهم بل خوفاً على كراسيهم – فكيف سيحاسبهم شعبهم؟؟؟
فنجد أنهم إن فرطوا في أوامر الشريعة وطالبهم البعض بتنفيذها , فما الذي يمنع هؤلاء الحكام الإسلامييين من أن يقولوا نحن لدينا توجه حقيقي ونية صادقة في تطبيق الشريعة لكن في تقديرنا أن الشعب غير مهيئ, والمرحلة لا تناسب ونرى من المصلحة أن لانطبق هذه الجزئية من الشريعة الآن
ونحن مازلنا نتدرج في تطبيق الشريعة حسب أجندة واضحة , وفي أجندتنا أن علينا البقاء عند هذه المرحلة للأشهر القليلة القادمة , فإذا طرأ هذا الإنحراف على الحكام الإسلاميين وبرروا بمثل هذه المبررات , فما الذي يمنعهم؟ خاصةً وأن عقدهم مع شعوبهم كان هلامياً من البداية ... فسنجد أنفسنا ندخل حينئذٍ في معركة الحكم على النوايا والإختلاف في تقدير الوضع يسمح أو لا يسمح وما إلى ذلك .

ملخص النقاط الأربعة السابقة:
-------------------------
1- إعلان سيادة الشريعة يُحدِث إنقلاب في موازين ومفاهيم وقوانين المجتمع من اللحظة الأولى.
2- البديل عن هذا الإعلان هو أن تحكم الدولة بالقانون الوضعي الجاهلي.
3- من تخلى عن إعلان سيادة الشريعة فسيدخل في متاهات الباطل المتشعب.
4- إعلان سيادة الشريعة عقدٌ لا تقبل فيه العبارات الهلامية .

خلاصة الحلقة:-
----------------

إعلان تطبيق الشريعة من اللحظة الأولى هو الحق الأوحد وهو المفهوم المنضبط المحدد المقيس شرعاً والذي يحاسب عليه كل من الحاكم والمحكوم, وما عداه حكم جاهلية وباطل متشعب , ومفاهيم غير منضبطة ولا محددة وتؤدي إلى إنحراف الحاكم والمحكوم
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
المثنى 2007
عضو فعال
عضو فعال
المثنى 2007

شكرا لتفاعلك ومشاركتك
اللهم اغفر له وارحمه وتجاوز عنه


تفريغ سلسلة نصرة للشريعة للدكتور إياد القينبي  Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفريغ سلسلة نصرة للشريعة للدكتور إياد القينبي    تفريغ سلسلة نصرة للشريعة للدكتور إياد القينبي  I_icon_minitime21/1/2013, 2:11 pm

الأهداف السامية تفجر طاقات الشعوب


الحلقة الحادية عشر

[وحدهم المشرفون لديهم صلاحيات معاينة هذا الرابط]
السلام عليكم ورحمة الله.
أحبتي هل تذكرون في الحلقة التاسعة عندما قلت لكم:
"قد لا يطالَب العاملون للإسلام بإعلان الجهاد لتحرير بلاد المسلمين المحتلة من اليوم الأول من استلامهم للحكم" وقلت لكم في حينه: "(قد) هذه لها قصة تأتي"... ما قصة "قد"؟
عندما استلم صلاح الدين الأيوبي حكم مصر كان وضعها أليما قد لا يختلف كثيرا عن وضعها الحالي. فقد كانت ترزح تحت احتلال الدولة العبيدية المسماة بالفاطمية 200 سنة، وهي دولة مارقة من الإسلام عملت على طمس عقيدة أهل السنة والجماعة في مصر وعلى نشر الفسق والفجور. وكانت بلاد المسلمين الأخرى تتعرض لحملات الصليبيين. وعندما استلم صلاح الدين الحكم بدأ الصليبيون يشنون الحملات على مصر. ماذا فعل صلاح الدين؟ هل هادن الصليبيين وقال أتدرج في تعليم الناس الدين فقد طمست معالمه أثناء حكم العبيديين؟ بل أعلن الجهاد ووضع لشعب مصر هدفا واضحا: تحرير القدس وباقي بلاد المسلمين المحتلة. كان نور الدين قد صنع منبرا ليوضع في الأقصى. فأصبح لدى أهل مصر هدف سام عال واضح هو وضع المنبر في الأقصى.

شعب مصر المنهك المجوَّع المروَّع الممزق نتيجة حكم دولة الزندقة العبيدية لمئتي عام، عندما وضع له هدف سام عظيم: (تحرير بلاد المسلمين) أصبح شعبا عظيما، تطلعاته عظيمة، اهتماماته عظيمة، معنوياته عظيمة...فتلاشت آثار الحكم العبيدي، وكان خلاص القدس على يد هذا الشعب...فجيش حطين كان معظمه من المصريين.

هذا درس عظيم لأي حكم إسلامي سيقوم يوما من الأيام: ضع للناس هدفا عظيما تتلاشى المشاكل الصغيرة.
الطرح السائد هذه الأيام أن أي حكم إسلامي يقوم عليه أن يصلح الوضع الاقتصادي والاجتماعي والأخلاقي ويتدرج في فطم الناس عن عاداتهم المحرمة قبل أن يخطو أية خطوة عسكرية.
بينما التاريخ يعلمنا أن ما يحصل عادة هو العكس! الهدف العظيم يشحن همم الناس ويفجر الطاقات ويستخرج مذخور القوى.

أبو بكر رضي الله عنه، عند وفاة النبي ورِدة القبائل...وضع لأهل مكة والمدينة والطائف، وكثيرٌ منهم حديث عهد بكفر لم يمر على إسلامه سوى سنتين، وضع لهم هدفا عظيما...بعْثَ أسامة لقتال الروم عملا بأمر رسول الله. قال له الصحابة: (يا أبا بكر رُد هؤلاء توجه هؤلاء إلى الروم وقد ارتدت العرب حول المدينة؟!) فقال: (والذي لا إله إلا هو، لو جرت الكلاب بأرجل أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم ما رددت جيشا وجهه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا حللت لواء عقده رسول الله صلى الله عليه وسلم). فوجه أسامة فجعل لا يمر بقبيل يريدون الارتداد إلا قالوا لولا أن لهؤلاء قوة ما خرج مثل هؤلاء من عندهم ولكن ندعهم حتى يلقوا الروم فلقوا الروم فهزموهم وقتلوهم ورجعوا سالمين فثبت على الإسلام كثير ممن فكر في الردة.

هدف عظيم: الطاعة المطلقة لرسول الله صلى الله عليه وسلم.

لم يكن هدفا واقعيا ولا منطقيا بحسابات البشر، لكنه فجر الطاقات وشحن العزائم.
تصور معي لو قام حكم الشريعة في مصر وأطلق الحكام شعار: (مصر أمل الأمة)، أو (خلاص الأمة على أيدينا)، أو (لن ننكسر لغير الله)، أو (سنعيدها خلافة على منهاج النبوة)...شعار أخروي عظيم عال على مستوى الأمة ... كم سيكون لذلك من أثر في نفوس أهل مصر أو أي بلد؟!

هل يُتوقع حينئذ أن يطالب أحد من شعب مصر حكامه بإعطاء الحرية للفنانين والمغنين؟! هل ستطالب المتبرجة بإعطائها الحق أن تلبس ما تشاء؟! هل ستثار قضية السياحة والشواطئ والدخل الذي تدره السياحة؟! هل ستثار قضية حرية التعبير في نقد الإسلام؟! بل بمجرد وضع هدف سام فإن الناس سينسون هذه الترهات والسخافات والرأي العام سيحتقر هذه الطروحات. نريد إنقاذ أمة الإسلام وأنت تقول غناء! تريدين أن تتبرجي في دولة تطمح لإقامة الخلافة من جديد؟!

أصحاب هذه الطروحات الهزيلة سيصبحون منبوذين لأنهم يتكلمون في الدون أمام شعب يطلب المعالي. بل إن الناس سيشكون في دوافعهم ويتهمونهم بالعمالة للقوى الخارجية ولأعداء الأمة، لأنهم بطروحاتهم هذه يوهنون الروح الجهادية في الأمة ويتلفون أخلاق شبابها، وهو ما يريده الأعداء. فلا خيار للعلمانيين والمنافقين ومتبعي الأهواء والشهوات...لا خيار لهم إلا أن يتبنوا الشعارات العالية، أو أن يلجموا أفواههم ويخفوا بضاعتهم الكاسدة المقيتة. فالمجتمعات عالية الطموح تنبذ مثل هذه الطروحات.

هل كان المنافقون يثيرون مثل هذه الطروحات في عهد النبي؟ طبعا لا، لأن المجتمع الجهادي المنشغل بالمعالي سينظر إليهم باشمئزاز واستهجان.

ثم هنا نقطة مهمة جدا...عندما يضع الحكم الإسلامي هدفا عظيما فإن الترهات والمحرمات التي كانت هدفا في ذاتها تصبح في نظر أصحابها عوائق تعيقهم عن هدفهم العظيم. فبدلا من أن تبدد الدولة جهدها في إقناع الناس بترك الاختلاط والتبرج والأغاني والدخان والموضات والتشبه بالكفار في اللباس وقصات الشعر، وتخاف ردة فعل الناس من فطمهم عن معتاداتهم دفعة واحدة، يصبح المسلمون ينظرون إلى هذه الترهات على أنها تعيقهم عن الهدف الأسمى الذي وُضع لهم. فيدوسونها ويمضون إلى هدفهم. كانت بحد ذاتها أهدافا عندما كان الشعب ضعيفا اهتماماته دونية وتطلعاته دونية. أما الآن فقد تحولت إلى عوائق عن الهدف السامي، فلا يجد أية صعوبة في التخلص منها بل يمقتها ويزدري نفسه إن زاولها.

والناس إن لم تشغلهم الدولة بالحق شغلوها بالباطل! الناس إن لم تشغلهم الدولة بالحق شغلوها بالباطل.

إخواني هذا الكلام ليس ضربا من الخيال، بل انظر كيف أن شعوبا كافرة وضعت لها أهداف كبيرة باطلة، ومع ذلك فجرت طاقاتها...القادة الشيوعيون وضعوا لشعب روسيا هدف القضاء على الطبقية فأصبحوا دولة عظمى مع أنه كان شعبا كافرا في معظمه والهدف في حقيقته باطل.
الشعوب الإسلامية نفسها عندما رفعت فيها شعارات كبيرة من قيادات ليست أهلا لها كانت ذات أثر كبير. انظر إلى أثر شعار (لا صوت يعلو فوق صوت المعركة) عندما رفع في مصر مع أنه اقترن بالتغرير والانتفاش بالباطل وبأهداف قومية دونية. فكيف لو رفعته بصدق دولة إسلامية صادقة؟!

عندما يوضع نصب العيون هدف عظيم ويقف أمامك الأعداء في الطريق وتسقط الأقنعة ويظهر وجههم الكالح ويبدأ الشعب بتقديم التضحيات...حينئذ تشتعل روح التحدي والإصرار ويصبح ممنوع الأعداء مرغوبا. تأمل البلاد التي قامت فيها أنظمة إسلامية أو ترفع شعار الإسلامية بغض النظر عن صحة مناهج هذه الأنظمة...تأمل غزة وأفغانستان والصومال، على التباين بين هذه النماذج فقد قامت فيها جميعا نماذج هي في عرف الناس إسلامية. قامت الدنيا ولم تقعد، وضرب الحصار وكُثف القصف واستعلمت صنوف الأسلحة واستُعين بالطابور الخامس، ومع ذلك كله ما زاد ذلك شعوب هذه البلاد إلا إصرار على التمسك بمن رفع شعارا إسلاميا. وضع أمام هذه الشعوب الخيار: أسقطي هذه الأنظمة لتنالي الحياة والدعم والسلام، وإلا فالجوع والحرمان والذعر...فاشتعلت روح التحدي والتفت هذه الشعوب حول قياداتها التي نظرت إليها على أنها إسلامية، مع التباين بين هذه النماذج. المهم ان الشعب أحس أنه يتحدى في دينه ويساوم عليه ويُبتز. هذا مع ان هذه البلدان المذكورة ممزقة بالمجاعات والفقر والحروب الأهلية. لكن التحدي فجر طاقاتها.

المختصون بإدارة الذات يقولون ضع لنفسك رؤية ملهمة حالمة غير واقعية حتى تشحذ همتك. ولا يتأهل لقيادة الأمة إلا من لديه رؤية كذلك! حالمة في نظر القاصرين غير واقعية بمقياس البشر، لكنه يوقن أن الإيمان يصنع الأعاجيب، فكيف في هذا الزمان الذي سقط فيه الخوف وارتفعت فيه الهمم وقامت الحجة على المتخاذلين؟!

إذا لم يكن أصحاب المشروع الإسلامي واثقين من قدرة دينهم على تفجير طاقات الشعوب وتحقيق العجائب فهم ليسو أهلا بعدُ لقيادة هذه الشعوب ولن تسمح سنة الله لهم بقيادتها. لا بد أن يكون الإسلام عظيما في نفوسهم ليكون عظيما في نفوس الشعوب التي يقودونها، وإلا فإن فاقد الشيء لا يعطيه.

كانت هذه دروسا من الرجل الأول في قصة الرجال الثلاثة. الرجل الأول كان صاحب طموح عظيم، يريد أن ينقذ زوجته وأولاده من النار وأن يقاتل أعداءه، فأعلن ذلك وسعى فيه بوسعه وطاقته. ماذا عن الرجل الثاني؟ هذا ما سنعرفه في الحلقة القادمة بإذن الله.

خلاصة الحلقة: لأي حكم إسلامي يقوم...وضع هدف عظيم سيكون خير وسيلة لاستخراج طاقات الشعوب وتربيتها والتخلص من مشاكلها وفطمها عن عاداتها السلبية وتوحيدها على هذا الهدف.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
المثنى 2007
عضو فعال
عضو فعال
المثنى 2007

شكرا لتفاعلك ومشاركتك
اللهم اغفر له وارحمه وتجاوز عنه


تفريغ سلسلة نصرة للشريعة للدكتور إياد القينبي  Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفريغ سلسلة نصرة للشريعة للدكتور إياد القينبي    تفريغ سلسلة نصرة للشريعة للدكتور إياد القينبي  I_icon_minitime22/1/2013, 12:11 am

السلام عليكم
للتنبيه

الفيس بوك حذف صفحة الاخ إياد القنيبي اليوم لمن كان يتابعه
لذلك أنشأ صفحة أخرى هنا
[وحدهم المشرفون لديهم صلاحيات معاينة هذا الرابط]

ارجوا نشرها في المنتديات بارك الله فيكم
والدال على الخير كفاعله
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
المثنى 2007
عضو فعال
عضو فعال
المثنى 2007

شكرا لتفاعلك ومشاركتك
اللهم اغفر له وارحمه وتجاوز عنه


تفريغ سلسلة نصرة للشريعة للدكتور إياد القينبي  Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفريغ سلسلة نصرة للشريعة للدكتور إياد القينبي    تفريغ سلسلة نصرة للشريعة للدكتور إياد القينبي  I_icon_minitime23/1/2013, 12:43 pm

الحلقة الثانية عشر

السلام عليكم ورحمة الله.

الأخذ بأسباب النجاح

[وحدهم المشرفون لديهم صلاحيات معاينة هذا الرابط]

أحبتي الكرام لا زلنا نسير مع قصة الرجال الثلاثة. انتهينا في الحلقة الماضية من الوقفة مع الرجل الأول. اليوم نحن مع الرجل الثاني.
دعوني أذكركم بالذي فعله الثاني عندما رأى بيته يحترق:
قلنا أنه انشغل بإطفاء النار المتوجهة إلى خزانة ماله وترك زوجته المختنقة وأولاده المحاصرين، ثم صلى ركعتي نافلة وأطال السجود ودعا الله أن يطفئ النار بخارقة من عنده!
ما المقصود بالرجل الثاني في واقعنا؟ المقصود ببساطة أنه لا يكفي إعلان تطبيق الشريعة. نحن نطالب أصحاب المشروع الإسلامي بإعلان سيادة الشريعة من اللحظة الأولى، لكن مما لا شك فيه أن هذا الإعلان وحده لا يكفي.
تحت هذه الصورة الرمزية تندرج عدة أمثلة:
المثال الأول: إعلان تطبيق الشريعة مع إهمال الأخذ بالأسباب الدنيوية لرعاية مصالح الناس. لا ينبغي للدولة الإسلامية أن تظن أنها بالتزام الشريعة ستنجح وسيكون الله تعالى معها وهي مهملة للأخذ بأسباب النجاح الدنيوية من حسن سياسة لأمور الناس وهمة ونشاط وسعي دؤوب في بناء الدولة اقتصاديا وعسكريا وتبني أصحاب التخصصات في المجالات المختلفة ومن يقيمون الفروض الكفائية، والتخطيط الدقيق وتوظيف علوم الإدارة والاتصال والإعلام والعمل المضني لتوفير احتياجات الناس الأساسية من مسكن ومأكل ورعاية صحية وتوفير فرص عمل. هذا كله من تطبيق الشريعة. وإن قصرت الدولة في استكماله حسب وسعها وطاقتها فليس لها أن تتوقع نصر الله لها.
أرأيت كيف أن الرجل الثاني ترك بيته يحترق وصلى ركعتي نافلة وأطال فيهما السجود وسأل الله أن ينقذ زوجته وأولاده بخارقة من عنده؟! أليس بذلك آثما مسيئا؟ فأصحاب المشروع الإسلامي عليهم أن يستنفدوا الوسع والطاقة ويُعدوا ما استطاعوا ثم الله بعد ذلك يبارك في جهودهم بركة عظيمة.
لذا فهذه تذكرة لمن يطالب بتحكيم الشريعة بينما تراه في كثير من أوقاته سبهللا لا في أمر دنيا ولا في أمر آخرة، ولا يحسن صنعة ولا حرفة. فشلُك في حياتك العلمية أو العملية يخذل الناس عن دعوتك إلى الشريعة مهما جملت لهم المقال وحشدت لهم الأدلة. فالناس لن يتصوروا أن رجلا عالة على مجتمعه سيقيم دولة قوية ترعى أبناءها. ولن يستطيع نؤوم الضحى أن يخرج الأمة من ليلها إلى فجر جديد.
فمن يدعون إلى الشريعة لا بد أن يكونوا أصحاب همة تحيي الأمة، جادين مخلصين في مجالهم أيا كان مجالهم، الدعوة أو العلوم أو الحرف أو غيرها.
المثال الثاني: من يعلن تطبيق الشريعة ويكون صادقا في تطبيقها آخذا بالأسباب المادية لكنه يسيء التعامل مع الناس ويستثير حفيظتهم أو يسيء ترتيبَ الأولويات ويتوقع لصدقه في تطبيق الشريعة أن يرقع كل خرق، وهذا يخالف أمر النبي صلى الله عليه وسلم إذ قال لمعاذ وأبي موسى رضي الله عنهما: ((يسرا ولا تعسرا وبشرا ولا تنفرا))، وإذ قال لمعاذ: ((وإياك وكرائم أموالهم)). فنحن وإن كنا نطالب أصحاب المشروع الإسلامي أن يقيموا دين الله ولا تأخذهم في الله لومة لائم ولا يتعذروا بردة فعل الشعب، إلا ان هذا لا يعني العنف في سياسة الناس. بل هم أولى الناس بالرفق والتلطف بالرعية. والقوةُ في إقامة الدين لا تعارض حسن سياسة الناس وتألُّفَ قلوبهم ومداراة سفيههم ضمن حدود الشريعة. بل انظر كيف جعل الله المؤلفة قلوبهم ممن تصرف إليهم الزكاة على الرغم من قيام الحجة وقوة الدين في ذاته...((إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف، وما لا يعطي على ما سواه)) (مسلم).
وبما أننا ذكرنا أن إعلان سيادة الشريعة وحده لا يكفي فقد بقي مثال ثالث أقل تعلقا بقصة الرجال الثلاثة لكن يحسن ذكره هنا تأكيدا على أنه ليس الإعلان وحده هو المطلوب.
هذا المثال الثالث: من يعلن تطبيق الشريعة لكنه في الواقع غير صادق في تطبيقها أبداً. وهذا من نواحٍ عدة لا يقل سوءا عن الاستعلان بعدم تطبيق الشريعة...فهذا طريق الهلاك...(( إنما أهلك الذين قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه ، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد)).
لا يكفي إعلان تطبيق الشريعة. فما الفائدة من هذا الإعلان إن كانت ثروات الأمة تُعطى لأعدائها تحت غطاء عقود استثمار أجنبية جائرة وصفقات أسلحة لا تجرب إلا على أبناء المسلمين؟! ما فائدة إعلان تطبيق الشريعة في بلد إن كان يزود طائرات أعداء الشريعة بالوقود ويفتح لهم الأراضي ليقيموا فيها معسكراتهم ويعربدوا فيها وينطلقوا منها لقتل المسلمين وانتهاك أعراضهم والدوس على كرامتهم؟! ما الفائدة من هذا الإعلان إن كان الدعاة الغيورون على دين الله وعلى رسول الله الآمرون بالمعروف الناهون عن المنكر يُسجنون وينكل بهم، بينما يفتح المجال لكل أفاك ليتطاول على الشريعة ويبث سمومه؟! ما الفائدة منه إن كانت مساجد الله تُسلب دورها ويمنع حتى من الدعاء للمسلمين المستضعفين على منابرها إلا من سمح أعداء الأمة بالدعاء له؟! ما الفائدة منه إن كان معلنها يتخوض في مال الأمة بغير حق والملايين من المسلمين يموتون جوعا وعطشا ومرضا؟!
أليس هذا كله تعطيلا للشريعة بل حربا على الشريعة؟!
لا يرضى الله تعالى لإعلان تطبيق الشريعة أن يكون عباءة تمارس تحتها المعاصي. إنما يرضى عن هذا الشكل الممسوخ أعداء الله الصرحاء من الصليبيين وغيرِهم. فما دامت مصالحهم محفوظة وثروات المسلمين نهبا لهم وشباب الإسلام مكبلين في السجون فلا يضيرهم أبدا أن تطبق الدولة حد السرقة على الضعفاء باسم الشريعة!
بل إن هذه النماذج الممسوخة تُتخذ فزاعة للتنفير من تطبيق الشريعة، بحيث عندما ندعو إلى تطبيقها يُعيرنا البعض بهذه النماذج وكأننا نعترف بها!
ومن "يطبق الشريعة" بهذا الشكل يبرر القعود عن نصرة المسلمين، بل والمساهمة في البطش بهم، بعبارات شرعية متعلقة بحفظ الثروات والمصالح، كما التهى الثاني بإنقاذ خزانة المال عن إنقاذ زوجته وأولاده حتى احترقوا.

كانت هذه الوقفة مع الرجل الثاني في قصة الرجال الثلاثة. وقفتنا الأهم بإذن الله ستكون مع الرجل الثالث، وهي مليئة بالدروس والعبر، بغض النظر عما آلت وستؤول إليه الأحداث في البلاد التي أعطي فيها أصحاب المشاريع الإسلامية الفرصة ولكن عددا منهم فعل ما فعله الرجل الثالث، والله المستعان. فتابعوا معنا ففيها فوائد بإذن الله.
خلاصة الحلقة: لا يكفي إعلان تطبيق الشريعة، بل لا بد من الصدق في تطبيقها، وحسن سياسة الناس، والأخذ بالأسباب المادية للنجاح
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
المثنى 2007
عضو فعال
عضو فعال
المثنى 2007

شكرا لتفاعلك ومشاركتك
اللهم اغفر له وارحمه وتجاوز عنه


تفريغ سلسلة نصرة للشريعة للدكتور إياد القينبي  Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفريغ سلسلة نصرة للشريعة للدكتور إياد القينبي    تفريغ سلسلة نصرة للشريعة للدكتور إياد القينبي  I_icon_minitime26/1/2013, 12:50 pm


لماذا تضررت الأحزاب الإسلامية؟


الحلقة الثالثة عشر


[وحدهم المشرفون لديهم صلاحيات معاينة هذا الرابط]

السلام عليكم ورحمة الله.


أحبتي الكرام لا زلنا مستمرين مع قصة الرجال الثلاثة. في الواقع أعلم أن كثيرين قد يقولون: ما الفائدة من الاستمرار في القصة بل وفي السلسلة كلها وقد تحول الربيع العربي إلى خريف ومات الأمل في تطبيق الشريعة؟




أقول إخواني وبالله التوفيق: بل نحن الآن أحوج ما نكون إلى الحديث عن هذا الموضوع. قال الله تعالى: ((وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا)). وها نحن نرى كيد المتآمرين على الإسلام يضر الحركات الإسلامية في دينها ودنياها. إذن، فبنص الآية، هناك مشكلة لدينا نحن العاملين للإسلام في الصبر وفي التقوى. لم يصبر الكثيرون على سلوك طريق النبي وتحمل عواقبها، ولم يحصلوا التقوى المطلوبة في التعامل مع الواقع وامتثال أمر الله في منهج النهوض بالأمة. ولهذا ضرنا كيد الكائدين جدا.




يا إخواني تعلمنا من كتاب ربنا ومن الأمثلة المتكررة في التاريخ الماضي والواقع المعاصر أن كيد الكفار والمنافقين لا يخيف ((إن كيد الشيطان كان ضعيفا))...أنا لست خائفا من مكر أمريكا والصهاينة وعملائهما في بلاد المسلمين ولا من الجيوش العميلة والمجالس العسكرية وغيرها...فالله قد حقر أمر هؤلاء في القرآن كثيرا...((ومكر أولئك هو يبور))، ((فانظر كيف كان عاقبة مكرهم أنا دمرناهم))، ((ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله))، ((وما يمكرون إلا بأنفسهم وما يشعرون))، ((إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون))...هذا مع أن لديهم مئات مراكز التخطيط الاستراتيجي، وآلاف العلماء في علوم النفس والاجتماع والسياسة والإعلام والحرب لا هم لهم إلا المكر بنا، وآلاف المحطات والإذاعات والمجلات والبرامج التي تهدف إلى هدم إسلامنا...ومع ذلك كله فلا والله لا يهمني كيدهم...لأن الله تعالى وهن من شأنهم وحقر من جهودهم وأمرنا بألا نخاف منها: ((فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين))، ((فلا تخشوا الناس واخشون))




إذن من ماذا الخوف؟ من أننا فقدنا معية الله! نعم، عموم الحركات الإسلامية فقدت معية الله. فأقل مكر حينئذ يؤذيها...قال تعالى ((ولا تك في ضيق مما يمكرون إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون))...ولا والله ما اتقى كثير منا الله في هذه الفترة الحرجة من حياة الأمة ولا أحسن اتباع منهج النبي صلى الله عليه وسلم...فخسر معية الله.




قال تعالى: ((ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا))...وقد رأينا للكافرين علينا ألف سبيل، ولا يخلف الله وعده، فأين الخلل إذن؟ في إيماننا! إنما الوعد للمؤمنين...وكثير منا ضعف إيمانه بوعد الله وتعلق بالأسباب الأرضية وقدم التنازلات الذريعة واستطال طريق النبي وحرق المراحل واستعجل قطف الثمار وركن إلى الذين ظلموا...فكان ما كان من تردٍّ وفشل... ((وعد الله لا يخلف الله وعده ولكن أكثر الناس لا يعلمون () يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا))...تعلقنا بالأسباب الأرضية الدنيوية الظاهرة وتركنا ما نضمن أن ينجز الله به وعده لنا.




وكَلَنا الله إلى أعدائنا فلم يقف مكرنا أمام مكرهم، فنحن دون معية الله أضعف منهم بكثير. ليس لدينا مركز تخطيط استراتيجي واحد وهم عندهم مئات! وليست هناك ولا دولة واحدة إسلامية الحكم وهم عندهم دول، وليس لدينا جيش إسلامي واحد وهم عندهم جيوش. ولو أننا ضمنا معية الله لكاد لنا ومكر لنا وكفانا شرهم. قال تعالى: ((إنهم يكيدون كيدا وأكيد كيدا))...ولم يقل (إنهم يكيدون وتكيدون)...وقال تعالى: ((ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين))...ولم يقل: (ويمكرون وتمكرون)...يعلم تعالى أنا أضعف من أن نقف أمام كيدهم ومكرهم.. ((إن الله يدافع عن الذين آمنوا))، ((أليس الله بكاف عباده))...فليس لنا إلا أن نكون من الذين آمنوا ومن عباد الله بحق حتى يكيد لنا ويمكر لنا ويدافع عنا...
الخلل فينا ومنا نحن العاملين للإسلام...فالله لا يخلف الوعد، وكيد الكفار لا يضر المؤمنين، فليس لنا إلا أن نراجع أنفسنا. كثيرون الآن يمضون أوقاتهم في لطميات وتحسرات ويتفننون في لعن وشتم العساكر والمتآمرين ويجعل المشكلة في تآمرهم وكيدهم...لا يا أخي...((يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم))...لو كنا على هدىً فإن هؤلاء الضلال لن يضرونا. فلا تشغل نفسك بضلالهم بل اشغل نفسك باتباع الهدى لئلا يضرك ضلالهم.




كثيرون ينتقصون الشعب وتخاذله عن نصرة الإسلاميين وانخداعه بالإعلام الموتور...لا يا أخي...الخلل فينا. لو أننا انتهجنا منهج النبي في التغيير لأحبنا الله ولو أحبنا الله لوضع لنا القبول في الأرض كما في حديث مسلم...قال تعالى: ((إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا)). وقد رأينا هذا القبول للدعاة والعاملين للإسلام إلى أن تعلقوا بالأسباب الدنيوية وقدموا التنازلات فخسر كثير منهم معية الله ومحبة الشعب له.


أيها العامل للإسلام لا تضيع وقتك ولا تبحث عن شماعة تعلق عليها أخطاءك ودعك من عبارات اليأس والقنوط والإحباط...واجه نفسك، الخلل منك وفيك...((قل هو من عند أنفسكم))...فقدنا معية الله ولهذا ضرنا كيد أعدائنا في الدين والدنيا...

ولهذا كله أقول: نحن الآن أحوج ما نكون إلى الاستمرار في السلسلة، وإلى فهم الشريعة فهما صحيحا، وإلى معرفة منهجية التغيير التي يرتضيها الله تعالى، وإلى معرفة الأسباب التي نحصل بها معية الله لنا في معركتنا مع أعدائنا...فإنَّ قيام الشريعة في قلوب العاملين للإسلام ضروري ليقيمها الله تعالى في واقعهم...كيف؟ بالطريقة التي يدبرها الله لنا...رأينا في الربيع العربي كيف أن الله يقلب الموازين ويعطينا فرصة من حيث لا نحتسب.




أما عندما يكون فهمنا للشريعة مشوها، ونتصور أن لإنسان أن يتحكم فيما يطبقه أو لا يطبقه منها، عندما نتصور أنه يمكن الوصول إلى تطبيقها بوسائل غير شرعية، عندما ينفر من يرى نفسه عاملا للإسلام من بعض أحكامها...عندما نتنازل عن ثوابتها مجانا ومقدما قبل الوصول إلى الحكم...فحينئذ لن يمنحنا الله شرف أن تقام الشريعة على أيدينا..فالدعاة للشريعة ينبغي أن يكونوا ورثة الرسل...((الله أعلم حيث يجعل رسالته))...لا يختار لرسالته إلا كفئا، وكذلك لا يختار لتطبيق شريعته إلا الأكفاء.




إخواني، تعظيم الشريعة في نفوسنا هو أهم أهداف هذه السلسلة...بغض النظر قامت دولة الإسلام في زماننا أو لم تقم. أهم أهداف السلسلة أن نلقى الله بقلب سليم ليس فيه شائبة تجاه شريعته تعالى الذي تعبدنا بالإيمان بها وحبها وفهمها والقناعة بكل تفاصيلها.
كان هذا استطرادا لا بد منه قبل تفكيك رمزية الرجل الثالث.




خلاصة الحلقة: نحتاج فهم الشريعة عبادةً لله تعالى ولنحصل معيته وتقوم دولة الإسلام على أرضنا.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
المثنى 2007
عضو فعال
عضو فعال
المثنى 2007

شكرا لتفاعلك ومشاركتك
اللهم اغفر له وارحمه وتجاوز عنه


تفريغ سلسلة نصرة للشريعة للدكتور إياد القينبي  Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفريغ سلسلة نصرة للشريعة للدكتور إياد القينبي    تفريغ سلسلة نصرة للشريعة للدكتور إياد القينبي  I_icon_minitime28/1/2013, 2:08 pm

الحلقة الرابعة عشر

نجحت العملية ومات المريض!

[وحدهم المشرفون لديهم صلاحيات معاينة هذا الرابط]


السلام عليكم ورحمة الله
إخوتي الكرام ذكرنا في الحلقة الثامنة قصة الرجال الثلاثة الذين عادوا إلى بيوتهم فرأوها تحترق، وقلنا أن كثيرا من العاملين للإسلام فعلوا كما فعل الرجل الثالث. ما الذي فعله الثالث؟
الثالث كان أولاده في الأيام الماضية يضيعون أوقاتهم في اللعب، وجيرانه يكرهونه لأنه لم يكن يسمح لهم بإقامة حفلات رقص وغناء وشرب في بيته. والآن، العصابة التي تصب الوقود على النار تطالبه بأن يعيرهم زوجته ليلة واحدة مقابل الكف عن صب الوقود على النار. فصاحبنا هذا قبل أن يدخل البيت نادى أولاده وقال: يا أولادي اسمحوا لي أن أساعدكم وأعدكم بالسماح لكم باللهو واللعب كما تشتهون. يا جيراني، تعالوا ساعدوني في إطفاء الحريق وسأعطيكم نسخة من مفتاح البيت تفعلون فيه ما تشاؤون. أيتها العصابة الموقِدة للنار توقفي وسأدرس موضوع إعارة زوجتي لكم ليلة واحدة!


ما الذي يفعله هذا الثالث؟ يقدم تنازلات ذريعة مقابل مكتسبات موهومة...يبيع عائلته نسيئة، فيسلم البضاعة إلى مشترٍ كذاب دون أن يقبض الثمن...يقبل المساومة فيما لا يساوَم عليه، ويبيع الهدف سلفا من أجل الوصول إليه!




فالعصابة لن تكف عن إضرام النار...((ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا))، والجيران لن يصالحوه ولا يساعدوه حتى يرتع في حمأتهم وإلا فقولهم: ((أخرجوهم من قريتكم إنهم أناس يتطهرون))، وأولاده لن يروه مخلِّصا إن أرضاهم بسخط الله...فمن التمس رضى الناس بسخط الله سخط الله عليه وأسخط عليه الناس. فمكتسباته كلها موهومة، لكنه قدم ثمنا باهظا مقابل هذا اللاشيء حين قبل المساومة على زوجته وحرمة بيته وأخلاق أولاده.


هل لا زال هناك داعٍ لتفكيك رمزية القصة؟ الزوجة ترمز للشريعة، والأولاد للشعب، والعصابة للدول الغربية، وجيران السوء هم العلمانيون والمنافقون وأعداء الشريعة من بني جلدتنا الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا.

صاحبنا زعم في البداية أنه يريد إنقاذ زوجته وبيته وأولاده. رأى الهدف مستحيلا بالمقاييس المادية، فتنازل عن الهدف في سبيل الهدف! باع زوجته وأولاده ليحصل -بزعمه- ما ينقذ به زوجته وأولاده. وليحصل السلم دفع الهدف ثمنا للسلم! حتى إذا ما صعد السلم لم يجد إلا فراغا لأنه باع ما صعد من أجله. ماذا استفاد صاحبنا إن سُمح له بالفعل بدخول البيت وتهدئة الحريق إذا كان المقابل أن يسلم الزوجة للأعداء والأبناء للأهواء وحرمة البيت لمن ينتهكها؟!


وكذلك ماذا يستفيد الإسلاميون إن وصلوا إلى الحكم بعد أن كان الثمن التخلي عن الشريعة، وإشراك العلمانيين في الحكم والنزول عند الرغبات الفاسدة لطبقة من الشعب؟!

ماذا يستفيدون من الوصول حينئذ إلا كما قيل: نجحت العملية ومات المريض؟!




عندما نقول: "إسلاميون" أو "أصحاب المشروع الإسلامي" فما الذي يميزهم؟ ما بضاعتهم، ما هدفهم؟ قال الله تعالى: ((الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر)) كل معروف وكل منكر...وما هذا إلا إقامة الدين...إقامة الشريعة.
((وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم))...هذا المطلوب: الاستخلاف وتمكين الدين.



فما الفائدة إن سوومنا على هذا الهدف الذي من أجله نريد الحكم وبعناه من أجل الوصول إلى الحكم؟ هل يُقبل أن نبيع الهدف من أجل الوسيلة؟
تريد مثالا آخر؟ تصور أنك علمت بدار أيتام مدراؤها لئام، لا يكسون هؤلاء الأيتام بل يتركونهم عراة. أشفقت عليهم فذهبت ومعك كيس من الملابس لتكسوهم وأنت تنشد أناشيد المجد في نصرة المظلوم ونجدة الأيتام. على باب دار الأيتام قيل لك ممنوع إدخال الأكياس. ساومت وحاورت فأصر المدراء اللئام. قلت: لا بأس، أدخل وأكسوهم من ملابسي. فرضيت وتركت الكيس على الباب. دخلت وظننت أن الأيتام بالانتظار فإذا بباب آخر يقول لك حارسه: ممنوع الدخول لمن يرتدي معطفا. فخلعت المعطف وتنازلت عنه، فسمح لك بدخول الباب، فإذا بباب آخر وآخر وآخر. ووصل بك الأمر أن ليس هناك إلا ما تستر به عورتك المغلظة فقلت في نفسك: لا زال هناك ما يمكن أن أقدمه للأيتام، فلعلهم يرونني أستر عورتي فتتوق أنفسهم إلى الستر فيسعون معي إلى الثورة على هذه الإدارة الجائرة اللئيمة. أصبح هذا هو سقف الطموحات للذي كان ينشد على باب الدار أناشيد المجد. فهل يا ترى لو علم من أول باب حجم ما سيتنازل عنه وحجم ما سيكسبه لقبل الصفقة؟ أم أنه خالف قول الله إذ قال: ((ولا تتبعوا خطوات الشيطان))، الشيطان الذي ((يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا)).




إخواني، المكتوب مقروء من عنوانه. أعداء الشريعة عراة عن طاعة الله والعبودية له، فيغيظهم أن يروا مستورا، ولن يدخل في سدة حكمهم من خلالهم إلا من اتبع ملتهم وأصبح عاريا مثلهم يقف حارسا على الباب معهم ليمنع دخول المستورين. فما الفائدة إن وصل الإسلاميون إلى الحكم وتركوا على الباب الشريعة التي من أجلها أرادوا الحكم؟
فأيها العاملون للإسلام: حددوا هدفكم: أتريدون الدولة لأجل الدولة أم تريدونها لإقامة الشريعة وتحقيق العبودية لله؟ إن كنتم تريدونها لإقامة الشريعة فإياكم أن تتنازلوا عن الهدف من أجل الوسيلة.

أعلم أن كلامي هذا سيثير كثيرا من الاعتراضات. فهناك من سيقول: نحن بدخولنا في العملية السياسية لم ندَّع أننا نريد إقامة الشريعة بل نريد تحسين الوضع ما استطعنا، وقائل سيقول: لماذا اعتبرت المكتسبات موهومة، وليست حقيقية؟ وقائل سيقول: لماذا تقول أننا تنازلنا عن الشريعة؟ نحن لم نتنازل عنها.
الإجابة عن هذا كله ستأتي بالتفصيل في الحلقات القادمة بإذن الله. لكن حتى ذلك الحين أتمنى من العاملين للإسلام الذين دخلوا العمل السياسي البرلماني وممن يؤيدون مسلكهم هذا أن يجيبوا في أنفسهم عن الأسئلة التالية:
1) ما هو هدفكم تحديدا من الدخول في هذه العملية؟
2) ما هي التنازلات التي قدمتموها في البداية، أو بلغة البعض المفاسد التي قبلتم بها؟
3) ما هي المكتسبات أو المصالح التي من أجلها رضيتم بهذه المفاسد؟
4) هل لا زالت المكتسبات التي رجوتموها في البداية قائمة أم أنها بدأت تتساقط والطموحات تضيق؟
5) إن كان الجواب عن السؤال السابق أن المكتسبات المرجوة تدنت، فهل عدلتم في التنازلات بما يتناسب مع حجم المكتسبات؟
6) هل تعتبرون أنفسكم كإسلاميين في العمل السياسي حاليا ممكنين أم مستضعفين؟




هذه أسئلة أتمنى من كل عامل للإسلام انخرط في العمل البرلماني والانتخابي وممن يؤيد دخوله فيها أن يجيب عنها لنتعاون معا في الحلقات القادمة على معرفة إلى أين يسير العمل الإسلامي الحالي وهل لا زال محافظا على البوصلة أم لا؟


خلاصة الحلقة: الوصول إلى الحكم ينبغي أن يكون وسيلة ،تُتخذ بطريقة شرعية، الهدف منها تطبيق الشريعة وإقامة الدين. فمن الخطورة أن نتنازل عن الهدف من أجل الوسيلة.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالرحمن العتيبي
عضو فعال
عضو فعال
عبدالرحمن العتيبي

شكرا لتفاعلك ومشاركتك
اللهم اغفر له وارحمه وتجاوز عنه


تفريغ سلسلة نصرة للشريعة للدكتور إياد القينبي  Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفريغ سلسلة نصرة للشريعة للدكتور إياد القينبي    تفريغ سلسلة نصرة للشريعة للدكتور إياد القينبي  I_icon_minitime28/1/2013, 4:32 pm

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

اخي المثني بارك الله فيك

ماهي الشريعة الاسلاميه التي يدعي البعض تطبيقها والبعض يقول بالتدرج
الشريعه هي حكم الله جل وعلا ورسوله وللأسف لا يوجد دولة في العالم كله تطبق الشريعه الا حركة طالبان
وجن جنون امريكا الملحده ولم تهداء هي وعملائها العرب الا بعدالقضاء عليها وحسبنا الله ونعم الوكيل
ولا يوجد تدرج في حكم الله ورسوله وخصوصا اذا كان الشعب في الاصل مسلم
وقد كفر الله من لم يحكم بحكمه فماذا نقول بعد ذلك
هذا والله اعلم
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
المثنى 2007
عضو فعال
عضو فعال
المثنى 2007

شكرا لتفاعلك ومشاركتك
اللهم اغفر له وارحمه وتجاوز عنه


تفريغ سلسلة نصرة للشريعة للدكتور إياد القينبي  Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفريغ سلسلة نصرة للشريعة للدكتور إياد القينبي    تفريغ سلسلة نصرة للشريعة للدكتور إياد القينبي  I_icon_minitime30/1/2013, 10:43 am

عبدالرحمن العتيبي كتب:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

اخي المثني بارك الله فيك

ماهي الشريعة الاسلاميه التي يدعي البعض تطبيقها والبعض يقول بالتدرج
الشريعه هي حكم الله جل وعلا ورسوله وللأسف لا يوجد دولة في العالم كله تطبق الشريعه الا حركة طالبان
وجن جنون امريكا الملحده ولم تهداء هي وعملائها العرب الا بعدالقضاء عليها وحسبنا الله ونعم الوكيل
ولا يوجد تدرج في حكم الله ورسوله وخصوصا اذا كان الشعب في الاصل مسلم
وقد كفر الله من لم يحكم بحكمه فماذا نقول بعد ذلك
هذا والله اعلم



السلام عليكم

صدقة أخي عبدالرحمن

لا يوجد في الشريعة تدرج في تطبيقها بعد أم بينها روسلنا محمد صلى الله عليه وسلم



الحلقة الخامسة عشر

العمل الإسلامي وفقدان البوصلة!


السلام عليكم

[وحدهم المشرفون لديهم صلاحيات معاينة هذا الرابط]

إخوتي الكرام من المعلوم أن من أهم أسباب النجاح لأي مشروع وضوحَ هدفك ومعرفةَ حجم قدراتك ومتابعة الإنجاز ثم التعديل في وسائلك وتخطيطك بحسب هذا الإنجاز.


ولذا فقد ختمت الحلقة الماضية بأسئلة ستة موجهة للإسلاميين المنخرطين في العمل البرلماني الانتخابي الدستوري ولمن يؤيد مسلكهم لنعرف إلى أين يسير هذا العمل.
دعونا الآن نتعاون معا في مناقشة الأسئلة الستة:
السؤال الأول: ما هو هدفكم تحديدا من الدخول في العملية الديمقراطية؟

المتتبع لتصريحات الإسلاميين البرلمانيين يلاحظ ارتباكا في تحديد الهدف. فمرة يكون الهدف المعلن "إعادة الخلافة الإسلامية التي ستكون عاصمتها القدس الشريف، وأن نعيد للأمة هيبتها". ومرة يكون الهدف "تقليلَ الشر والمحافظة على بقايا الهوية الإسلامية ومنع فلول الأنظمة الفاسدة من استلام الحكم مجددا لأنها إن استلمت فلن يعبد الله في الأرض".

مرة يكون الهدف "إقامة الشريعة وأسلمة مؤسسات الحكم ومؤسسة الجيش" ومرة يكون مجرد "الصدعِ بالحق في البرلمان وتدريب الكوادر الإسلامية على العمل السياسي وتخفيف الضغط على الدعوة وأخذ حصتنا من الكعكة مع إقرارنا بأن البرلمان ليس هو الطريق إلى إقامة الشريعة".
فهل الهدف فعليا هو إقامة الشريعة والخلافة أم مجرد إصلاحات جزئية؟

الحاصل أن كثيرا من الإسلاميين البرلمانيين إذا ما أرادوا حشد التأييد الشعبي لهم فإنهم يبرزون ويرفعون الشعارات الرنانة والأهداف العظيمة (كالخلافة وتحكيم الشريعة).


ثم عندما يواجَهون بالحقيقة المرة أنكم قد أضعتم أوقاتكم وشتتم جهودكم وميعتم قضيتكم بسلوككم طريق البرلمانات والانتخابات يكون ردهم: نحن لم ندَّع أصلا أننا نريد تحكيم الشريعة من خلال هذا الطريق، إنما نريد تقليل المفاسد وإتاحة مساحة من الحريات لدعوتنا.

هذه الازدواجية غير مقبولة. عليهم أن يحددوا الهدف من البداية بدلا من دغدغة مشاعر الناس بشعارات وطموحات يقرون هم أنفسهم أحيانا أنها لا تنال من خلال الديمقراطية.



ثم لا يُقبل من صاحب المشروع الإسلامي أن يكون كمن يخرج من بيته ويسير هائما على وجهه لا يدري إلى أين يتجه...((أفمن يمشي مكبا على وجهه أهدى أمن يمشي سويا على صراط مستقيم)). فلا بد ابتداء من تحديد الهدف، لأسباب، منها:

أولا: أن الارتباك في تحديده يمنع الإسلاميين من مراجعة حساباتهم ومعرفة مدى نجاحهم المرحلي في تحقيق هدفهم، إذ أن هذا الهدف الذي يريدون تحقيقه غير محدد.
ثانيا: أن كثيرا من الذين قعدوا وأصلوا للمشاركة البرلمانية اشترطوا لجوازها أن يكون الهدف منها تحقيق مصلحة عامة كبرى شمولية ووضعوا ضوابط للتنازلات التي يمكن أن تقدم في المقابل. وإذا بنا نرى الإسلاميين الذين يحتجون بفتاوى هؤلاء العلماء يتحللون من الضوابط ويقدمون التنازلات دون حد ولا قيد، وفي مقابل ماذا؟ في مقابل مصالح –أي أهدافٍ- جزئية ثانوية مظنونة، لا عامة ولا كبرى ولا شمولية.

إذن مطلوب من الإسلاميين البرلمانيين الإجابة بوضوح عن هذا السؤال: ما هو هدفكم تحديدا من الدخول في العمل البرلماني الرئاسي الدستوري؟
وهذا السؤال ينبني عليه ما بعده.

السؤال الثاني: ما هي التنازلات التي قدمتموها في البداية، أو بلغة البعض المفاسد التي قبلتم بها؟
لا يخفى أن العمل الإسلامي البرلماني قدم تنازلات ذريعة كالاعتراف بقواعد اللعبة الديمقراطية واحترام دساتير تجعل حق التشريع لغير الله تعالى وإشراك العلمانيين ورهن تطبيق الشريعة بموافقة البرلمان والتأكيد على أنها لن تطبق دفعة واحدة، إلى غير ذلك مما سيأتي بيان عدم مشروعيته بالتفصيل إن شاء الله.

يأتي السؤال الثالث: ما هي المكتسبات أو المصالح التي من أجلها رضيتم بهذه المفاسد؟
في الواقع، حتى يبرر الإسلاميون البرلمانيون لأنفسهم ولمؤيديهم ولخصومهم التنازلات المذكورة فإنهم كثيرا ما أعلنوا أهدافا أو مكتسبات ومصالح عامة شمولية كبرى كتطبيق الشريعة وأسلمة نظام الحكم وإعادة عزة الأمة، إلى غير ذلك.

ومع قناعتنا بأن الأهداف العظيمة لا تنال بالتنازلات إلا أن عظم الهدف برر في أنظار الإسلاميين البرلمانيين عظم التنازلات، فأصبحت التنازلات صغيرة نسبيا ومسوغة في أنظارهم. واجتهدوا في التقليل من شأن هذه التنازلات والاستهانة بخطورتها وحاديهم في ذلك: عظم الهدف. كالاستهانة بالقسم على المحافظة على دستور يجعل التشريع لغير الله ما دام الهدف إقامة الشريعة؟!

مرت الأيام ولم تبدُ أية بادرة لتحقق الأهداف، لكن بقي الأثر المشؤوم وهو الاستهانة بالتنازلات...فتكرس هذا الاستخفاف في نفوس الإسلاميين البرلمانيين ومن يؤيدهم في مسلكهم. وهذا ينقلنا إلى:

الرابع: هل لا زالت المكتسبات التي رجوتموها في البداية قائمة أم أنها بدأت تتساقط والطموحات تضيق؟
طبعا عندما نرى أن العمل البرلماني فشل في فرض أية إرادة على مؤسسة الجيش، وأن البرلمانيين لم يستطيعوا بالطرق الرسمية ولا حتى إخراج أخواتنا النصرانيات الواتي أسلمن من جدران الحبس الكنسي في بلادهم فإنه يصبح من الهراء والهزل والضحك على النفس أولا ثم على الناس أن يُتكلم عن إقامة الخلافة الإسلامية وإعادة الهيبة إلى الأمة وإخراج الأمة باكملها من سجن التبعية للغرب بالطرق الرسمية ذاتها! إذن فالواقعية تقتضي منهم أن يعترفوا بأن المكتسبات تتساقط والطموحات تضيق.

فنتوقع من الإسلاميين البرلمانيين أن يقولوا الآن هدفنا هو إتاحة بعض الحريات للدعوة، وعدم ترك مؤسسة الحكم للعلمانيين والفلول، ومنع الفساد الإداري والمالي وإجراء بعض الإصلاحات الاجتماعية. وهذه مكتسبات جزئية ثانوية مظنونة غير قطعية، تنقلنا إلى:

السؤال الخامس: هل عدلتم في التنازلات بما يتناسب مع حجم المكتسبات الجديدة الثانوية نسبيا؟
نذكر الإسلاميين البرلمانيين: أنتم عندما قدمتم التنازلات الكبرى بداية، قدمتموها من أجل أهداف كبرى. بعبارة أخرى: رضيتم بمفاسد كبرى من أجل مصالح كبرى.

تدنت المصالح جدا، فهل قللتم التنازلات جدا في المقابل؟
للأسف، ما نراه هو العكس: زيادة التنازلات جريا وراء هذا السراب المسمى بالمكتسبات والمصالح. وكلما انتبه الإسلاميون إلى اختلال التوازن الذي افترضوه بين المكتسبات والتنازلات خدر شعورهم أمران:
الأول هو الاستهانة التي تكرست في نفوسهم بالتنازلات التي قدموها، فبعد أن كانت تنازلات صغيرة نسبيا أصبحت صغيرة بشكل مطلق.

والثاني: هبَّات الادعاءات غير الواقعية بأنه لا زال من الممكن تحقيق الهدف العظيم (إقامة الشريعة) بهذا الطريق الذي سلكوه. وهذه الهبات ناتجة عن التخبط والارتباك المذكور آنفا في تحديد الهدف.

بل العجيب أنه بعد ظهور فشل التنازلات في تحقيق حتى هذه الأهداف الجزئية الثانوية استننتج كثير من الإسلاميين البرلمانيين أن ما عليهم فعله هو زيادة التنازلات!! كمن يشرب من ماء البحر ولا يرتوي. بانَ لهم أن عدوهم لن يسمح لهم بالتغلغل في أجهزة الحكم وهم يحملون أية صبغة إسلامية فكان الاستنتاج: إذن فلنتخفف من حِمل الهوية الإسلامية حتى نشارك في الحكم، فباعوا الهدف من أجل الوسيلة وفعلوا كما فعل صاحبنا الذي أراد أن يكسو الأيتام كما ذكرنا في الحلقة الماضية.

وصدق الله تعالى إذ قال: ((ولا تتبعوا خطوات الشيطان)).
إذن كما رأينا ازدواجية وارتباكا في تحديد الهدف، فهنا أيضا ازدواجية وارتباك في الموازنة بين التنازلات والمكتسبات:

عندما يُعترض على التنازلات الخطيرة التي يقدمها الإسلاميون البرلمانيون يبررونها بأنها تُبذل من أجل أهداف عظيمة، ثم عند مواجهتهم بعدم جدوى المسلك البرلماني يتمسكون باحتمالية تحقق الأهداف الجزئية الثانوية!

أخيرا: السؤال السادس: هل تعتبرون أنفسكم كإسلاميين في العمل السياسي حاليا ممكنين أم مستضعفين؟

وهنا نرى ازدواجية أيضا! فعند الحديث عن المكتسبات المرجوة من الخوض في العمل البرلماني, يتكلم الإسلاميون البرلمانيون بنبرة الممكَّن...فهم يتكلمون عن انقلابة في الدستور وأسلمة مؤسسات الحكم وتغيير القيادات الفاسدة في الجيش...وهذه جميعا لا يقوم بها إلا ممكَّن. وعند لومهم على التنازلات وعلى تصريحاتهم بعدم نية تطبيق الشريعة من اللحظة الأولى يتعذرون بالاستضعاف. فلنحدد قدراتنا وإمكانياتنا كإسلاميين، هل نحن ممكنون أم مستضعفون؟ الممكن له دوره و واجباته ووسائله. والمستضعف له دوره و واجباته ووسائله، ولا ينبغي الخلط بين الوضعين. لا ينبغي أن تخوض هذا المخاض البرلماني زاعما أنك ستحدث انقلابا كبيرا في الأوضاع ثم إذا بك تضفي شرعية على النظام الجاهلي وتنفذ أجندته وتفقد هويتك وتميزك ثم تتعذر بالاستضعاف.

لا يخفى أن ما سبق جميعا يمثل حالة من الارتباك وفقدان البوصلة التي أصابت العمل الإسلامي كانت بدايتها القبول بتقديم تنازلات عن ثوابت منهجية باستدلالات غير منضبطة كما سيأتي بإذن الله.

كانت هذه إضاءات سريعة أتمنى من كل من يؤيد الخوض في اللعبة الديمقراطية أن يتأملها. ويستحضر أثناء ذلك قول الله تعالى: ((وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله))، وما رواه البخاري عن أبي بكر رضي الله عنه أنه قال: ((لست تاركا شيئا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعمل به إلا عملت به.
فإني أخشى إن تركت شيئا من أمره أن أزيغ)).

• وأظن أن هذه الحلقة تحتاج أن تعيد قراءتها مرة أخرى في ضوء هذه الآية وهذا الأثر.
في الحلقة القادمة سنتعاون معا بإذن الله لنحدد الهدف الذي ينبغي أن نسعى من أجله جميعا كعاملين للإسلام.

خلاصة الحلقة: القبول بالتنازل عن الثوابت جر العمل الإسلامي إلى متاهات خسائرها كثيرة مقابل مكاسب موهومة. فعلى الإسلاميين تحديد هدفهم ومعرفة أنه لا ينال بالتنازلات.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
لطفي1
ايقاف دائم
ايقاف دائم
avatar

شكرا لتفاعلك ومشاركتك
اللهم اغفر له وارحمه وتجاوز عنه


تفريغ سلسلة نصرة للشريعة للدكتور إياد القينبي  Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفريغ سلسلة نصرة للشريعة للدكتور إياد القينبي    تفريغ سلسلة نصرة للشريعة للدكتور إياد القينبي  I_icon_minitime31/1/2013, 2:28 am

بارك الله فيكم
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
المثنى 2007
عضو فعال
عضو فعال
المثنى 2007

شكرا لتفاعلك ومشاركتك
اللهم اغفر له وارحمه وتجاوز عنه


تفريغ سلسلة نصرة للشريعة للدكتور إياد القينبي  Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفريغ سلسلة نصرة للشريعة للدكتور إياد القينبي    تفريغ سلسلة نصرة للشريعة للدكتور إياد القينبي  I_icon_minitime31/1/2013, 1:55 pm

السلام عليكم

جزاك الله خيرآأخي أحمد أسماعيل




السلام عليكم
الحلقة السادسة عشر

) فستذكرون ما أقول لكم

[وحدهم المشرفون لديهم صلاحيات معاينة هذا الرابط]
السلام عليكم ورحمة الله.

إخوتي الكرام ذكرنا في الحلقة الماضية أن على الإسلاميين الذين خاضوا اللعبة الديمقراطية أن يحددوا هدفهم من مسلكهم هذا بوضوح: هل هو تطبيق الشريعة أم إصلاحات جزئية؟







أما إن كان الهدف تطبيق الشريعة وأسلمة المجتمع فإنه ليس من سنة الله تعالى أن يأذن للمؤمنين بالوصول إلى هذا الهدف العظيم من خلال التنازلات والمشاركة في لعبة تجعل التشريع لغير الله تعالى. والله تعالى هو الذي قرر أنهم ((ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا))، وهم –كأسيادهم من اليهود والنصارى- لن يرضوا عن أحد حتى يتبع ملتهم. وقد مكروا مكر الليل والنهار وحبكوا دساتيرهم وقوانينهم وسدوا منافذها أمام من يحلم بأن يطبق الشريعة من خلالها...







• وقد كان من أكبر الأخطاء التي وقع فيها بعض الإسلاميين في أيامنا هذه الغفلةُ عن هذه الحقائق وتوهم أن الجاهلية تهادنهم إذا هادنوها والاغترار بوعود أعداء الشريعة الذين أوهموا الإسلاميين بإمكان الوصول إلى تطبيق الشريعة بالطرق الرسمية.






وأود هنا أن أذكر معنى كلام سيد قطب رحمه الله في ظلال قوله تعالى:

((وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّـكُم مِّنْ أَرْضِنَا أَوْلَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ (13) وَلَنُسْكِنَنَّـكُمُ الأَرْضَ مِن بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ (14) ))







(هنا تتجلى حقيقة المعركة وطبيعتها بين الإسلام والجاهلية...إن النظام الجاهلي -بطبيعة تركيبه العضوي- لا يسمح لعنصر مسلم أن يعمل من داخله, إلا أن يكون عمل المسلم وجهده وطاقته لحساب النظام الجاهلي, ولتوطيد جاهليته! والذين يخيل إليهم أنهم قادرون على العمل لدينهم من خلال التسرب في التجمعات الجاهلية, والتميع في تشكيلاتها وأجهزتها هم ناس لا يدركون الطبيعة العضوية لهذه التجمعات، هذه الطبيعة التي ترغم كل فرد داخل هذه التجمعات أن يعمل لحسابها ولحساب منهجها وتصورها...لذلك يرفض المؤمنون أن ينخرطوا في الأنظمة الجاهلية...

وهنا يفصل الله بين المؤمنين والطغاة الذين يقفون في وجه الدعوة:

((فأوحى إليهم ربهم لنهلكن الظالمين () ولنسكننكم الأرض من بعدهم ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد)).

ولابد أن ندرك أن نصر الله للمؤمنين على الطغاة إنما يكون بعد تمايز المؤمنين ومفاصلتهم للطغاة على أساس العقيدة، ولا يكون هذا النصر أبدا والمؤمنون متميعون في النظام الجاهلي, عاملون من خلال أوضاعه وتشكيلاته, غير منفصلين ولا متميزين عنه).







إذن كما قال الإمام مالك: لن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها، وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه من قبل: (فمهما نطلب العز بغير ما أعزنا الله به أذلنا الله). ولم يعز الله أول هذه الأمة بالتنازلات بل بالثبات والتضحيات.







لقد صدَّر الغرب الديمقراطية إلى العالم الإسلامي لا لتكون بديلا عن الديكتاتورية، بل لتكون بديلا عن الإسلام. لذا فهي ديمقراطية مشروطة بألا توصل الإسلاميين إلى الحكم، بل هذا هدفها! وقد صرح الساسة الأمريكان وأذنابهم بذلك مرارا، أن الديمقراطية ليست لأعداء الديمقراطية.

الديمقراطية لا توصل إسلاميا إلى الحكم، وإن أوصلته فبعد أن تنزع منه إسلاميته. كما تعرى صاحبنا الذي أراد إنقاذ الأيتام، وإن بقي في هذا الإسلامي بقايا هوية إسلامية فسينقلب عليه أرباب الديمقراطية ويكفرون بديمقراطيتهم كما كان أهل الجاهلية يصنعون الصنم من العجوة ثم يأكلونه إذا جاعوا.







ونذكر الإسلاميين البرلمانيين بقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي صححه العراقي وحسنه الألباني: ((تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها ثم تكون خلافة على منهاج النبوة فتكون ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها ثم تكون ملكا عاضا فتكون ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها ثم تكون خلافة على منهاج نبوة)).

لاحظ...بعد الملك العاض لم يقل النبي أنه سيكون هناك إسلام ديمقراطي ثم خلافة على منهاج النبوة. هذا لن يكون. ستبقى الأمة ترزح تحت الملك العاض والحكم القهري إلى أن يشرِّف الله ثلة صافية المنهج بأن تعيدها خلافة على منهاج نبوة.







ليست الديمقراطية هي الطريق. وإن كان بعض الإسلاميين يستسهلها ويراها طريقا محفوفة بالورود قليلة التضحيات فيسلكها من أجل ذلك فهو كرجل أراد الوصول إلى قمة، لكنه رأى طريقها وعرة موحشة.

ورأى في المقابل طريقا ممهدة محفوفة بالورود فيها من يأنس بهم، لكن عيبها الوحيد أنها ليست مؤدية إلى القمة، بل عكس اتجاه القمة فما تزيده عن القمة إلا بعدا. فآثر صاحبنا أن يسلك هذه الطريق! وما الفائدة في السير سريعا وبسهولة إذا كان عكس الاتجاه المطلوب؟!







ونسأل الإسلاميين البرلمانيين: هل لديكم مثال واحد من التاريخ أتى فيه فقه التنازلات بدولة إسلامية وتحكيم الشريعة؟ استعرضوا التاريخ وأتونا بمثال واحد. وبعد هذا كله فالواقع يشهد وستتكشف الحقيقة أكثر فأكثر يوما بعد يوم، أنه لن تقوم للإسلام قائمة بطريق التنازلات والبرلمانات والدساتير الوضعية بل لن تزيد هذه الطريق المشروع الإسلامي إلا بعدا عن إقامة الدين.

((فستذكرون ما أقول لكم وأفوض أمري إلى الله)).

ستبدي لك الأيام ما كنت خافيا ويأتيك بالأخبار من لم تزودِ






إذن، نقول للإسلاميين البرلمانيين: كونوا واضحين وصرحاء مع أنفسكم وقولوا: إنما هدفنا إجراء بعض الإصلاحات وتقليل المفاسد.

حينئذ نقول: العمل الإسلامي والمشروع الإسلامي أجل من أن يكون ترقيعيا ترميميا يرتق فتق النظام الجاهلي. ثم لو كانت إصلاحاتكم الجزئية هذه دون تقديم تنازلات عن ثوابت عقدية ودون المفاسد الخطيرة الكارثية التي نتجت عن تنازلاتكم، لقلنا لا بأس. أما أن تعملوا من داخل النظام الديمقراطي وتضفوا عليه الشرعية وليس من ثم إلا مكاسب ثانوية هزيلة، ويكون هذا كله باسم الإسلام، فهذا إسفاف بالإسلام وتهزيل لصورته.






الأنظمة الجاهلية هي كأبنية أسست على شفا جرف هارٍ، آيلةٍ للسقوط. دورنا نحن العاملين للإسلام أن نقول للشعوب: (هذه الأبنية آيلة للسقوط، اخرجوا منها، لا تشتركوا أيها الناس في العملية الديمقراطية). ليس دورنا أن ندخل في هذه الأبنية ونجري ترقيعات وإصلاحات جزئية ونسد الشقوق. فالبناء فاسد غير قابل للإصلاح. وترميماتنا هذه خداع للشعوب وتلبيس عليها وتضييع لوقتها في هذا البناء الذي سينهار. ولذلك فعندما ينهار ستزدرينا الشعوب وتلقي بنا في زوايا التاريخ المعتمة مع الهيكليات المهترئة التي سعينا إلى ترميمها.





أما لو حذرنا هذه الشعوب من هذا البناء وقلنا لها تعالي أيتها الشعوب فهذا البناء الجاهلي سينهار، تعالي لنبني بناء جديدا على أسس سليمة، فإنه بمجرد أن ينهار البناء الجاهلي سيصدقنا من كان يتشكك وينضم إلينا من كان يخالفنا ويثق بنا من كان سماعا لكذب أعدائنا ويزيد التفاف الشعوب حولنا. هذا دورنا، ليس دورنا أن نكون ورقة توت تستر عورات الهيكليات الجاهلية وتطيل بقاءها.







ختاما، فليتذكر الإسلاميون أنهم عندما أعلنوا هويةً إسلاميةً في عملهم السياسي المتعلق بحُكم الناس فإن ذلك يتضمن أن تكون أهدافهم هي أهداف الإسلام الذي يحملونه. فهل يرتضون للإسلام الذي أنزله الله نظام حياة شاملا يخضع الناس لسلطان الله فحسب أن يكون هذا الإسلام ترقيعيا ترميميا؟



خلاصة الحلقة: إن كان هدف الإسلاميين من التنازلات واللعبة الديمقراطية تطبيقَ الشريعة فهذا الهدف أجل من أن ينال بهذه الوسيلة، وإن كان الهدف ترقيعات جزئية فالإسلام أجل من أن يكون هذا هدفه.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
المثنى 2007
عضو فعال
عضو فعال
المثنى 2007

شكرا لتفاعلك ومشاركتك
اللهم اغفر له وارحمه وتجاوز عنه


تفريغ سلسلة نصرة للشريعة للدكتور إياد القينبي  Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفريغ سلسلة نصرة للشريعة للدكتور إياد القينبي    تفريغ سلسلة نصرة للشريعة للدكتور إياد القينبي  I_icon_minitime2/2/2013, 12:06 pm

الحلقة السابعة عشر

عبودية الديمقراطية وبداية الزلل

[وحدهم المشرفون لديهم صلاحيات معاينة هذا الرابط]

السلام عليكم ورحمة الله.

إخوتي الكرام في الحلقات الماضية كنا نقول: الإسلاميون البرلمانيون تنازلوا تنازلات ذريعة مقابل مكتسبات موهومة. ما هي هذه التنازلات.







التنازل الأول والأكثر خطورة: الانخراط في اللعبة الديمقراطية التي تجعل التشريع لغير الله تعالى.

لذا فعندما نقول أن البرلمانيين تنازلوا فإن أول تنازل هو دخولهم البرلمان أصلا وقبولهم بالشروط التي أدخلتهم البرلمان. تركوا الشريعة على الباب قبل دخول البرلمان.







فكرة البرلمان تقوم على أن الشعب ينتخب من يمثله ليقوم بتشريع القوانين له. وطبعا القوانين التي نتكلم عنها ليست محصورة في أمور إدارية وفنية تركها الشرع لتقدير البشر، بل هي استفتاء للبشر في أمور حكم فيها رب البشر سبحانه وتعالى. وهذا مستند إلى مبدأ أن الشعب هو الذي له الحق أن يشرع لنفسه من القوانين ما يريد. لذا فالديمقراطية هي نقض للإسلام. فالإسلام هو الاستسلام والخضوع التام لحكم الله عز وجل، والاعتراف بأن حق التشريع هو له وحده سبحانه، وهذا من توحيد الربوبية، فكما أنه هو الخالق فهو صاحب الأمر المطاع: ((ألا له الخلق والأمر)). وطاعته في تشريعه سبحانه هي من توحيد الألوهية، فتوحيد الألوهية يقتضي إفراده تعالى بالعبادة، التي هي الطاعة والمحبة.

والديمقراطية نقض لهذا كله، فهي تجعل التشريع لغير الله وتوجب الطاعة لغير الله.


- في دين الله تعالى:

((وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا))

وفي دين الديمقراطية:

(إذا قضى الله ورسوله أمرا فيعرض هذا الأمر على البرلمان ليختار. وللبرلمان الحق الكامل في أن يقبل حكم الله أو أن يرده. فإذا عصى البرلمان الله ورسوله فرأيه محترم لأنه يمثل الأغلبية).



- في دين الله تعالى:

((إنما كان قولَ المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا))

وفي دين الديمقراطية:

(إنما كان قول الديمقراطيين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا: سنعرض حكم الله على البرلمان، فإن أذن البرلمان لحكم الله أن ينفذ نفذ).



- في دين الله تعالى:

((فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما))

وفي دين الديمقراطية:

(فلا وربك لا يؤمنون بالديمقراطية إيمانا صادقا حتى يحكموا البرلمان فيما شجر بينهم، ثم لا يجدوا في أنفسهم نية لاستغلال اللعبة الديمقراطية أو التخلي عنها مستقبلا لفرض الشريعة. بل عليهم أن يسلموا بقواعد اللعبة الديمقراطية تسليما).



- في دين الله تعالى:

((إن الحكم إلا لله))

وفي دين الديمقراطية:

(إن الحكم إلا للبرلمان، يحكم حتى على حكم الله).



فالديمقراطية مناقضة للإسلام حيث أن تعريف الإسلام هو: الاستسلام والانقياد التام والإذعان لحكم الله تعالى، وتطبيق أمر الله تعالى لأنه أمر الله.

والديمقراطية هي جعل البرلمان حكما على كل شيء، حتى على شريعة الله. فإن طبق حكم من الأحكام فلا يُطبق لأنه واجب التطبيق من حيث هو حكم الله، بل لأن البرلمان أذن لهذا الحكم أن يُطبق. وهذا لا يمكن بحال تسميته انقيادا واستسلاما لله.



وهنا إخواني ينبغي أن ننتبه إلى أن الغرب ما صدر الديمقراطية إلى العالم الإسلامي إلا ليطمس بها الدعوة إلى تطبيق الشريعة مرحليا. حتى إذا نال هذه الغاية انقلب على الديمقراطية ودعم أنظمة مستبدة تنفذ أجنداته غير ملتفتة إلى إرادة الشعب ولا حريته ولا كرامته.

ترى البلد من بلاد المسلمين يرزح تحت نظام مجرم يستبيح الأرواح والأموال والأعراض عقودا طويلة بدعم من أمريكا والدول الأوروبية، حتى إذا سقط هذا النظام وتعالت الأصوات بإقامة دولة إسلامية وتطبيق الشريعة أسرعت الدول الغربية للتدخل في المشهد السياسي وحركت أذنابها في الداخل لينادوا بالديمقراطية، وانضم إليهم بقصد أو غير قصد بعض المنتسبين إلى العمل الإسلامي. ثم ترى متابعة أمريكية حثيثة لإجراء الانتخابات وتغطية للعرس الديمقراطي وثناء أمريكيا على نزاهة الانتخابات واحترام إرادة الشعب! هذه الإرادة التي كانت أمريكا ذاتها تقدم الرشاوى للأنظمة الفاسدة بمقدار ما تقمع الشعب وإرادته كما بين المؤلف نعوم تشاومسكي في كتابه (What Uncle Sam Really Wants ) (ما يريده العم سام في الواقع).

[وحدهم المشرفون لديهم صلاحيات معاينة هذا الرابط]






كل هذا لطمس الدعوة إلى تحكيم الشريعة تحكيما صحيحا يقوم على أساس أنها شريعة الله، وليس استنادا لأهواء البشر. حتى إذا ما تم للغرب وأذنابه ذلك وسحب اعترافات من الإسلاميين المغرر بهم ومن جماهير الناس بالديمقراطية ومبدئها الشركي واستدرجهم لمواقف معادية لتطبيق الشريعة انقلب الغرب ذاته على الديمقراطية ودعم رئيسا أو جيشا يتفنن في قمع الشعب واحتقار إرادته ويسخر البلاد والعباد لخدمة المصالح الأجنبية. فلم يكن للشعب إلا مرارة الديمقراطية التي فوتت عليه الشريعة، ولم يجن من حلو حريتها شيئا.



وإن لم يتدخل الغرب بشكل سافر كما فعل في الجزائر، فإنه يسعى على الأقل أن توصل الديمقراطية إلى الحكم نماذج ممسوخة تستعلن بعدم نية تطبيق الشريعة أو تضحي بالشريعة من أجل الحكم في طريقها الديمقراطي الذي سلكته.






لذا فعلينا أن ننتبه نحن الذين نعارض الديمقراطية وننقضها إلى أن خطابنا للشعوب يشوه من الآلة الإعلامية ومن أذناب الغرب الذين يقولون للشعوب: هؤلاء يريدون فرض الشريعة عليكم، هؤلاء لا يريدون الحرية لكم، لا يحترمون إرادتكم، هؤلاء يرروجون لشكل آخر من أشكال الاستبداد الذي ثُرتِ عليه أيتها الشعوب. يعني باختصار: يظهروننا أعداء للشعب وحريته.






ينبغي أن نركز في خطابنا على أنه لا حرية حقيقية لك أيتها الشعوب إلا بالعبودية المطلقة لله تعالى بتطبيق شرعه، وهذا يخلصك من العبودية للغرب وأذنابه.




نحن دعاة الشريعة دعاة حرية وكرامة وسيادة للشعوب الإسلامية، سيادةٍ على أهل الأرض بالشريعة التي يحملونها. قال تعالى: ((لقد أنزلنا إليكم كتابا فيه ذكركم أفلا تعقلون)) يعني فيه شرفكم وعزكم بين الأمم. بينما الديمقراطية هي عبودية دنسة لغير الله، فهي في الظاهر عبودية العبيد للعبيد، فعبيد يشرعون لعبيد، وفي الحقيقة عبودية للغرب الذي يستخدم الديمقراطية لتمرير مخططاته الاستعبادية للعالم الإسلامي.



في الحديث الذي حسنه الألباني أن عديا بن حاتم جاء إلى النبي و كان قد عدي دان بالنصرانية قبل الإسلام. فلما سمع النبيَّ يقرأ قوله تعالى: ((اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم))

قال: يا رسول الله إنهم لم يعبدوهم. فقال رسول الله: ((بلى. إنهم حرموا عليهم الحلال وأحلوا لهم الحرام فاتبعوهم فذلك عبادتهم إياهم))






فما استقر في ذهن الكثيرين من المسلمين أن الديمقراطية هي الحرية، هذا وهم. بل الصحيح أنها عبودية، بدلا من أن تكون عبودية لدكتاتور واحد فإنها تصبح عبودية لمجموعة من المشرعين وللغرب الذي يحرص على ألا يستعز المسلمون بعبوديتهم لله تعالى.



الإسلاميون عندما انخرطوا في العملية الديمقراطية قبلوا بقواعد هذه اللعبة الاستعبادية، الاستعبادية للبشر في ظاهرها وللغرب في حقيقتها. ولنأخذ مثالا لذلك الحالة المصرية. قبل سقوط رمز النظام السابق كان كثير من الإسلاميين يقرون بحرمة المشاركة في برلمان قائم على جعل حق التشريع للشعب، ومحتكم في تشريعاته إلى دستور وضعي. ثم بعد الثورة افترضوا حدوث حالة من الفراغ التشريعي الدستوري. وبالتالي فقد اعتبروا أنهم لم يعودوا مطالبين بالتنازلات التي منعت من مشاركتهم في العمل البرلماني من قبل.






فسادت في أذهان البعض صورة مبسطة جدا وهمية للمشاركة البرلمانية على النحو التالي:

البلد في حالة من الفوضى. الشعب متعارض المطالب، فمنه المسلم والنصراني والعلماني، وكل واحد يريد أن يُحكم بغير ما يريده الآخر. إذن فليس هناك طريقة للخروج من الخلاف إلا بأن يقوم الناس بترشيح نواب، هؤلاء النواب سيجتمعون تحت قبة البرلمان ليوصل كل منهم صوت شريحة من الشعب. والمأمول أن يغلب الصوت الإسلامي لأن الأكثرية تدعمه، فيُتخذ القرار بكتابة دستور إسلامي صرف يجعل الشريعة المصدر الوحيد للتشريع. فتقوم دولة إسلامية، ويخضع الجيش ويسلم الإسلاميين مقاليد الحكم. ويقتصر دور الناس والبرلمان بعدها على الخضوع والانقياد للشريعة من حيث هي حكم الله عز وجل. وتتحقق هذه المصلحة العظيمة دون مفاسد تذكر.






فدخول البرلمان في هذه الحالة لا يعني الإقرار بالمبادئ الشركية للديمقراطية، بل إنما تُفَرَّغ الديمقراطية من مضمونها وتتخذ كوسائل وآليات، والنائب الإسلامي دوره إنما هو إيصال صوت الشعب أننا نريد تحكيم الشريعة، والنائب لن يلتزم بدستور وضعي، بل الإسلاميون هم الذين سيكتبون الدستور.



طبعا هذا التبرير الذي سنظهر بطلانه احتفى به من كان يرى أصلا حرمة سلوك طريق البرلمان وأنه مزلة عقدية، وإلا فهناك أحزاب إسلامية كانت منخرطة في العمل البرلماني ومقدمة للتنازلات قبل الثورات ولا ترى فيما سبق جميعا أية مزلة عقدية.



وعلى كل فالصورة الساذجة المذكورة قد توهمها البعض عند الحديث عن الفراغ الدستوري. فهل هذا هو الذي حصل بالفعل؟

بل الذي حصل أن الإسلاميين الجدد على العمل البرلماني ومن اللحظة الأولى التزموا قواعد اللعبة الديمقراطية، مهما رقعوا لذلك بمواقف ثانوية وتصريحات عاطفية لا تغير حقيقة الأمر.

فأولا: التزموا المادة الرابعة من الإعلان الدستوري والتي جاء فيها: (ولا يجوز مباشرة أي نشاط سياسي أو قيام أحزاب سياسية على أساس ديني). حتى قال قائلهم: (أرى أنه ما داموا قد اتفقوا على أنه لا تكون هناك أحزاب دينية لأن هذا قد يؤدي إلى احتقان طائفي خلاص يبقى ما فيش أحزاب دينية. لا أرى أن تكون الأحزاب دينية)!







وهذا بداية الزلل! تفاديا لإغضاب حفنةٍ من النصارى المتغطرسين وعملا بإعلان دستوري قائم على الديمقراطية وافقوا على ألا يكون الحزب دينيا. وبالتالي، تبعه الانصياع للقانون الوضعي الذي يحرم استخدام شعارات دينية في الحملات الانتخابية. إذن ما توهمه البعض من أن دورهم مقتصر على إيصال رغبة الشعب في تحكيم الشيعة هذا لا علاقة له بالواقع. لو كان هذا دورَهم فإن الحزب لن يكون إلا دينيا شعاره المعلن تطبيق الشريعة، إذ أنه ما أنشئ بزعمهم إلا من أجل ذلك.






لكن الإسلاميين خلعوا الشريعة على أعتاب البرلمان! فإنه في الحالة الوهمية الافتراضية التي تصورها البعض كانت الشريعة سبب وجود البرلمانيين كممثلين للشعب وكانت الشريعة هويتهم وقضيتهم وسبب شرعيتهم، يستمدون شرعيتهم من الشريعة التي يحملونها ويريدون تطبيقها...مرة أخرى: يستمدون شرعيتهم من الشريعة. لكن بخضوعهم لهذه المواد فإنهم يستمدون شرعيتهم من الشعب الذي انتخبهم، وليس من الشريعة. وهذا تسليم منهم بمبدأ الديمقراطية.







يعني تصور النائب الإسلامي واقفا على باب البرلمان يريد الدخول، فيقال له: بأية صفة تريد أن تدخل؟ فيقول: باسم الشريعة التي نريد أنا ومن انتخبوني تطبيقها، فيقال له: لا! هذا لا يعطيك شرعية لدخول البرلمان. عليك أن تقر بأنك إنما تدخل البرلمان باسم الشعب الذي انتخبك، وتستمد شرعيتك من انتخاب الشعب لك كمشرع، لا من الشريعة. لن يُقبل تصويتك على تشريع ولن يسمح لك باقتراح قانون إلا بصفتك ممثلا عن الشعب المشرع.

فيخلع النائب الإسلامي الشريعة على الباب ويدخل البرلمان بهذا الشرط. ويصول من ثم ويجول باسم الشعب الذي يستمد وجوده في البرلمان منه. تماما كما ترك صاحبنا الملابس على باب دار الأيتام في حلقة (نجحت العملية ومات المريض).






هذا الفرق الذي يراه البعض ثانويا هو مربط الفرس وأصل المسألة وبداية الانحراف وصرف حق التشريع من الله إلى عبيده. بل إن بعض الدول العربية عدلت بعد الثورات العربية في قوانين الأحزاب بحيث تمنع الاحزاب الدينية. وهذا استكمال لأركان دين الديمقراطية.

ومع ذلك فالذين حبكوا النظام البرلماني سدا منيعا أمام تطبيق الشريعة لم يكتفوا بذلك. بل وضعوا أمام النائب أبوابا أخرى ليضمنوا أن يخلع عندها أية بقية من دعوى تطبيق الشريعة قبل أن يجلس تحت قبة البرلمان. ما هي هذه الأبواب؟ هذا ما سنعرفه في الحلقة القادمة بإذن الله.







خلاصة الحلقة: الديمقراطية تجعل النائب يستمد شرعيته من البشر، لا من شريعة رب البشر. وتمعن في استعباد الغرب للعالم الإسلامي.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
المثنى 2007
عضو فعال
عضو فعال
المثنى 2007

شكرا لتفاعلك ومشاركتك
اللهم اغفر له وارحمه وتجاوز عنه


تفريغ سلسلة نصرة للشريعة للدكتور إياد القينبي  Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفريغ سلسلة نصرة للشريعة للدكتور إياد القينبي    تفريغ سلسلة نصرة للشريعة للدكتور إياد القينبي  I_icon_minitime5/2/2013, 4:14 pm

الحلقة الثامنة عشر


هل المادة الثاني من الدستور المصري تؤسلمه؟
[وحدهم المشرفون لديهم صلاحيات معاينة هذا الرابط]

السلام عليكم ورحمة الله. إخوتي الكرام ذكرنا في الحلقة الماضية أن الديمقراطية تفرض على النائب الإسلامي أن يستمد شرعيته من الشعب لا من الشريعة، وأن قوانين الأحزاب والانتخاب تكرس ذلك. فخضوع النائب الإسلامي لهذه القوانين هو تخلٍّ عن الشريعة من الخطوة الأولى.





وقلنا أنه مع ذلك فإن الذين حبكوا النظام البرلماني وضعوا أمام النائب أبوابا أخرى ليضمنوا أن يخلع عندها أية بقية من دعوى تطبيق الشريعة. الباب التالي هو القسم على احترام الدستور الوضعي. ففي مصر مثلا، المـــادة 42 من الإعلان الدستوري تقول:
يقسم كل عضو من أعضاء مجلسي الشعب والشورى أمام مجلسه قبل أن يباشر عمله اليمين الآتية :
"أقسم بالله العظيم أن أحافظ مخلصاً على سلامة الوطن والنظام الجمهوري، وأن أرعى مصالح الشعب، وأن أحترم الدستور والقانون".






طبعا الدستور الأخير هو دستور 1971 الذي جرت عليه تعديلات عديدة ومن ثم تبعه الإعلان الدستوري ولواحقه. تعالوا الآن نرى بنودا من الإعلان بصيغته الأخيرة التي أقسم النواب الـ"إسلاميون" على احترامها:


مادة 1: جمهورية مصر العربية دولة نظامها ديمقراطي يقوم على أساس المواطنة
إذن فالنظام ديمقراطي يقوم على جعل التشريع للبرلمان، لا لله، ويقوم على أساس المواطنة، إذن لا اعتبار للدين في حقوق وواجبات حكم الشرع بالتفريق فيها، وبالتالي فالدستور يمَكِّن النصراني والمرتد أن يتولى الحكم أو القضاء مع الإجماع الشرعي على عدم جواز ذلك. وهذه المخالفة الصارخة تؤكدها مرة أخرى المــــــادة 7 التي تقول:
المواطنون لدى القانون سواء، وهم متساوون في الحقوق والواجبات العامة ، لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة.






نتجاوز المادة الثانية لنعود إليها بعد قليل.



المادة الثالثة:





(السيادة للشعب وحده و هو مصدر السلطات –أي السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية).
هذه المادة تأكيد على أن السيادة ليست للشرع والخضوعَ ليس لله، بل الشعب هو الذي يشرع لنفسه.

مــــــادة 24: (تصدر الأحكام وتنفذ باسم الشعب)...لاحظوا، لاتنفذ من حيث هي حكم الله بل لأن الشعب أرادها. أي يكون صدور الاحكام تابعا لسلطة الشعب واستقلاله بحق التشريع من دون الله.

مـــــادة 33: (يتولى مجلس الشعب فور انتخابه سلطة التشريع):

تأكيد رابع على أن المشرع ليس ربَّ الشعب سبحانه، بل الشعب ومن ينوب عنه.




إخواني هذه المواد هي أحجار الأساس في النظام الديمقراطي، هي أركان دين الديمقراطية المصادم لدين الله تعالى القائل: ((أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله))،


والقائل: ((ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون))
تحكيم الشعب والبرلمان هو اتباع لأهواء البشر الذين إن انقطعوا عن الوحي فهم لا يعلمون.




وهذا هو الدستور الذي يقسم النائب الإسلامي على احترامه. يعني مؤدى قسمه: أقسم بالله العظيم أن أحترم جعل التشريع للشعب بدلا من الله العظيم!



قسمٌ بالله على احترام دين غير دين الله! قسم بالله على احترام اشتراك بشر مع الله في صفتة من صفات ألوهيته وربوبيته، وهي التشريع ووجوبُ الطاعة لهذا التشريع. هذا هو مؤدى القسم.

بل قد أقر البرلمانيون "الإسلاميون" الإعلان الدستوري ووافقوا عليه بصورته هذه والله المستعان!




وطلب القسم هذا من التناقض العجيب في دين الديمقراطية، فهي تمنع النائب من الانتساب لحزب ديني أو رفع شعار ديني في حملته، ثم لتضمنَ الديمقراطية لنفسها التزام النائب بها تجعله يقسم قسما دينيا!




سيقول قائل: لكن المادة الثانية من الدستور المصري ذاته، وكذلك من الإعلان الدستوري تنص على أن (الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع).




فنقول إخواني هذه المادة إمعان في الضلال. لماذا؟ دعونا بداية نتناول نص المادة فقرة فقرة بمعزل عن الدستور، ثم نضعها في سياق الدستور المصري لنرى هل هذه المادة موافقة لدين الله تعالى:





أولا: نص المادة:

أما (الإسلام دين الدولة) فمعروف أن هذه العبارة لا تحمل عند أرباب الدستور أي معنى تشريعي، بل هي ديكور وتلبيس وإلجام للأفواه وضحك على الذقون. إذا أردت أن تعرف ذلك فانظر إلى من يسب الله جهارا في وضح النهار في بلاد المسلمين ومن يسخر من أحكامه... في هويته عبارة: (الديانة: الإسلام). لو تقدمنا بشكوى ضده في المحاكم فهل تستطيع أن تقنعها ولو بحذف هذه العبارة من هويته؟ لن تستطيع. إذا مات أبوه فهل تستطيع أن تقنع المحاكم بألا تورِّثه لأن الكافر لا يرث المسلم؟ لا تستطيع. إذا أراد الزواج بمسلمة هل تمنعه الدولة؟ لا تمنعه...لماذا كل هذا؟ لأن دين هذا الرجل رسميا عندها الإسلام. بل لعلك إن اتهمته بالكفر والردة وقدم ضدك دعوى تشهير فإنه يكسب القضية!




فالدولة التي تصر على أن دين هذا الرجل رسميا هو الإسلام هي ذاتها التي تكتب في دستورها (الإسلام دين الدولة). ومدلول كلمة
دين في هوية هذا الرجل هو كمدلولها في الدستور. فهذه الفقرة لا تحمل أية أهمية تشريعية أو غير تشريعية.




الشق الثاني من المادة:
ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع. إذا علمنا أن رد التشريع إلى الله

هو من توحيد الربوبية وتوحد الألوهية كما أسلفنا، فإن معنى هذه المادة بالضبط: (الله هو الإله الرئيسي)، أو: (لا إله رئيسي إلا الله)! وهذا لا يختلف كثيرا عن منطق العرب في الجاهلية حين كانوا يرون ان الله إله رئيسي لكن معه آلهة أخرى!
قال تعالى: ((ذلكم بأنه إذا دعي الله وحده كفرتم وإن يشرك به تؤمنوا فالحكم لله العلي الكبير))...إذا دعي إلى تحكيم الشريعة فحسب رفضوا، وقالوا بل لا بد من إشراك مصادر أخرى معها.
((وإذا ذُكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة وإذا ذكر الذين من دونه إذا هم يستبشرون))




هذا النص (المصدر الرئيسي) يعني بأن مبادئ الشريعة معروضة ضمن تشريعات أخرى أمام البرلمان المشرع الذي ادعى لنفسه صفة من صفات الربوبية والألوهية. فيتنقي البرلمان من الشريعة ما يعجبه ويرد ما يعجبه. وينتقي من غير الشريعة من قوانين البشر ما يراه أصلح من الشريعة في جانب من الجوانب...وهذا إشراك لمصادر أخرى مع الله في التشريع...والله أغنى الشركاء عن الشرك وهو القائل: ((ولا تشرك في حكمه أحدا)).



فإن قال قائل: لماذا لا تحمل هذه العبارة على الاستفادة من مصادر أخرى فيما لم تحكم به الشريعة؟ فالجواب أن الشريعة ذاتها تقرر كيفية الاستفادة من المصادر الأخرى بما لا يخالف أحكامها، فما الحاجة لكلمة (الرئيسي) إذا؟!
جنكيز خان في ياسقه ونابليون بونابرت في حكمه لمصر وغيرهما كانوا يأخذون من أحكام الشريعة الإسلامية ضمن شرائع أخرى. فهل جعل ذلك حكمهم إسلاميا؟!






كان هذا بالنسبة لعبارة (المصدر الرئيسي للتشريع). هل انتهت القضية عند هذا الحد؟ لا! بل إمعانا في الضلال تقول المادة: (مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع)

ما هي مبادئ الشريعة عندهم؟ العدالة والرحمة والكرم والسماحة والتقدم والرقى والحضارة وحفظ النفس والمال. وهذه هي أيضا المبادئ المعلنة للنصرانية والبوذية والهندوسية والكنفوشية والبهائية والقاديانية بل والاشتراكية والشيوعية! نص هلامي لا يسمن ولا يغني من جوع!





وعندما اقتُرح تغيير النص إلى (أحكام الشريعة الإسلامية)، اعترض بعض الـ"إسلاميين" المصرين على ترك الأمور هلامية مائعة مطاطة، وهو ذاته الفصيل الذي قال قائله: (إنما سنسعى إلى تطبيق مبادئ الشريعة التي لا تتعدى أصابع اليد الواحدة)!

إذن ففي هذه المادة (الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع)، لا كلمة دين لها دلالة ولا أثر، ولا كلمة مبادئ لها دلالة ولا أثر، ولا عبارة (المصدر الرئيسي للتشريع) تعني إفراد الله عز وجل بحق التشريع.

إذن فقد بينا أن أرباب الدستور حبكوا المادة الثانية في مفاصلها الثلاثة لتمنع تطبيق الشريعة وتبقى مع ذلك زخرفا من القول تذر الرماد في العيون وتضحك على الذقون!






سيقول قائل: (لقد غابت عنك حقيقة مهمة جدا!) ما هي؟ أن المحكمة الدستورية العليا قضت بقرار يجعل لهذه المادة أهميتها، بحيث إذا أحسن الإسلاميون استغلالها فإنها تؤسلم الدستور والقانون بالفعل. هذا القرار هو: (لا يجوز لنص تشريعي أن يناقض الأحكام الشرعية القطعية فى ثبوتها ودلالتها)...أقول إخواني: لم يغِب عنا ذلك. بل هذا القرار لا قيمة له مطلقا! لماذا؟ هذا ما سنعرفه بإذن الله في الحلقة القادمة عندما نضع المادة الثانية في سياق الدستور المصري لنرى أن هذه المادة لا تصلح متعلقا لغريق أبدا ولنرى مدى الغفلة أو التغافل الذي أصاب الإسلاميين البرلمانيين المتمسكين بهذه المادة.




خلاصة الحلقة: نص المادة الثانية من الدستور المصري هلامي متضمن لإشراك البشر في التشريع مع الله تعالى.

ملاحظة مني
[SIZE="6"]يا ليت كل أخ وأخت هنا
أن يجمع هذه المقالات للأخ إياد القنيبي
ويجعلها على هيئة ملزمة , وينشرها بين أهله , وأصدقائه وكل من يعرف
حتى يعرفهم بالشرع الصحيح
ويكون له كأجر العالم الذي يبقى له علمه صدقة بعد مماته[/SIZE]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
المثنى 2007
عضو فعال
عضو فعال
المثنى 2007

شكرا لتفاعلك ومشاركتك
اللهم اغفر له وارحمه وتجاوز عنه


تفريغ سلسلة نصرة للشريعة للدكتور إياد القينبي  Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفريغ سلسلة نصرة للشريعة للدكتور إياد القينبي    تفريغ سلسلة نصرة للشريعة للدكتور إياد القينبي  I_icon_minitime6/2/2013, 12:08 pm

B]الحلقة التاسعة عشر[/B]
المادة الثانية وإخضاع الشريعة للبشر
السلام عليكم ورحمة الله.
[وحدهم المشرفون لديهم صلاحيات معاينة هذا الرابط]
أحبتي الكرام في الحلقة الماضية رأينا أن نص المادة الثانية من الدستور المصري لا يصلح أبدا كمدخل لمن يريد تطبيق الشريعة من خلاله. ثم قلنا سيعترض معترض بأن هناك ما يجعل لهذه المادة أهميتها، وهو قرار المحكمة الدستورية العليا القائل: (لا يجوز لنص تشريعي أن يناقض الأحكام الشرعية القطعية فى ثبوتها ودلالتها).

نقول إخواني: هذا القرار لا يغير من واقع المسألة شيئا لسببين، سنفرغ بداية من الأقل أهمية منهما:
السبب الأول: هو إبقاء المحكمة الدستورية مفهوم الشريعة عاما غير محدد، حيث فسرت الأحكام الشرعية بأنها: (تمثل من الشريعة الإسلامية مبادئها الكلية، وأصولها الثابتة التى لا تحتمل تأويلاً أو تبديلاً)ـ
إذن لاحظ: مبادئها الكلية، وأصولها الثابتة التي لا تحتمل تأويلا.
فإذن عدنا إلى كلمة (مبادئ)، التي بينا عموميتها في الحلقة الماضية.
أما كلمة (الثابتة)، فمن الثبوت، أي أن تكون قطعية الثبوت.

ومعلوم أن العلمانيين والحداثيين في مصر ما فتئوا، وبدعم من وزارة الثقافة المصرية، يطعنون على السنة النبوية وينكرون ثبوتها وحجيتها، لكي يخلصوا من ذلك إلى ترك أحكام القرآن دون دلالة وهم يعلمون قاعدتنا...(إذا حاجك أهل الأهواء بالقرآن فحاججهم بالسنة فإن القرآن حمال وجوه).


لدينا القرآن والسنة. عندما يقول قرار المحكمة: (أصولها الثابتة) يُخرجون السنة، ثم عندما يقول: (لا تحتمل تأويلا) يخرجون القرآن الذي يتأولونه ألف تأويل بعيدا عن السنة.



وزيادة في تضييع الشريعة نصت المحكمة الدستورية في حكمها أنه: (ومن ثم صح القول بأن اجتهاد أحد من الفقهاء ليس أحق بالاتباع من اجتهاد غيره، وربما كان أضعف الآراء سندا، أكثرها ملائمة للأوضاع المتغيرة، ولو كان مخالفا لآراء استقر عليها العمل زمنا). وهذا النص يُمَكِّن من الاعتماد على رأي شاذ مخالف للإجماع.
وعند الحاجة يمكنهم طبعا الرجوع إلى آراء الشيعة، معتمدين على ما قاله الدستوري المستشار عبد الرزاق السنهوري في كتابه (الوسيط في القانون المدني للسنهوري): (ومذهب الإمامية، يمكن الانتفاع بها إلى حد بعيد)!



بعد هذا كله، هل هناك كتاب معتمد لدى المحكمة الدستورية اسمه (مبادئ الشريعة الإسلامية الكلية، وأصولها الثابتة التى لا تحتمل تأويلاً أو تبديلاً)؟ هل لديها كتاب كهذا يمكن أن نتصفحه لنعرف ما هي هذه المبادئ والأصول؟ بالطبع لا. فالأمر يراد له أن يبقى هلاميا عاما.
سيقال: لكن حصل أن يستفاد من هذا القرار، عندما قُضي لصالح موظفين في مصر للطيران بعد أن فُصلوا لامتناعهم عن تقديم الخمور. فأقول إخواني: الباطل يعلق الناس بأمل وهمي حتى يبقوا مخدوعين به تائهين في دهاليزه بدلا من أن يبين لهم قبحه فييأسوا منه ومن دهاليزه ويبحثوا عن المخرج الحقيقي. وإلا فماذا استفاد البرلمانيون "الإسلاميون" من هذا القرار طوال السنوات الماضية؟ هل استطاعوا أن يأسلموا القوانين من خلالهما؟ ألم يكن القرار موجودا والخمارات وبيوت البغاء مفتوحة على مصراعيها بقوة القانون؟ والكتب تؤلف والإعلام ينضح بالسخرية من الله وكتابه ورسوله؟ والدعوة تحارب والأنفاق تُردم على أهل غزة والمسلمات يُسلَّمن للكنيسة...هل استفاد الإسلاميون من قرار المحكمة الدستورية في وقف هذا كله؟ بل سُنت قوانين جديدة مخالفة للشريعة في ظل وجود هذا القرار, وبقيت الشريعة غائبة عن القوانين الجنائية والسياسية والعسكرية والتجارية والإدارية. فلِمَ لم تُستخدم هذه المادة لإبطال هذه القوانين المخالفة لشرع الله؟



فموافقة حكم شرعي في حادثة أو حادثتين لا يزيد عن أن يكون استنزافا لطاقات الإسلاميين وإيهاما لهم بوجود أمل في أسلمة الواقع من خلال الدستور الوضعي المهترئ...



كان هذا السبب الأول لقولنا أن حكم أو قرار المحكمة الدستورية لا يعين أبدا على تطبيق الشريعة. السبب الثاني والأهم:
هو أن الدستور والمحكمة الدستورية يُخضعان الشريعة لحكم البشر! فما يطبق من أحكام الشريعة لا يطبق لأنه حكم الله، بل لأن الدستور ومحكمته ومن ثم البرلمان أذنوا لهذا الحكم بالتطبيق. وهذا ليس من الإسلام في شيء، بل هو تأليه للبشر بجعلهم حكاما على شريعة رب البشر متحكمين بها.



إن المادة الثانية لا تُعرض من الناحية الدستورية البحتة على أنها (حكم الله أو شرعه) الذي لا راد له ولا معقب، بل تعرض على أنها (اختيار وحكم الشعب) القابل للأخذ والرد والتعديل، لأن سلطة الشعب والبرلمان فوق الشريعة وحاكمة عليها! ومن حق البرلمان أن يعدلها أو يلغيها في أي وقت متى توفرت الأغلبية اللازمة لذلك بموجب الدستور، وبالتالي فهي لم تُـشـرع على أنها تعبد لله أو إذعان لحكمه أو تسليم له ولشريعته، بل شرعت لأنها توافق هوى البرلمان وحكمه واختياره!



فالدستور يخضع الشريعة لأهواء البشر في كل المراحل:
فأولا: وجود المادة الثانية منوط بإرادة البرلمان. فالمادة 189 من دستور 71 تقول: (لكل من رئيس الجمهورية ومجلس الشعب طلب تعديل مادة أو أكثر من مواد الدستور)، وهذا طبعا يشمل المادة الثانية. وكذلك المادة 60 من الإعلان الدستوري تعلق العمل بالدستور بموافقة الشعب عليه، دون أدنى إلزام بوجوب موافقته للشريعة. وبالتالي فليس في الدستور ما يُلزم ببقاء المادة الثانية.



ثانيا: قررت المحكمة الدستورية أن تأثير المادة الثانية يقتصر على (القوانين التي صدرت بعدها فقط)! أما القوانين القديمة فلا تأثير للمادة الثانية عليها.



ثالثا: لا سيادة للمادة الثانية على بقية مواد الدستور، فتأثيرها يقتصر على (القوانين) فقط، وليس على (مواد الدستور) الأخرى. بل نص من يُسمون فقهاء الدستور على تقييد مادة الشريعة الإسلامية بباقي مواد الدستور المخالفة للشريعة، فقد قال السنهوري في وسيطه: (يراعى في الأخذ بأحكام الفقه الإسلامي التنسيق ما بين هذه الأحكام والمبادئ العامة التي يقوم عليها التشريع المدني في جملته، فلا يجوز الأخذ بحكم في الحكم الإسلامي يتعارض مع مبدأ من هذه المبادئ، حتى لا يفقد التقنين المدني تجانسه وانسجامه) [الوسيط في القانون المدني للسنهوري 1 / 48 - 49]ـ
وقال المستشار حامد الجمل: (والمادة الثانية لا يمكن تفسيرها وحدها، بمعزل عن المواد الأخرى فى الدستور، ومنها ما يتعلق بالمساواة، وعدم التمييز بين المواطنين).
يعني إذا خالف حكم من أحكام الشريعة مبدأً من مبادئ الدستور كسيادة الشعب والمدنية والمواطنة وحرية الردة وولاية الكافر وغيرها، فما الحل؟ الحل أن يرد حكم الله ويُعمل بحكم الدستور، إذ لا يجوز عندهم أن يُعمل بحكم الله في هذه الحالة...((كبرت كلمة تخرج من أفواههم)).


رابعا: تحديد ما إذا كانت القوانين الجديدة موافقة أو غير موافقة للمادة الثانية لا يخضع لأية أسس شرعية. فالجهة المخولة بتحديد ما إذا كان القرارات الجديدة مخالفة للمادة الثانية أم لا هي المحكمة الدستورية، التي ليس لأعضائها أهلية شرعية بل يحكمون بإعمال الدستور ولا يخضعون في تقييمهم لأية معايير شرعية. وبالتالي فتفسيرهم للمادة الثانية، والذي فرح به الإسلاميون البرلمانيون، هذا التفسير قابل للطعن، والمحكمة قد تغير رأيها، وأعضاؤها قد يتغيرون، وليس هناك ما يلزم ببقاء قرارها ما دام أن المحكمة ذاتها لا تتخذ الشريعة مرجعية بل تُخضع الشريعة لقواعد الدستور الوضعي.



خامسا: المادة الثانية ليس لها أي تأثير أو سلطة أو سيادة على البرلمان في عملية إصداره لقراراته، ولا تجبره على قبول أي حكم شرعي.
فإذا كان القانون المراد تشريعه أمراً من الفرائض أو الواجبات الشرعية مثل فرض الزكاة مثلا. فمن حق البرلمان دستوريا حينئذ أن يرفض حكم الله طبقا لرأي الأغلبية. فإن رفضت الأغلبية حكم الله فلا أحد يجبرهم عليها، ولا حتى المحكمة الدستورية.



سادسا: على فرض أن البرلمان وافق على حكم من أحكام الله، فإنه لا يصدر إلا بعد أن يُنزع عنه صفة أنه حكم الله ويُكسى بصفة (حكم الشعب)، ليعطيه صفة برلمانية دستورية. وهذا هو حرفيا معنى المادة الثالثة التي تقول:
(السيادة للشعب وحده)، والمادة الرابعة والعشرين التي تقول: (تصدر الأحكام وتنفذ باسم الشعب)، أي لأن الشعب أرادها، إذ هو في الدستور يحكم لا معقب لحكمه.
قال المستشار حامد الجمل: (وهناك مسألة مهمة ترتكز على أن الشريعة الإسلامية لا تطبق بقوة نصوص الدستور، ولكن تطبق بإرادة المشرع المصري) [جريدة "الأهرام اليوم" الجمعة 1 ابريل 2011]ـ
أي أنها لا تطبق لأنها شريعة الله، ولا لأن الدستور اعتبرها مصدرا، ولكن يطبق منها ما يأذن البرلمان المشرع بتطبيقه من حيث هو حكمه لا من حيث هو حكم الله.
- وهذا هو نص فلاسفة الدولة المدنية كتوماس هوبز الذي قال: (إنَّ الكتابَ المقدسَ لا يصبحُ قانونًا إلَّا إذا جعلَتْهُ السُّلطةُ المدنيَّةُ الشرعيَّةُ كذلِكَ) (ص/258).



سابعا: المادة الثانية لا سلطان لها على القضاة في المحاكم وإنما هي تخاطب "المشرعين" في البرلمان. وبهذا أفتت المحكمة الدستورية العليا واستندت إلى المادة (165) في الدستور التي تنص على أن (الحكم في المحاكم بالقانون)، وشبيه بها مـــــادة 46 من الإعلان الدستوري التي تنص على أن (السلطة القضائية مستقلة وتتولاها المحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها، وتصدر أحكامها وفق القانون). ولهذا يمنع أي قاضٍ من أن يحكم بالشريعة بدلاً من القانون الوضعي، ومعروف في ذلك حادثة القاضي المصري المستشار محمد محمود غراب الذي حكم بالحد الشرعي على رجل ضبط بحالة سكر بَيِّن بالطريق العام، فنُقض حكمه بموجب الدستور وتم عزله من العمل القضائي.



ملخص القول أن الشريعة الإسلامية في الدستور المصري ليست حاكمة بل هي محكومة. وتجدر الإشارة أني في هذه الحلقة أنقل كثيرا عن مبحث على الإنترنت بعنوان (المادة الثانية في ميزان الإسلام، حقائق مغيبة)، لم يُحدد كاتبه, وهو مبحث عظيم النفع جدا، من أرقى ما قرأت في طريقة توثيقه وعرضه وتأصيله، جزى الله كاتبه خير الجزاء، وأنصح إخواني جميعا بقراءته والاستفادة من منهجيته التوثيقية التحليلية.



هذه هي المادة الثانية وهذا هو تفسير المحكمة الدستورية لها في سياق الدستور...مادة مقيدة قاصرة مموهة مبتورة مزوية محكومة ذليلة، بينما شريعة الله عزيزة قاهرة مطلقة واضحة حاكمة.



إخواني، وأنا أحضر هذه المادة ماعت نفسي وكدت أصاب بالغثيان لما أراه من تجرؤ البشر على ربهم. ألا لعنة الله على الظالمين ((الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا))... والله إن هجران شريعة الله بالكلية لأقل وقاحة من العبث بها والتعالي عليها وإخضاعها لأهواء البشر بهذا الشكل. ألا لعنة الله على قلوب تشمئز إذا ذكر الله وحده، وشاهت وجوه ترفع جبهتها رفضا لشريعته، وذلت نفوس تستعلي على رب العزة.



ثم ماذا أصابكم أيها "الإسلاميون" البرلمانيون؟ أهذه المادة التي تصرون على بقائها وتعتبرونها خطا أحمر؟! أهذه المادة التي تريدون تفعيلها لا تعديلها؟! أهذه المادة التي تبررون بها قسمكم على احترام الدستور؟! أهذا الدستور الذي يسميه بعضكم دستورا محافظا وجيدا؟! أهذا الدستور الذي لا يحتاج سوى تعديلات طفيفة؟!



هل أسمى أمانيكم أن تعرض أحكام الله على البرلمان حكما حكما، ثم تلتمس أعذار لهذه "الأحكام" من القوانين الوضعية، فيستمع البرلماني صاحب البول والغائط لهذا الحكم وهو ساحل في كرسيه واضع رجلا على رجل يهز قدمه ويتثاءب. ثم يصوت، فإن لم يعجبه حكم الله هز حاجبه ورفع يده بالرفض، كصورة دكتاتور يأمر بأخذ سجين للإعدام! وإن وافق فلسان الدستور يقول: ليس لأنه حكم الله بل لأنه حكم البرلمان؟!



والله لو لم يكن من مفسدة لتنازلاتكم إلا تهزيل صورة الشريعة بهذا الشكل لكفى. شريعة الله أيها البرلمانيون لا تطبق من خلال ثغرة في الدستور والقانون فاربأوا بها عن هذا المقام الدنيء. ولا والله لا معنى للتشبث بهذه المادة وسط ركام من جعل البشر أربابا يشرعون من دون الله وتجب لهم الطاعة بنص الدستور.

-لم تغيِّر المادة ولا تفسيرها من حقيقة الدستور المصري شيئا، بل بقي الدستور تمرغا في وحل العبودية للبشر. حاكها أرباب الدستور وقيدوها بمواده لتكون ((كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا ووجد الله عنده فوفاه حسابه والله سريع الحساب () أو كظلمات في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض)) ظلمات في نصها وظلمة في سياقها وظلمة في تقييدها وظلمة في قصورها وظلمة في تفعيلها ((إذا أخرج يده لم يكد يراها ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور))

هذا الدستور لم يجعل الله له نورا، فما له من نور، فوالله أيها البرلمانيون، لو أوقدتم له ألف شعلة ورقعتم له ألف خرق فما له من نور ولا لجيفته إلا القبور. فبطلانه بطلان أصلي لا يُصلح، وكسره لا ينجبر وما بني على باطل فهو باطل.



خلاصة الحلقة: المادة الثانية موجودة في الدستور باسم الشعب، وهي قابلة للإلغاء، ولا تفعَّل في القوانين السابقة لها، وهي مقيدة بمواد الدستور غير الشرعية، وتفسيرها لا يخضع لأسس شرعية، ولا تجبر البرلمان على القبول بحكم شرعي، وإن تسبت في إصدار قانون فإنما يُصدر باسم الشعب لا لأنه حكم الله.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
المثنى 2007
عضو فعال
عضو فعال
المثنى 2007

شكرا لتفاعلك ومشاركتك
اللهم اغفر له وارحمه وتجاوز عنه


تفريغ سلسلة نصرة للشريعة للدكتور إياد القينبي  Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفريغ سلسلة نصرة للشريعة للدكتور إياد القينبي    تفريغ سلسلة نصرة للشريعة للدكتور إياد القينبي  I_icon_minitime7/2/2013, 12:40 pm

السلام عليكم
الحلقة العشرين
هل ينال شرع الله بالقسم على مخالفته

[وحدهم المشرفون لديهم صلاحيات معاينة هذا الرابط]

السلام عليكم ورحمة الله. أحبتي الكرام دعونا نرتب أفكارنا. في حلقة (عبودية الديمقراطية وبداية الزلل) بينا بداية أن النظام الديمقراطي قائم على جعل التشريع لغير الله تعالى، ثم بينا أنه محبوك بحيث يخلع "الإسلاميون" الشريعة على أعتاب البرلمان، وأن أول باب يخلعون عليه دعوى تطبيق الشريعة هو قبولهم بقوانين الأحزاب التي تمنع من قيام حزب على أساس ديني، وأن هذا يجعلهم يستمدون "شرعيتهم" البرلمانية من الشعب الذي انتخبهم، وليس من الشريعة، وهو بالتالي تسليم منهم بمبدأ الديمقراطية.

ثم بينا أن الباب الثاني الذي لا يبقي أية بقية من دعوى تطبيق الشريعة هو القسم على احترام الدستور الوضعي المصري. بينا نصوصا من هذا الدستور ترد التشريع إلى الشعب وتصدر الأحكام باسمه, وبالتالي فإن القسم على احترامه هو قسم على احترام إعطاء البشر صفة من صفات الربوبية، ألا وهي التشريع. ثم ذكرنا أحد أعذار البرلمانيين ألا وهو وجود المادة الثانية في الدستور التي تجعل الشريعة المصدر الرئيس للتشريع. لكننا وضحنا في الحلقتين الأخيرتين انعدام قيمة هذه المادة، بل أن عدمها أقل جرأة على الله من وجودها بنصها وسياقها وتحكم البشر فيها. هذا ما وضحناه في الحلقتين الأخيرتين.

إذن فليسلم معنا المنصف بأن القسم على احترام الدستور المصري هو قسم على احترام شرك التشريع: جعل البشر مشرعين من دون الله. ولا خفاء في حكم قسم كهذا في دين الله عز وجل. بل لو قال قائل: (أحترم أن يكون التشريع للبشر من دون الله) أو قال: (ليس التشريع لله) هكذا دون قسم، فهذا القول ينقض إيمانه. فكيف عندما يقسم على ذلك، وكيف عندما يقسم بالله العظيم على الشرك بالله العظيم؟!

إذن فليسلم معنا المنصف بأصل الحرمة ابتداء كخطوة أولى. في الخطوة الثانية تعالوا نستعرض أعذار البرلمانيين "الإسلاميين" التي يبررون بها قسمهم هذا ليخرجوه عن أصل الحرمة ونعرض هذه الأعذار على ميزان الشرع:

في الواقع عند استعراض هذه الأعذار ترى مناقشةً للموضوع بمنظور مختلف تماما عن المطلوب، وكأننا نتكلم عن لمم من الإثم لا عن قضية متعلقة بالإيمان ونقضه!
فأول هذه الأعذار: أن بعض النواب "الإسلاميين" يقولون عقب قسمهم: (فيما لا يخالف شرع الله)!
فأقول إخواني: في حل المعادلات الرياضية نرفع الرمز ونضع مكانه الرقم الذي يساويه. في حالتنا هذه:

الدستور والقانون الوضعيان = جعل التشريع للبشر إن كان هذا التعبير أخف وقعا من وصف الكفر بأن الله تعالى هو المشرع.
فعندما يقول البرلماني "الإسلامي": (أقسم بالله العظيم أن أحترم الدستور والقانون بما لا يخالف شرع الله)، فماذا يختلف عن قول: (أقسم بالله العظيم أن أحترم جعل التشريع للناس من دون الله العظيم بما لا يخالف شرع الله)؟! ماذا يختلف عن قول: (أقسم بالله العظيم أن أحترم سلب التشريع عن شرع الله بما لا يخالف شرع الله)؟!
ولذا فهذا القسم محال التطبيق كمن يقول: أقسم بالله أن أقعد واقفا وأنام صاحيا!

إخواني هذه ليست مبالغة ولا تحميلا للكلام ما لا يحتمل...هذا نزع أغلفة الزينة لنكتشف مرارة واقع المسألة.
والعجيب أن القاعة تضج بالتصفيق عندما يصر النائب عليها وكأنه فعل ما عليه وتجنب الإثم والخطأ!

فمثل هذا القسم تلبيس على الناس، وتمييع لمفهوم أن الدستور يصادم الشريعة مصادمة كاملة كلية جذرية. فالدستور شريعة البشر القائمة على جعل التشريع للبشر، فهو على النقيض من شريعة الله.
المسألة ليست أنه يحتوي على مواد مخالفة بل هو المخالفة ذاتها.

العذر الثاني: أن البرلماني يغير نية القسم في قلبه.
فمنهم من قال: ينوي أنه يحترم المادة الثانية أو ما لا يخالف الشريعة، وقد بينا بطلان هذا كله فيما تقدم. وقال بعضهم: ينوي بقلبه أنه يحترم القرآن، الذي هو دستور المسلمين. ثم يسترسلون في بيان أحكام التورية وأن النية يمكن أن تكون على نية الحالف لا المستحلف وتضيع القضية في هذه التفاصيل التي ليست هي محل نقاشنا. ويتغاضى تماما الحديث عن التلبيس الحاصل على الناس في أخطر قضايا عبوديتهم لله تعالى وخضوعهم لشرعه.

نسأل البرلمانيين هنا سؤالا طرحناه من قبل:
أنتم عندما دخلتم البرلمان وأقسمتم هذا القسم، ما هدفكم تحديدا؟ إصلاحات جزئية أم إقامة الشريعة؟

أما إن كان الهدف إصلاحات جزئية، فهل يجوز القسم على احترام جعل التشريع للبشر بدلا من الله، ولو توريةً، من أجل هذه الإصلاحات؟

وأما إن قلتم هدفنا إقامة الشريعة، فهنا لا بد من وقفة.
فنقول: هل يُتصور إقامة الإسلام بالقسم على إضفاء صفة من صفات الربوبية على البشر؟! وهل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليفعل ذلك؟ لو قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (اسجد لصنم من أصنامنا مرة ونسمح لك حينئذ بأن تحكمنا بما شئت)، هل كان سيقول: (أسجد أمام الصنم بنية أن سجودي هذا لله لا للصنم في مقابل هذه المصلحة العظيمة)؟

إجابة عن هذا السؤال تعالوا نتذاكر قول الله تعالى لحبيبه محمد صلى الله عليه وسلم: ﴿وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذاً لاَّتَخَذُوكَ خَلِيلاً ﴿73﴾ وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً ﴿74﴾ إِذاً لَّأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيراً﴾

إذا استعرضنا ما ورد في سبب نزول هذه الآية وجدنا أن قريشا طلبت من رسول الله أن يظهر شيئا من الاحترام لأصنامهم، شيئا يسيرا دون العبادة، كأن يمس أصنامهم مسا...فإن فعل دخلوا في دينه...قالوا: (يا محمد تعال فاستلم آلهتنا وندخل معك في دينك). وقد ذهب عدد من أهل العلم إلى أنه عليه الصلاة والسلام لم يقع منه ولا حتى مقاربة الميل إلى تلبية طلبهم، وذلك بتثبيت الله له. إلا أن الله تعالى بين أنه لو وقع منه عليه السلام ركون قليل إلى ما طلبوه لعذبه عذاب الضعف في الحياة وعند الممات! ﴿إِذاً لَّأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيراً﴾...العبادة لم تحصل، بل ولا إظهار الاحترام، بل ولا الميل إلى إظهار الاحترام...ومع ذلك يأتي الوعيد الشديد من الله تعالى على الحالة الافتراضية من حصول الميل إلى إظهار شيء يسير من الاحترام مهما كان المقابل مغريا. ذلك أن جناب التوحيد لا بد أن يبقى ناصعا واضحا وأن يُحرس حراسة عظيمة ولا يحام حول حماه. والخطاب لرسول الله خطاب لأمته من بعده، والتحذير له تحذير لأمته، وإلا فهو عليه الصلاة والسلام أبعد الناس أن يقع منه هذا الركون.

إخواني قضية التلبيس الحاصلة للناس بقسم كهذا لا تعطى حقها أبدا في النقاش. فترى البرلماني يناقش مسألة التورية ونية الحالف والمستحلف ولا يأخذ في الحسبان التلبيس على الناس بقسمه هذا. في وقت نعلم فيه أن هذه الدساتير حلت محل الشريعة وعظمت أكثر من تعظيم الشريعة، بل وعقوبة سب الدستور أكبر من عقوبة سب الله تعالى. ثم يأتي البرلماني "الإسلامي" أمام الناس ليقسم بالله تعالى على احترامه وتوطيد أركانه...هذا كله لا يأخذ أدنى نصيب من النقاش والاعتبار.

انظر كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضبط ألفاظ الصحابة لرعاية جناب التوحيد مع علمه بأن ألفاظهم هذه كانت تصدر منهم بنية سليمة. فلما قيل له: ما شاء الله وشئت رد عليه السلام: (أجعلتني لله عدلا! بل ما شاء الله وحده)...وهؤلاء يلبسون على الناس بقسمٍ على ما يجعل البشر عدولا لله، بل مشرعين بدلا من الله.
لم يقل الدستور ما شاء الله وشاء الشعب، بل ما شاء الشعب وحده. وليس هذا سوء تعبير مع نية سليمة كنية الصحابة، بل نص ملزم تتبعه قوانين نافذة يعاقب من خالفها. فأين حراسة جناب التوحيد يا أصحاب القسم؟ أبهدم التوحيد والتلبيس على الناس تقيمون الشريعة؟

ثم هؤلاء الذين يقولون: (نتحمل مفسدة القسم مع التورية من أجل مصلحة إقامة الشريعة)، وقد يستدلون بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن لمحمد بن مسلمة أن يوري أمام كعب بن الأشرف اليهودي بكلام يظهر منه عدم القناعة بالإسلام إذ قال: (إن هذا - يعني النبي صلى الله عليه وسلم - قد عنانا وسألنا الصدقة) وقال: (فإنا قد اتبعناه فنكره أن ندعه، حتى ننظر إلى ما يصير أمره)...أذن له أن يقول هذا الكلام ليأمنه كعب بن الأشرف فيتمكن محمد بن مسلمة من قتله وإراحة المسلمين من شره وتأليبه للكافرين على رسول الله.
فنقول: هل تصلح هذه الحادثة للاستدلال على واقعكم؟ هل واقعكم كواقع محمد بن مسلمة إذ ورى –بإذن النبي- تورية في لحظة فاصلة القصد منها خلع الكفر من جذوره ودحره؟ دون أن يتبعه أي عمل مخل بالإيمان ودون تلبيس على المسلمين في قضية الاحتكام إلى الشريعة؟ ودون أن يكون عمله هذا خداعا للمسلمين قبل الكافرين. ودون أن يتحول الدين عنده إلى تقية سياسية تضعف فيه ثقة الجماهير الإسلامية.
هل كل ما يطلب منكم هو هذا القسم الذي به تدخلون قمرة القيادة لقطار البلد لتعلنوا منها ان الحكم لله وأن كل دستور خالفه فهو باطل وتحرفوا على الفور مسار القطار لتضعوه على سكة الشريعة؟ هل المسألة بهذه البساطة؟
أم أن واقع الأمر أن البرلمانيين يقسمون ليدخلوا مجلسا تشريعيا تظله قوانين الدستور التي تجعل التشريع للشعب والأحكام صادرة باسم الشعب. وإنما يصول البرلمانيون بعد ذلك ويجولون وفق مواد هذا الدستور، فانخراطهم في مجلس كهذا هو احترام عملي للدستور يصدق عمليا ما أقسموا عليه بألسنتهم، ولسان الحال أبلغ من لسان المقال. فلا هي لحظة فاصلة بين الإيمان والضلال، ولا هو قسم يتبعه استئصال الجاهلية من جذورها، بل يتبعه فعل محرم في ذاته، ويلبَّس به على الناس وكأنه خداع لهم قبل أن يكون خداعا لأعداء الشريعة!

فالبرلمانيون يقسمون قسمهم ليدخلوا قمرة القيادة لقطار يسير على سكة مرسومة. لا يهم من في قمرة قيادة هذا القطار طالما أنه يسير على السكة الديمقراطية المرسومة له مسبقا. فالمطلوب تغيير السكة لا تغيير الطاقم في قمرة القيادة.

إذن فعند مناقشة جزئية القسم ينبغي وضعها ضمن المنظومة والسياق الديمقراطي الذي افتَعل القسم ليكون إعلانا باللسان يتبعه إعلان بالعمل أن مرد التشريع إلى البرلمان. فبالإضافة إلى إشكاليتنا مع القسم ذاته فالإشكالية مع سياقه وما يُقسَم من أجله أكبر.

لعل قائلا يقول: لماذا تركز على هذه المواد من الدستور ولا تذكر المواد الأخرى التي تحفظ للمواطن إنسانيته وحريته وكرامته ومساواته بالآخرين؟ وليسمح لي من يتساءل تساؤلا كهذا أن أقول له: هان عليك حق الله تعالى! ما من مبدأ جاهلي قديم ولا حديث إلا وفيه هذه الشعارات الرنانة عن الحرية والمساواة، لكن ما الفائدة إن ضُيع حق الله تعالى؟ عندما نتكلم عن إشراك العباد مع الله في صفة من صفاته فإن نقطة من هذا التجرؤ على الله لو وضعت في محيط من الحسنات لأفسدته...((ولقد أوحينا إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين)).
ثم لعل قائلا يقول: (كل هذا من أجل كلمة، كلمة يقولها القائل ونيته طيبة وقصده شريف)؟! فنذكر أن المرء يدخل الإسلام بكلمة، ويخرج منه بكلمة، وأن الله وصف قولا فيه شرك بأنه ((تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا))...ونذكر بحديث البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله ، لا يلقي لها بالا ، يهوي بها في جهنم)).

إخواني كان هذا فيما يتعلق بالضمانات التي وضعتها الديمقراطية لتضمن بها حماية نفسها كنظام بشري وضعي وتمنع التسلق من خلالها لتطبيق شريعة الله عز وجل. الحلقة القادمة هي في نظري أهم حلقات السلسلة تعرض لحقيقة كبرى غُيبت والتبست على كثير من الخاصة فضلا عن العامة فانتظروها واسألوا الله لأنفسكم ولأخيكم وللمسلمين الهداية والعصمة من الفتن. والسلام عليكم ورحمة الله.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
المثنى 2007
عضو فعال
عضو فعال
المثنى 2007

شكرا لتفاعلك ومشاركتك
اللهم اغفر له وارحمه وتجاوز عنه


تفريغ سلسلة نصرة للشريعة للدكتور إياد القينبي  Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفريغ سلسلة نصرة للشريعة للدكتور إياد القينبي    تفريغ سلسلة نصرة للشريعة للدكتور إياد القينبي  I_icon_minitime9/2/2013, 11:13 am

الحلقة (21)

السلام عليكم ورحمة الله. أحبتي متابعي سلسلة نصرة للشريعة، دعونا أحدثكم عن قصة عَجلان.
[وحدهم المشرفون لديهم صلاحيات معاينة هذا الرابط]
عَجلان رجل تعلق قلبه بسليمة...أراد خطبتها من أبيها فطلب منه مهرا عاليا. اجتهد عجلان وفكر...وقاس المصالح وقدر...هو يستطيع أن يدفع هذا المهر لكن هناك طريقة أوفر: سيأتي بالمأذون وبالعروس وبشاهدين...أما أبو سليمة فسيتجاوزه عجلان ويأتي بدلا منه بصديقه بَرمان، وهو شاب محترم متدين. سيطلب عجلان فتاته من برمان بدلا من أن يطلبها من أبيها، لأن برمان سيوافق على مهر أقل.
وبالفعل، ارتبط عجلان بسليمة وقرئ في حفلهما القرآن وكان حفلا إسلاميا بامتياز، دعي إليه المشايخ والفضلاء. عاش عجلان وسليمة في بيت واحد، وكانا يقومان الليل ويصومان النهار، كان عجلان يحرص كلما أتى أهله أن يقول: (بسم الله، اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا). أصبح لديهما أولاد. أما المال الذي وفره عجلان عندما تجنب إعطاء المهر العالي لوالد سليمة فقد أنفقه عجلان على تحفيظ الأولاد القرآن في المراكز الإسلامية.

كانت هذه، باختصار، قصة عجلان وسليمة...أسئلة تطرح نفسها وأود منك أخي أن تجيبني عنها:

1) هل زواج عجلان بسليمة زواج شرعي؟
الجواب: في الحديث الذي صح عن النبي صلى الله عليه وسلم:
((أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل ، فنكاحها باطل ، فنكاحها باطل)).

إذن فزواجهما غير شرعي.



2) كون برمان شابا محترما متدينا، ألا يضفي هذا شرعية على زواج عجلان بسليمة؟
الجواب: ما دام أن سليمة طُلبت من غير وليها فلا فرق بين أن يكون هذا البديل عن الولي شر الخلق أم رجلا متدينا. بل إن المتدين إن رضي أن يمارس هذا الدور الباطل فلا خير فيه ولا في تدينه، إذ تدينه المزعوم يضفي "شرعية" موهومة على هذا الزواج الباطل.




3) لكن ماذا عن حرص عجلان على إسلامية العرس وعلى ذكر الله كلما غشي سليمة...ألا يستحق هذا كله منا الثناء؟ أليس هذا أفضل مما لو جاء بالمغنيات في عرسه؟ أليس حرصه على قيام الليل معها أفضل من سهره معها على الأفلام الماجنة؟ أليس التقليل من شأن هذه الـ"إيجابيات" حدية وسلبية وعدم إنصاف؟ أليس لديكم أي اعتبار للجوانب "الإسلامية" من حياتهما؟
الجواب: ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا)). علاقة عجلان بسليمة دون إذن وليها علاقة خبيثة. فقراءة القرآن وذكر الله عند الجماع...هذا كله ذكر لله على استفتاح معصية! فلو أنهما أجلا الله عن ذلك لكان أقل إثما! وبقاؤهما في خلوتهما غير الشرعية يأثمان عليه حتى لو قاما الليل فيها.



4) ماذا عن الأولاد وإنفاق عجلان عليهم في دور تحفيظ القرآن؟
الجواب: بما أن النكاح باطل فالأولاد الناتجون غير شرعيين، وعجلان بصرفه مال المهر إلى دور القرآن بدلا من صرفه في مكانه ليكون نكاحه شرعيا...عجلان في ذلك آثم غير مأجور.


5) هل يعقل أن كل هذه التبعات الكارثية في علاقة عجلان بسليمة هي من خطأ واحد فقط في البداية، وهو عدم طلبها من أبيها؟
الجواب: نعم.فهذا الخطأ الواحد في البداية هو فرق ما بين النكاح الشرعي المبارك والزواج الباطل. وكل ما بني على باطل فهو باطل.

أحبتي في الله، إن تطبيق الشريعة من خلال البرلمان هو طلب للشريعة من غير وليها. فاستئذان البرلمان في تطبيق الشريعة معناه جعله حكما على شريعة الله. فإن طبق حكم من الأحكام فلا يطبق لأنه واجب التطبيق من حيث هو حكم الله، بل لأن البرلمان أذن لهذا الحكم أن يطبق. فحتى لو افترضنا أن البرلمان اختار أن يطبق الأحكام الإسلامية كاملة، فإن هذه الأحكام لا تسمى إسلامية ولا تسمى تطبيقا للشريعة لأنها طبقت باسم البرلمان لا باسم الله، كما طلب عجلان فتاته من برمان لا من وليها.

فالمسألة ليست هل سيوافق البرلمان وهل سيوافق الشعب على أحكام الشريعة أم لا. بل مجرد استئذان البرلمان في تطبيقها يسقط عن هذه الأحكام صفة أنها أحكام الشريعة ويجعلها أحكام البرلمان.


ولا فرق هنا أطبقت هذه الأحكام دفعة واحدة أم طبقت بالتدريج. فما دام أن تطبيقها مرتبط بإذن البرلمان وصادر باسم الشعب فهي أحكام الطاغوت وإن كانت موافقة في الصورة لأحكام الله. إذ أن الطاغوت كل ما عبد من دون الله بإذنه، وادعاء حق التشريع وإلزام الناس بطاعته من صفات الطاغوت.

والمسألة هنا ليست مسألة شكلية. بل هي فرق ما بين العبودية لله والعبودية للبشر من دون الله.

أنت عندما تذبح الشاة تقول (باسم الله). فإن قلتها كانت ذبيحة تتقرب بها إلى الله وكان لحمها طيبا يجوز لك أكله. إن قلت: (باسم الشعب) أو (باسم البرلمان) كنت آثما مشركا لأنك تهل بها لغير الله، والذبيحة حينئذ ميتة ويحرم عليك أكلها.

المادة 24 من الدستور المصري تقول: (تصدر الأحكام وتنفذ باسم الشعب).

أي لأن الشعب أذن بها وأرادها.


هذه الكلمة التي يراها البعض بسيطة (باسم الله أو باسم البرلمان) هي فرق ما بين التوحيد والشرك، هي فرق ما بين الاحتكام إلى الله والاحتكام إلى البشر.


البعض يظن أن تطبيق الشريعة من خلال البرلمان فرق شكلي عن تطبيقها إذعانا لله تعالى، ما دام أن الأحكام في المحصلة متفقة في صورتها. يعني يقول لك: نحن نريد أن تطبق الشريعة بأية طريقة. المهم أن نصل إلى تطبيق الشريعة.


والحق أن الاحتكام إلى البرلمان شرك، والفرق بعد ذلك بين أن تطبق أحكام موافقة للشريعة في الصورة أو مخالفة لها هو الفرق الشكلي.

إخواني هنا نقطة مهمة جدا:

تطبيق الشرع بحد ذاته لا يعتبر غاية قصوى، بل هو وسيلة لتحقيق العبودية لله عز وجلّ. فليس الهدف الوصول إلى تطبيق الشرع بشكل مجرد، بل الهدف الوصول إلى تطبيق الشرع المحقق للعبودية لله _عز وجلّ.


وإلا فأحكام الشريعة لنفعنا نحن معاشر البشر. الذي يريده الله منا أن يكون تطبيقنا لشريعته هو من باب الامتثال لأمره: ((لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم))

الهدف الأعظم من تطبيق شرع الله تعالى هو إظهار الخضوع والانقياد له تعالى وحين يخلو تطبيق الشريعة من هذا الهدف الأعظم فلا قيمة له عند الله عز وجل.



بالتالي فكل ما يريده الله منا هو هذه الكلمة: (تصدر الأحكام وتنفذ باسم الله). أما إن كانت أحكام الشريعة تصدر وتنفذ باسم الشعب ((فما كان لشركائهم فلا يصل إلى الله وما كان لله فهو يصل إلى شركائهم ساء ما يحكمون))...ليس لله في هذه الأحكام نصيب.


كل ما يريده الله منا: أن نمتثل أوامره طاعة له تعالى، له وحده. هذه هي الكلمة التي يريدها الله منا: تصدر الأحكام وتنفذ باسم الله.

تطبيق الشريعة إنما المقصود منه ان يكون مظهرا من مظاهر الإسلام. مامعنى الإسلام؟
الإسلام هو الاستسلام والانقياد التام والإذعان غير المشروط لحكم الله تعالى، وتطبيق أمر الله تعالى لأنه أمر الله، لا لأن الأغلبية وافقت عليه. استئذان البرلمان في تطبيق أمر الله شرك بالله، بل إخضاع أمر الله لأمر البشر! ((ساء ما يحكمون)).


فمن اللحظة التي تصدر فيها الأحكام باسم البرلمان فقد انهار هذا المعنى، معنى العبودية، انهيارا تاما، ولا ينفع بعد ذلك كون النواب محترمين كبرمان، ولا البسملة في بداية الجلسات كما كان يبسمل عجلان عندما يأتي أهله، ولا المظهر الإسلامي لقرارات هذا المجلس كأولاد سليمة غير الشرعيين. ولا يثنى على نشاطات هذا المجلس ولا على ما ينتج عنه من مكافحة للفساد ورفع للظلم كما لا يثنى على صرف عجلان مهر فتاته لتحفيظ القرآن عندما استثقل تبعات طلبها من وليها. فطلب سليمة من برمان جعل العلاقة غير شرعية من أولها إلى آخرها، وجعلها باطلا، وكل ما بني على الباطل فهو باطل.

لذا فإني أتألم عندما يسألني البعض: طيب يا شيخ افترض أن البرلمان نجح فعلا في تطبيق الشريعة، هل تغير رأيك في المشاركة فيه؟ وهذا السؤال منقوض من نفسه، كأنهم يقولون: افترض أن برمان نجح في جعل زواج عجلان بسليمة زواجا شرعيا. هل ستغير رأيك في علاقتهما وتعتبرها شرعية؟ لن تكن علاقتهما شرعية إلا إذا طلب عجلان فتاته من وليها وتحمل تكاليف ذلك.

هذا المبدأ على وضوحه وبداهته أصبح-للأسف الشديد- موضع نقاش. وهذا من الثمار السلبية لمواقف الأحزاب "الإسلامية" من العملية الديمقراطية وتصريحاتهم المتخبطة بخصوص تطبيق الشريعة. في الواقع إخواني أهم أهداف السير في هذه السلسلة كان التنبيه على هذه الثمار المشؤومة لأخطاء الأحزاب "الإسلامية" ومن ثم تشخيصها وتحديد أعراضها وعلاجها. هذا المحور سيكون موضوع الحلقات القادمة يتبعها بإذن الله محاور أخرى مهمة. فتابعوا معنا.

اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون. اهدنا لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
المثنى 2007
عضو فعال
عضو فعال
المثنى 2007

شكرا لتفاعلك ومشاركتك
اللهم اغفر له وارحمه وتجاوز عنه


تفريغ سلسلة نصرة للشريعة للدكتور إياد القينبي  Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفريغ سلسلة نصرة للشريعة للدكتور إياد القينبي    تفريغ سلسلة نصرة للشريعة للدكتور إياد القينبي  I_icon_minitime10/2/2013, 9:25 pm

الحلقة( 22)
السلام عليكم
مفاسد "الإسلاموقراطية" التي لا تعدلها مصلحة

[وحدهم المشرفون لديهم صلاحيات معاينة هذا الرابط]
•أحبتي الكرام نحن اليوم على موعد مع موضوع في غاية الأهمية، وهو الأضرار العقدية التي نتجت عن أخطاء الـ"إسلاميين" في عملهم السياسي.


•إخواني، في هذا المحور من السلسلة سنسير بإذن الله على النحو التالي، وهنا تفصيل دقيق فأرجو التركيز:

•- سنوضح الأضرار العقدية الفكرية المنهجية التي أصابت كثيرا من المسلمين جراء الممارسات السياسية الخاطئة لبعض الــ"إسلاميين". وهذا سينقلنا إلى الخطوة التالية:


•- حيث سنقول لهؤلاءالـ "إسلاميين": أنتم بررتم ممارساتكم السياسية هذه باستخدام قاعدة المصلحة والمفسدة. قلتم أن ممارساتكم السياسية تجلب مصالح أعظم من المفاسد الناتجة عنها. الآن وبعد أن بينا في الخطوة الأولى حجم المفاسد الناتجة عن ممارساتكم.

•تعالوا نطبق قاعدتكم التي ناديتم بها ونعيد الحساب لنرى أن المفاسد العقدية المنهجية التي حصلت حتى الآن أكبر من كل مصلحة موهومة مظنونة تتمنونها. وبالتالي فقواعدكم النظرية نفسها تقود إلى تحريم ممارساتكم.


•- ثم في الخطوة الثالثة سنبين أننا لا نقر أصلا بطريقة الـ"إسلاميين" البرلمانيين في استخدام قاعدة المصلحة والمفسدة. وسنبين الانحراف الشديد في تطبيق هذه القاعدة بحيث هدمت قواعد الإسلام وأنتجت في النهاية دينا جديدا ليس هو دين الإسلام


•إذن سنمهد اليوم للحديث عن الآثار الكارثية لانخراط "الإسلاميين" في العملية الديمقراطية ولموقفهم المتخبط من الشريعة وللتنازلات التي قدموها...آثار ذلك كله على عقائد المسلمين وتصوراتهم.

•نحن عندما نقول آثار كارثية على عقيدة المسلمين، ماذا نقصد؟ سأذكرها هنا على عجالة والتفصيل يأتي في الحلقات القادمة لنعرف موطن الخلل ونعالجه بإذن الله. والمتابع للمواقف والتغيرات التي طرأت على فكر الناس ولغة خطابهم سيحتشد في ذهنه الكثير من الشواهد لكل أثر أذكره.

•من هذه الآثار أن كثيرا ممن ينتسب إلى الإسلام أُشرب المبادئ الديمقراطية في قلبه وأصبح ينادي بها ويدعو إليها ويدافع عنها...مع أن قوى الغرب وعملاءَهم من العلمانيين فشلوا عبر عقود في ترويجها في بلاد المسلمين، فكان حصان طروادة الذي روجها في النهاية هم بعض "الإسلاميون" أنفسهم.

•من هذه المبادئ التي راجت:

•- أن الشعب هو صاحب السلطة التشريعية الذي له الحق في أن يشرع لنفسه ما يشاء،
•- وأن إرادته محترمة وإن صادمت الشريعة، فالحق ما أحقه الشعب والباطل ما أبطله

•- منها ضياع عقيدة الولاء والبراء


•-والتسويةُ بين المسلم والكافر على أساس المواطنة حتى فيما فرق الشرع فيه من حيث المعاملات، بل والتسوية بينهما تسوية قيمية ذاتية
•- منها وضع الإسلام على قدم المساواة مع الأديان الأخرى ومع المناهج الوضعية

•- منها أنه تميعت في النفوس حقيقة أن الإسلام هو الحق المطلق وما دونه باطل وضلال

•- وقل شأن الشريعة في النفوس فأصبحت بعض القيم المنادى بها كالحرية وتقوية الاقتصاد مقدمة على الشريعة

•-وضعفت الثقة في رصيد الفطرة الذي أودعه الله في نفوس عباده لينجذبوا إلى شرعه


•من هذه الآثار لممارسات الإسلاميين الديمقراطيين

•أنها:

•- جعلت كثيرا من المنتسبين إلى الإسلام يسوغون ويبررون الحكم بغير ما أنزل الله ويصفونه بالعقلانية والواقعية

•- ويقبلون بالاحتكام إلى القوانين الوضعية

•- ويكرهون أحكاما هي في حقيقتها من الشريعة بل ويستهزئون بها


•-ويرون شرع الله غير صالح للتطبيق في بعض الأمكنة والأزمنة ويتخوفون من تطبيقه

-- ويتصورون أن أخلاق الناس وسلوكهم يمكن أن تَصلح بقوانين وضعية بدلا من الشريعة

-من هذه الآثار:

•- ضياع معنى العبودية لله وضياع قضية أن الحكم لله


- وهزلت صورة الشريعة بحيث راجت فكرة أنْ تُعرض أحكام الله على العبيد ليختاروا منها ما شاؤوا
- وتصور البعض أن الشريعة تقبل أن تكون ترقيعية للأنظمة الجاهلية
•من هذه الآثار أن الناس راجت بينهم افتراءات على أنبياء الله،

•مثلَ فرية أن رسول الله تنازل في الحديبية، وعطل بعض الحدود خوفا من ردة الفعل!

• بل نسبوا إلى أنبياء الله تقديم بعض القيم على الدين مثل فرية أن هارون قدم الوحدة القومية على التوحيد، بل ونسبوا إليهم أعمالا كفرية مثل فرية أن يوسف عليه السلام حكم بغير ما أنزل الله.

•من هذه الآثار:
•-تعود الناس على عدم احترام الدليل الشرعي، ومعارضتِه بالحجج "العقلية"، وشيوعُ علمانية مغلفة بغلاف سلفي!
•من هذه الآثار:
•- أن "الإسلاميين" أنفسهم بممارساتهم وتصريحاتهم ثبطوا المارد الإسلامي المنتفض وفرغوا الشحنة الهائلة التي سرت في الشعوب الإسلامية إبان الثورات العربية ونزلوا بسقف طموحاتها وحدوا من آمالها...


•درو اعتدناه من أعداء الإسلام الصرحاء، لكنه هذه المرة –وللأسف- مارسه من يوصفون بأنهم إسلاميون.
•من هذه الآثار:
•- تبرير التفلت من أوامر الله عز وجل ونواهيه تحت مسمى التدرج، بحيث أصبح التدرج شعاراً فكرياً ينادى به وتبرر به الممارسات على مستوى المؤسسة والعائلة، بل والفرد، وهذا من أخطر الآثار.

•من هذه الآثار لممارسات البرلمانيين:

•- أنها أضفت "شرعية" في عيون الناس على الأنظمة الجاهلية بعدما تزلزلت أركانها، فأعطت لهذه الأنظمة قبلة الحياة.

•من هذه الآثار:

•-أنها هزت صورة الدعوة والدعاة في نفوس الناس، فظهر الدعاة ميكافيليين براغماتيين نفعيين متلونين يمارسون التقية السياسية وينافسون أهل الباطل على دنياهم ومناصبهم، مما سيضرب دعوتهم في الصميم وينفر الناس عنها.

•من هذه الآثار:

•-أنها روجت للانهزامية النفسية، بحيث يُحسب ألف حساب للنصارى في بلاد المسلمين وللعلمانيين فيصبح التفكير في رضاهم وسواسا قهريا يحكم التصرفات والتصريحات، ويُلتمس رضاهم أكثر مما يُلتمس رضا الله عز وجل.


•ومن أهم الآثار للممارسات السلبية لبعض الـ"إسلاميين":

•-الاستهانة بهذه الآثار المتقدم ذكرها جميعا، وعدم إعطائها أي وزن عند مقارنة المصالح الموهومة بالمفاسد. وقد حصلت الاستهانة من كثير من العلماء والدعاة أنفسهم،

•وهذا يرسل للعقل الجمعي واللاشعور رسائل في غاية السلبية، حيث تقلل هذه الاستهانة من شأن العقيدة وسلامتها وتقلل النفور مما يضادها من باطل.

•هذه الآثار السلبية كلها تكاد لا تُذكر أبدا عند مقارنة المصالح بالمفاسد، مع أن كل أثر منها ينطبق عليه قول الله تعالى: ((تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا))!

•هذه الآثار الكارثية لو مُزج أي منها ببحر من المصالح لأفسده.

•هذه الآثار السلبية يمكن تلخيصها بكلمتين: ضياع الدين!


•وبعد هذا كله يتساءل البعض: لماذا لا توجه نصائحك في هذه السلسة بشكل شخصي إلى الأحزاب الإسلامية وقياداتها بدلا من نشرها على العلن؟

•والجواب إخواني أن أهم ما دفعني إلى السير في هذه السلسلة هو هذه النتائج الكارثية على عقائد الناس وتصوراتهم وأفكارهم والتي تتحملون أنتم يا بعض "الإسلاميين" القسط الأكبر منها جراء ممارساتكم الخاطئة. هذه الأخطاء تمت في العلن وكانت آثارها السلبية عامة، فلا يصلح معها الإسرار إلى الخاصة.

•ولا بد من التأكيد على أننا إنما نستخدم مصطلح "الإسلاميين" في هذا المقام تجوزا واختصارا. فنحن نقصد بالمصطلح من يُجوز التغيير من خلال البرلمانات والانتخابات الرئاسية ضمن المنظومة التشريعية الديمقراطية والدساتير الوضعية.

•وهذا الطرح لا نُقر أبدا بأنه إسلامي أصلا، خاصة بعد استعراض آثاره الخطيرة الهادمة للإسلام. ولذا فسنميل إلى استخدام مصطلح (دعاة الديمقراطية) بدلا من "إسلاميين".

ونُذَكر أيضا بأننا نعي وجود أحزاب وتوجهات إسلامية وأفراد عاملين على تغيير الواقع بطرق نرى فيها صوابا وخطأ، لكنهم على الأقل سلموا من سلوك طريق الديمقراطية والتنازلات ومن التبرير لها.


فليس النقد والتصويب في هذه السلسلة بالذات موجها لهؤلاء.


نعود فنقول: هل تنبأ العلماء من قبل باحتمالية حصول شيء من الآثار السلبية المذكورة؟ الجواب: نعم. لكن، هل اتخذوا منها الموقف المناسب بعد ظهورها؟ هذا ما سنعرفه في الحلقة القادمة بإذن الله.

خلاصة الحلقة: مسلك دعاة الديمقراطية نتج عنه أضرار على عقائد الناس هي شر من كل مصلحة مرجوة.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
المثنى 2007
عضو فعال
عضو فعال
المثنى 2007

شكرا لتفاعلك ومشاركتك
اللهم اغفر له وارحمه وتجاوز عنه


تفريغ سلسلة نصرة للشريعة للدكتور إياد القينبي  Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفريغ سلسلة نصرة للشريعة للدكتور إياد القينبي    تفريغ سلسلة نصرة للشريعة للدكتور إياد القينبي  I_icon_minitime12/2/2013, 8:29 pm

الحلقة 23
تحذير العلماء من التلبيس العقدي
[وحدهم المشرفون لديهم صلاحيات معاينة هذا الرابط]
السلام عليكم ورحمة الله.
أحبتي الكرام تكلمنا في الحلقة الماضية عن الأضرار العقدية التي نتجت عن الأخطاء في العمل السياسي الإسلامي. وقلنا أن هذه المفاسد شر من كل مصلحة يرتجيها من قدموا التنازلات.

تُرى هل تنبأ علماء من قبل باحتمالية حدوث هذه الأضرار؟ نعم، وإن كان هؤلاء العلماء قلة. بيَّن هؤلاء العلماء أن أي تحرك سياسي يجب ألا يؤدي إلى التلبيس على الناس في أمور دينهم.
لكن أين المشكلة؟ المشكلة أنه بعدما وقعت ممارسات سياسية في غاية الخطأ وأدت إلى هذا التلبيس بأشد أشكاله، توقعنا أن يطبق هؤلاء العلماء قاعدتهم وينادوا بتحريم هذه الممارسات وينأوا بالناس عنها ويوجهوا ممارسيها علنا لأنها وقعت في العلن وآثارَها عمَّت. لكن مشايخنا بدلا من ذلك دعوا إلى تأييد وانتخاب من يمارس هذه الممارسات المنحرفة! فاجتمع على الناس ثلاثة عوامل تسهم كلها في التلبيس عليهم في أمور دينهم: الممارسات الخاطئة، ودعوة المشايخ إلى انتخاب من يمارسونها، ثم في المقابل عدم إنكار المشايخ لهذه الممارسات الحديثة.
فكانت مفسدة التلبيس التي، وبتقرير هؤلاء العلماء أنفسِهم فيما مضى، تفوق كل مصلحة مرجوة من دعوة الناس إلى انتخاب أصحاب هذه الممارسات.

ما نطالب به هؤلاء العلماء هو أن يطبقوا قاعدتهم التي نادوا بها من قبل، أن أي تحرك سياسي يجب ألا يؤدي إلى التلبيس على الناس في أمور دينهم. فانظروا يا مشايخنا إلى الواقع لتعلموا أن هذا التلبيس حصل فأنكروه وعالجوه.

سنأخذ مثالا من علماء السلفية ومثالا من العلماء المعتبرين لدى الإخوان.
الداعية العلامة الدكتور محمد إسماعيل المقدم شيخ السلفية في الإسكندرية، ومن كبار مشايخ السلفية في مصر...وهنا أقول للدكتور المقدم ومشايخ الدعوة السلفية في مصر: نحن الآن نعتب عليكم في العلن مع أننا أحببناكم واستفدنا منكم في الماضي ونافحنا عنكم ونشرنا محاضراتكم ومحاسنكم. لكن الحق أحب إلينا منكم. ووالله ثم والله لرجوعكم إلى الحق أحب إلينا من الأرض وما عليها، ونحن حينئذ لدعوتكم خدم. وما بنا إلا رجاء المساهمة في استرعاء انتباهكم لهذه الأمور وإنقاذ الأمة التي نخشى أن يكون عليكم كفل منها. فاللهم إن كان ادعائي هذا حقا فانشر هذا الكلام وتقبله وانفع به، وإن كان باطلا فاقبره في مكانه ولا تحملني وزر الكذب فيه.

الشيخ المقدم كان قبل الثورات العربية يرى بحرمة دخول المجالس النيابية، ومع ذلك يرى دخولها أمرا خلافيا. لكن لاحظ الشرط الذي وضعه حتى تعتبر المسألة خلافية:
قال الدكتور المقدم: (فلا يصح أن نضحي بعقيدتنا في سبيل مقعد في مجلس الشعب, فالشرط الأساسي للرخصة عدم التنازل, وعدم استخدام التقية؛ لأن التقية في قضايا العقيدة والقضايا الجوهرية يترتب عليها تلبيس الحق على جماهير الناس، فتلتبس عليهم الأمور, وتختلط عليهم مفاهيم أساسية تمس العقيدة، يقول الله سبحانه وتعالى: ((وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ)) (المائدة:49)، ثم انظر ماذا بعدها: وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ [المائدة:49]. فالتنازل عن أي قضية من حقائق الدين أو تلبيسُها بما يخالف مفاهيم الدين جريمة كبرى وانحراف خطير يمس بأصل الدين, نعم قد يحصل تنازل بصورة عملية في بعض الظروف الضاغطة على المسلمين, لكن في قضايا عملية وليس في قضايا علمية أو اعتقادية. قد يضطر المسلمون مثلاً أن يبذلوا الأموال في سبيل فكاك أسرى المسلمين, وهذه الأموال سينتفع بها الكفار ويتقوون بها، لكن نحن نضطر أن ندفعها لهم في سبيل مصلحة أهم، وهي استنقاذ المسلمين من أيديهم)...كلام من أوضح ما يكون تظهر فيه حراسة التوحيد منه حفظه الله.

تعالوا نستنبط الدروس من هذه الكلام:
1) أكد الشيخ حفظه الله على عدم جواز استخدام التقية.
التقية مثل ماذا؟ مثل التصريح بكلام يلبس على الناس في قضايا العبودية والحاكمية ويجعل الشعب صاحب الحق في أن يقر ما شاء من القوانين ويرفض ما شاء، بحجة أن هذه تصريحات سياسية، وبالتالي فهي معفاة من الضوابط الشرعية، لأنه يراد بها كسب الشعب ومراوغة العدو.
أكد الدكتور أن ذلك كله لا يجوز. لماذا؟
قال: (لأن التقية في قضايا العقيدة والقضايا الجوهرية يترتب عليها تلبيس الحق على جماهير الناس، فتلتبس عليهم الأمور, وتختلط عليهم مفاهيم أساسية تمس العقيدة).

2) سمى د. المقدم التلبيس على الناس في أمور العقيدة (جريمة كبرى وانحرافا خطيرا يمس بأصل الدين).
البعض يلومني عندما أقول أن ممارسات الأحزاب "الإسلامية" ليست اجتهادا مقبولا ولا خلافا سائغا. انظر إلى كلام د. المقدم الذي –وإن رأى أصل المشاركة البرلمانية أمرا خلافيا- إلا أنه اعتبر التلبيس على الجماهير جريمة كبرى وانحرافا خطيرا يمس بأصل الدين....وليس أمرا خلافيا.

الآن ماذا نتوقع منك موقفا يا دكتور محمد إسماعيل، بعدما "فاز" المرشح الذي حشدتم الناس إلى تأييده فكان مما جاء في أول خطاب له:

(الإخوة والأخوات الأبناء والبنات أيها المسلمون في مصر أيها المسيحيون في مصر ...إلى أن قال:
أيها الشعب العظيم جئت اليكم اليوم لأنني مؤمن تماما بانكم مصدر السلطة والشرعية التي لا تعلوا عليها شرعية. أنتم أهل السلطة ومصدرها وأنتم الشرعية وأقوى ما فيها).
ثم قال:
جئت إليكم لإنكم مصدر السلطة والشرعية التي تعلو على الجميع. لا مكان لأحد ولا لمؤسسة ولا هيئة ولا جهة فوق هذه الإرادة. الأمة مصدر السلطات جميعها وهي التي تحكم وتقرر وتعقد وتعزل من أجل ذلك.

ثم قال: لا سلطة فوق هذه السلطة أنتم اصحاب السلطة أنتم أصحاب الإرادة أنتم مصدر هذه السلطة لكم ما تشاؤوا وتمنعوا عما من تشاؤوا
ذكرني هذا بقول ابن هانئ الأندلسى فى مديح الخليفة العبيدي المعز لدين الله:
ما شئت لا ما شاءت الأقدار فاحكم فإنك أنت الواحد القهار
والعياذ بالله.

ثم قال بعد أن أكد على رفضه انتزاع سلطة الشعب والصلاحيات الموكلة إليه باسم الشعب:
(ولا يعني ذلك أننا لن نحترم القانون أو لا نعلي من قيمة الدستور والقضاة)...

وختم بقوله: (نحترم ارادة الشعب والقانون والدستور والأحكام التي تصدر من قضاء مصر الشامخ).
(نحترم إرادة الشعب والقانون)...طبعا القانون الوضعي، (والدستور)...طبعا الذي ينص في مادته الثالثة على أن: (السيادة للشعب وحده و هو مصدر السلطات) و(الأحكام التي تصدر من قضاء مصر الشامخ)...طبعا الذي يقضي بغير ما أنزل الله.

خطاب يؤله الشعب ويعطيه حق التشريع ولا تُذكر فيه الشريعة مرة واحدة...طبعا تتلى الآيات كما يتلوها كل رئيس عربي حالي أو ممن سقطوا. لكن ليس العبرة بتزيين الخطاب بالآيات بل بالعمل بها.
يُذكر "المسيحيون" نصا في مطلع الخطاب، وتُجعل السلطة والشرعية والإرادة لهم مع المسلمين، ولا تُذكر الشريعة لا تصريحا ولا تلميحا.
ولا يَقُل قائل: فرق بين السيادة والسلطة، فها قد نص المتحدث باسم رئاسة الجمهورية ينص على أن رئيس الجمهورية مسؤول عن تأكيد سيادة الشعب واحترام الدستور وسيادة القانون. وتصريحات الجماعة عبر العقود الماضية تصب في المفهوم ذاته، مفهوم سيادة الشعب. وفي المقابل لا تُذكر سيادة الشريعة من قريب ولا بعيد...كل هذا يكرس في الأذهان أن للشعب الحق في أن يسن ما شاء من القوانين فهو صاحب السيادة والشرعية.

قبل الثورة ماذا قال الدكتور المقدم في مثل هذا الكلام؟ قال حفظه الله في سلسلة: (السيادة للقرآن لا للبرلمان):
(خلاصة الكلام في هذه القضية : أن القضية قضية مبدأ ، فإما أن تكون السيادة للشرع وإما أن تكون السيادة للأمة.
إما أن يكون الحق في التشريع لله خالصا لله وحده، وينحصر دور الأمة في التخريج على أصول الشريعة والاجتهاد في تطبيق أحكامها على النوازل لتكون حينئذ على دين الله وذلك هو الإسلام.
وإما أن يكون الحق في التشريع المطلق لأحد غير الله كالبرلمان أو غيره يحل به ماشاء ويحرم به ماشاء ويعطل به من الأحكام الشرعية ماشاء ويمضي به منها ماشاء، ويسبغ الشرعية على ماشاء، وينزع الشرعية على مايشاء.
فذلك هو المسلك الذي اتفقت الأمة قاطبة -يعني: إجماع، ليست مسألة خلافية- فذلك هو المسلك الذي اتفقت الأمة قاطبة على رده على مدار القرون، وهو باطل بطلانا أصليا لا تَقبل الأحكامُ معه التصحيح ولا الإجازة...(وأذكركم هنا بقصة عجلان الذي كان زواجه بسليمة باطلاً بطلانا أصليا لا يَقبل التصحيح)

ثم قال:
فكل سلطة تقوم على أساسه (أي: على أساس أن التشريع للبرلمان) فكل سلطة تقوم على أساسه فهي منعدمة وكل قانون يصدر بناء عليه فهو باطل. أرأيت لو أن دولة من دول الكفر في أروبا أو أمريكا أصدرت صلاحية بعض الحدود الإسلامية في قطع دابر الجريمة من مجتمعاتها فقررت اقتباسها من الحضارة الإسلامية لتصلح بها الخلل في بلادها، أتصبح بذلك دولة إسلامية ؟

إن تطبيق الشريعة الذي يعتد به في هذا المجال لا يبدأ من اختيار بعض الأحكام الشرعية وتقنينها وفرضها على الناس، ولكنه يبدأ من إصلاح هذا الخلل الأكبر الذي تفشَّى روحه الدنسة في كل مرابط الأمة وهو مبدأ سيادة الأمة بالمصطلح الغربي وما يعنيه من الإقرار لممثليها بحق التشريع المطلق ونزع السيادة عن الشريعة الإسلامية.

إنه يبدأ من الإجابة على هذا السؤال : لمن الحكم اليوم للبرلمان أم للقرآن؟ للقرآن والسنة أم لإرادة الأمة؟

وبدون الجواب على هذا السؤال وحسم هذه النقطة في البداية، سوف يظل الناس في غبش وعماية ، ولا يعدو مايأتي بعد ذلك من الإصلاحات إلا ترقيعا جزئيا لا تصلح به دنيا ولايقبل في دين)...انتهى كلامه حفظه الله...كلام دقيق محكم واضح مؤيد بالأدلة.

فنقول للدكتور محمد إسماعيل: يا دكتور، تأييد من خطاباتهم تؤكد على سيادة الأمة بهذا الشكل، يكرس المفسدة العقدية التي لا تعلوها مفسدة كما علمتمونا. فالاستدراكات والتأكيدات أن تأييدكم هذا من قبيل ارتكاب أخف الضررين...هذه الزيادات كلها تضيع ويبقى في الأذهان وفي التاريخ أن مشايخ السلفية يؤيدون هذا الرئيس...عندما تكلمنا عن حرمة المشاركة في الانتخابات كان المخالفون يعترضون علينا بقولهم: ها هم مشايخ السلفية يؤيدون فلانا...هكذا يبقى في الأذهان: أنكم تؤيدون أصحاب هذه التصريحات. فالخطاب الرئاسي السابق الذي ليس فيه لله نصيب، هذا الخطاب في نظر الناس مدموغ بختمكم.

طيب حصل ما حصل وأيدتموه، نتوقع منكم الآن يا دكتور أن تستنكروا هذه التصريحات وتبرأوا إلى الله منها وينتشر ذلك عنكم ليعلم الناس أنكم ترفضون هذا الكلام.
الآن نتصفح المواقع الإسلامية ومواقع العلماء فلا نكاد نجد إنكارا لمثل هذه التصريحات. وهذه ظاهرة غريبة حقا.

طبعا هذا كله ناهيك عن الموقف المستغرب جدا من مشايخ الدعوة السلفية من الحزب الذي يتسمى بالسلفية ثم هو يدور حول المفهوم ذاته من حق الشعب في اختيار ما يريد ويستخدم عبارات ملفقة ما بين الشريعة وحق المجتمع والديمقراطية والشورى، وينص في برنامجه على (حق المجتمع في تحديد الإختيارات السياسية والإقتصادية والثقافية والإجتماعية للدولة عبر مؤسسات تمثيلية له)... وهي عبارات تكرس لدى الناس المفهوم الفاسد من سيادة الشعب وحقه في اختيار ما يريد أنت يُحكم به.
ثم مع ذلك يؤيد عامة مشايخ الدعوة السلفية هذا الحزب ويضفون عليه الشرعية ويصفونه بأنه أقرب الأحزاب إلى مبادئ السلفية النقية. ثم لما جسد هذا الحزب مبدأ سيادة الشعب بتقديم أسماء شخصيات يسمونها توافقية ليشتركوا في كتابة الدستور، وعندما أقر المادة الثانية بشكلها المهترئ، بحيث لم يدع مجالا لمتعذر له، نكاد لا نسمع من علماء الدعوة السلفية استنكارا وتبرؤا وتراجعا عن تأييد هذا الحزب.
أليس في هذه الممارسات ثم سكوتكم يا دكتور محمد إسماعيل ومشايخ السلفية، أليس فيها ما حذرت منه سابقا من التلبيس العقدي؟

خلاصة الحلقة هما عبارتان للدكتور المقدم نفسه: التقية في قضايا العقيدة والقضايا الجوهرية يترتب عليها تلبيس الحق على جماهير الناس. والتنازل عن أي قضية من حقائق الدين أو تلبيسُها بما يخالف مفاهيم الدين جريمة كبرى وانحراف خطير يمس بأصل الدين.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
المشتاقة لربها
نائبة المدير العام
المشتاقة لربها

شكرا لتفاعلك ومشاركتك
اللهم اغفر له وارحمه وتجاوز عنه


تفريغ سلسلة نصرة للشريعة للدكتور إياد القينبي  Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفريغ سلسلة نصرة للشريعة للدكتور إياد القينبي    تفريغ سلسلة نصرة للشريعة للدكتور إياد القينبي  I_icon_minitime12/2/2013, 9:49 pm

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته

بارك الله فيك اخى الكريم على ما تبذله من جهود

نفع الله بهذه السلسلة المباركة ...وجزاك الله عنا خير الجزاء وعن كاتبها الكريم


***********


اللهم اشغلنا بك عن كل شىء


حتى تكفينا كل شيء,وترضى عنا فى كل شيء


*********

لا تنسونى من دعوة صادقة بظهر الغيب
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
????
زائر
Anonymous



تفريغ سلسلة نصرة للشريعة للدكتور إياد القينبي  Empty
مُساهمةموضوع: مقابر شرعية   تفريغ سلسلة نصرة للشريعة للدكتور إياد القينبي  I_icon_minitime13/2/2013, 5:20 pm

تتشرف شركة سمارت لإنشاء المدن المتخصصة (شركة مساهمة مصرية) بالتعاون مع جمعية الصادق الامين المشهرة برقم 2589 لسنة 2012 بلبيس بعرض احدى مشروعاتها المستحدثة (مقابر شرعية) بطريق الهايكستب بلبيس الصحراوى ك 26 نصف ساعة من القاهرة على مساحة 22000 متر
مساحة المقبرة 40 متر - 380 مقبرة شرعية صحية

مميزات المشروع
• طرق داخلية انترلوك • سور خارجى تشطيب فاخر
• اشجار وزراعة • مظلات ومقاعد أمام كل مدفن
• مشايات • بوابة خارجية فاخرة
• انارة ومياة • مبرد مياة
• مبنى خاص استراحة ودورات مياة للرجال والسيدات


السعر وطريقة الدفع
• 50000 ( فقط خمسون الف جنيها)
• دفعة مقدمة 26000 ( فقط ستة وعشرون الف جنيها )
والباقى اقساط شهرية لمدة ستة شهور بواقع 4000 ( فقط اربعة الاف جنيها ) شهريا.
• التسليم خلال ستة شهور.







• يتم السداد بفروع بنك ABC
• حساب رقم : 19 93540 473010017

• المالك : شركة سمارت لانشاء المدن المتخصصة و جمعية الصادق الامين




• محمول: 01224262280 -01067406868 تلفون: 22615330 - 22615340 • فاكس:24039976
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
المثنى 2007
عضو فعال
عضو فعال
المثنى 2007

شكرا لتفاعلك ومشاركتك
اللهم اغفر له وارحمه وتجاوز عنه


تفريغ سلسلة نصرة للشريعة للدكتور إياد القينبي  Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفريغ سلسلة نصرة للشريعة للدكتور إياد القينبي    تفريغ سلسلة نصرة للشريعة للدكتور إياد القينبي  I_icon_minitime13/2/2013, 6:54 pm

السلام عليكم
الاخت تقية جزاك الله خيرآ
الاخ زائر
الموضوع ليس لوضع أعلانات بارك الله فيك
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
المثنى 2007
عضو فعال
عضو فعال
المثنى 2007

شكرا لتفاعلك ومشاركتك
اللهم اغفر له وارحمه وتجاوز عنه


تفريغ سلسلة نصرة للشريعة للدكتور إياد القينبي  Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفريغ سلسلة نصرة للشريعة للدكتور إياد القينبي    تفريغ سلسلة نصرة للشريعة للدكتور إياد القينبي  I_icon_minitime13/2/2013, 7:00 pm

الحلقة 24
التقليد الاعمى للعلماء
[وحدهم المشرفون لديهم صلاحيات معاينة هذا الرابط]
السلام عليكم
أحبتي الكرام ذكرنا في الحلقة الماضية أن بعض العلماء تنبه إلى خطورة التلبيس العقدي الذي قد يقع للمسلمين من دخول الأحزاب في البرلمان وغيرها من الممارسات. وقلنا أن التلبيس حصل بالفعل، فالمطلوب من العلماء الآن هو إنكار الممارسات السياسية التي أدت إلى هذا التلبيس، وقلنا أن حشدهم الناس لتأييد حزب برلماني أو رئيس يمارس هذه الممارسات يزيد التلبيس والتشوش العقدي، فهذا عكس الدور المتوقع منهم. وأخذنا مثالا على ذلك كلام الدكتور محمد إسماعيل المقدم قبل الثورة ومقارنته بما بعد الثورة .

دعونا اليوم نأخذ مثالا من العلماء الذين كانوا مرجعية كبيرة لدى الإخوان المسلمين: الشيخ عبد المجيد الشاذلي حفظه الله، والذي كان قد انتسب إلى جماعة الإخوان ثم تأثر بفكر سيد قطب رحمه الله وكان أحد مؤسسي ما اشتهر باسم دعوة أهل السنة والجماعة في مصر .

قال حفظه الله في مقاله (الخطاب الديني والخطاب السياسي)، قال: (إن شرط أي تحرك سياسي ألا يكون على حساب الوضوح العقدي ولا على حساب بيانه، بل ورفع اللبس فيه)...يعني يجب أن يخلو التحرك السياسي من التلبيس في قضايا العقيدة، بل ولا بد أن يقترن ببيان عقيدتنا، وتصحيح المفاهيم الخاطئة في أذهان الناس .

ثم قال: (إن حسم الأمر وإقامة الوضع الإسلامى لا يعتمد على هذا الطريق –يعني المشاركة السياسية- وإنما هذا الخطاب وهذا التحرك خادم لانطلاق الدعوة وترسيخ المفاهيم العقدية الصحيحة )

يعني ينبغي أن يكون هدفُ الحراك السياسي هو ترسيخَ المفاهيم العقدية الصحيحة، لا أن نبيع الهدف من أجل الوسيلة، فنشوش المفاهيم من أجل الحراك السياسي .

ثم قال :

(ولهذا يشترط لأى تحرك سياسي للمسلمين وضوحُ البعد العقدي وعدم إقرار شرعية الأنظمة العلمانية، وألا يمثل هذا التحرك خصما من الرصيد العقدي، بل يكون المسلمون وحركاتهم الإحيائية على وضوح فى العقيدة والتوجه، يكون واضحا للعدو المخالف كما للصديق الموافق )...

ركز في هذا الكلام، سنحتاجه عندما نرى أن هناك تصريحات يطلقها الـديمقراطيون في غاية الضلال والتلبيس في أخطر قضايا العبودية والحاكمية، ومع ذلك يدافع عنها المدافعون بأنها تصريحات سياسية، يعني معفاة من الضوابط الشرعية، لأنه يراد بها مراوغة العدو. الشاذلي يقول: (وضوحْ فى العقيدة والتوجه، يكون واضحا للعدو المخالف كما للصديق الموافق ).

وهذه العبارة من الشاذلي هي كعبارة المقدم :
(فالشرط الأساسي للرخصة عدم التنازل, وعدم استخدام التقية؛ لأن التقية في قضايا العقيدة والقضايا الجوهرية يترتب عليها تلبيس الحق على جماهير الناس ).


ثم قال الشاذلي :

(إن تجربة التيارات الإسلامية المعروفة التى أخذت الحركة السياسية طريقا لها على حساب معتقداتها وثوابت العقيدة، بل لم تلتفت للثوابت الشرعية بل وتنكرت لها فى بعض الأحيان...إلى أن قال عن هذه التيارات: ضيعت من المفاهيم الواجب بلاغها وأوجدت فيها من اللبس والخلل مما سبب معوقا لحركة إحياء الأمة ).
إذن هو يؤكد أن هذه التيارات لبـَّست في الثوابت العقدية وأحدثت فيها خللا، وبالتالي أعاقت حركة إحياء الأمة. وأنا لا أدري إن لم يكن هذا الكلام عن الأحزاب التي خاضت العمل البرلماني فعن من يكون؟ !



ثم قال: (إن الواجب الآن للمسلمين ليس أن يذهبوا لانتخابات مزورة مع لبس عقدي وضياع للمفاهيم الشرعية وضعف شديد للمسلمين وعدم وضوح لا لقضاياهم ولا لمواقفهم... إنما الواجب بيان الحق وتوضيح المفهوم الصحيح للتوحيد ورفع الالتباس فى المفاهيم والتوجهات والعقيدة عموما والجد فى مشروع إحياء الأمة ).
وهذه الكلام منه هو ككلام د. المقدم إذ قال: (إن تطبيق الشريعة الذي يعتد به في هذا المجال لا يبدأ من اختيار بعض الأحكام الشرعية وتقنينها وفرضها على الناس، ولكنه يبدأ من إصلاح هذا الخلل الأكبر الذي تفشَّى روحه الدنسة في كل مرابط الأمة وهو مبدأ سيادة الأمة بالمصطلح الغربي ).

إذن فالنقولات عن الشيخين حفظهما الله تتفق على أن أوجب الواجبات في هذا الزمان (بيانُ الحق وتوضيح المفهوم الصحيح للتوحيد ورفع الالتباس فى المفاهيم والتوجهات والعقيدة) و(إصلاح هذا الخلل الأكبر الذي تفشَّى روحه الدنسة في كل مرابط الأمة وهو مبدأ سيادة الأمة ).

وهو ما نزعم أننا نمارسه بهذه السلسلة بإذن الله .

العجيب، بل والعجيب جداً في الأمر، أن الشيخ الشاذلي حفظه الله أصبح الآن يؤيد العمل البرلماني الرئاسي في مصر، وحشد الناس لانتخاب الرئيس على اعتبار (أن الدعوة، يعني جماعته دعوة أهل السنة والجماعة، رأت في الدكتور مرسي عدم تلون باسم الشريعة، وإنما رأت حديثًا عن تطبيقٍ واضح للشريعة الإسلامية ).

والآن نقول للشيخ الشاذلي: رأينا الخطابات التي تؤكد على سيادة الشعب وأنه هو الشرعية بمسلميه و"مسيحييه"، وتؤكد على احترام القضاء والقانون الوضعيين، ورأينا أن الشريعة لم تعُد تُذكر في الخطابات، ورأينا وعودا للأحزاب بإشراكها في كتابة الدستور (دين الدولة) مقابل انتخاب المرشح "الإسلامي ".


كنت أيها الشيخ قد عبت على مرشحَين من قبل لأنهما يقولان نريد الشريعة مبادئ لا أحكامًا ولا نصوصًا، وها قد رأينا الفشل الذريع بإبقاء مصطلح (مبادئ الشريعة الإسلامية) بينما ضمن اليهود والنصارى لأنفسهم الاحتكام إلى شرائعهم، ورأينا الرئيس الحالي عندما كان يواجَه أثناء حملته بالسؤال عن الشريعة يؤكد أنه إنما يتمسك بمبادئ الشريعة .
فأين الإنكار أيها الشيخ الجليل؟ أين التوضيح؟ أين (بيانُ الحق وتوضيح المفهوم الصحيح للتوحيد ورفع الالتباس فى المفاهيم والتوجهات والعقيدة عموما) الذي نصصت عليه؟ !



أين إنكاركما أيها الدكتور المقدم والشيخ الشاذلي لما اعتبرتموه من قبل جريمة وتنكرا للثوابت الشرعية؟ أين رفع اللبس والخلل ومحاربة المفاهيم التي تفشت روحها الدنسة في مرابط الأمة؟

لماذا أيها الشيخ الشاذلي حفظك الله نرى مقالاتك الحديثة فليس فيها أي إنكار بل تأييد مطلق وحديث عن حل المحكمة الدستورية العليا وإعادة البرلمان وغيرها من الخطوات التي لن تجدي ما دامت المفاهيم الأساسية مشوهة كما علمتنا عندما وضحت أن الواجب ليس الانتخاب مع لبس عقدي وضياع للمفاهيم؟

فمواقف العلماء إذن خلاف المتوقع. ماذا نفعل حيالها؟ هذا ما سنناقشه في الحلقة القادمة بإذن الله .

خلاصة الحلقة هي عبارة الشيخ الشاذلي بنصها: (إن شرط أي تحرك سياسي ألا يكون على حساب الوضوح العقدي ولا على حساب بيانه بل ورفع اللبس فيه ).

والسلام عليكم ورحمة الله
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
المثنى 2007
عضو فعال
عضو فعال
المثنى 2007

شكرا لتفاعلك ومشاركتك
اللهم اغفر له وارحمه وتجاوز عنه


تفريغ سلسلة نصرة للشريعة للدكتور إياد القينبي  Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفريغ سلسلة نصرة للشريعة للدكتور إياد القينبي    تفريغ سلسلة نصرة للشريعة للدكتور إياد القينبي  I_icon_minitime14/2/2013, 8:49 pm

الحلقة 25
سد ذرائع شرك التشريع أولى!

السلام عليكم ورحمة الله.

[وحدهم المشرفون لديهم صلاحيات معاينة هذا الرابط]
قاعدة سد الذرائع...تحريم قول أو فعل لأنه ذريعة لأمر محرم. طبقها علماء السلفية وبعضهم توسع فيها احتياطا للدين، ثم عندما خاض العلماء العمل السياسي للمرة الأولى لم يطبق أكثرهم هذه القاعدة في أخطر قضايا العصر، قضايا الحكم بغير ما أنزل الله وسيادة الشعب والولاء والبراء. لم يسدوا الذرائع بل فتحوها ووسعوا شقوقها. في هذه الحلقة نذكر العلماء بهذه القاعدة...

ونطالبهم بتطبيقها.


وهنا لا بد من التنبيه إلى أن الممارسات المشوهة التي ننتقدها في العمل السياسي الديمقراطي ليست ذريعة إلى المحرم، بل هي محرمة في ذاتها، بل منها ما هو نقض لعرى الإسلام، كتبني الديمقراطية. والدعوة إلى انتخاب الديمقراطيين محرمة في ذاتها لأسباب أجملناها في كلمة (الموقف من الانتخابات). فلماذا الحديث عن سد الذرائع إذن؟ لنقول للعلماء والدعاة: لئن كنتم تحرمون أقوالا وأفعالا هي ذريعة للحرام فكيف بالحرام ذاته؟ خاصة أننا لا نتكلم عن صغائر بل عن الحرام الأكبر، عن الشرك في التشريع وتضييع العبودية. أليس أولى بكم أن تنكروها وتحذروا منها بدلا من دعوة الناس إلى الولوج فيها وانتخاب ممارسيها ثم السكوت عن أفعالهم الضالة بحيث أصبحت هذه الأقوال والأفعال مدموغة بختمكم؟!

إذن نعيد: خوض "إسلاميين" من أطياف منهجية متباينة، خوضهم في العمل الديمقراطي تسبب في تلوث عقائد الناس ومفاهيمهم، لا مجردُ أنه اشتمل على ممارسات يمكن أن تؤول إلى هذا التلويث في المستقبل. هنا سنستعرض موقف الشرع من كلمات وعبارات يمكن أن تؤدي إلى تلويث عقائد الناس. لنقول للعلماء والدعاة بعدها: إن كان الله عز وجل قد حرم هذه الأقوال والأفعال حتى ولو كانت عقيدة صاحبها نقية غير ملبسة، لكنه حرمها لأنها ذريعة إلى فساد العقيدة، فكيف وقد وقع هذا الفساد والتلبيس والتخليط بالفعل؟
لنقول لهم: لطالما أصلتم وفصلتم في قاعدة سد الذرائع لمعاص مما يُمكن أن يُغتفر، فأين سدكم لذرائع الشرك الذي لا يُغتفر في مسائل الديمقراطية وسيادة الشعب والحكم والتشريع؟

سمى الله رسوله عبدا في أشرف المقامات وهذا فيه سد لذريعة المغالاة في تعظيم النبي حيث أن غاية ما يصل إليه إنسان من مراتب العظمة هو العبودية لله.
ونهى النبي عن الغلو في مدحه فقال: ((لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، فإنما أنا عبده فقولوا: عبد الله ورسوله))...سدا لذريعة المبالغة في تعظيمه.
وقال قبيل وفاته: ((لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد))، يحذر ما صنعوا...يحذر من بناء المساجد على القبور حتى ولو بِنِيَّة عبادة الله وحده فيها، لكنه أراد سد الذريعة إلى عبادة من في القبور.
قال ابن تيمية: ((إنه –صلى الله عليه وسلم- نهى عن بناء المساجد على القبور ولعن من فعل ذلك، ونهى عن تكبير القبور وتشريفها وأمر بتسويتها، ونهى عن الصلاة إليها وعندها، وعن إيقاد المصابيح عليها لئلا يكون ذلك ذريعة إلى اتخاذها أوثانا، وحرم ذلك على من قصد هذا ومن لم يقصده بل قصد خلافه سدا، للذريعة)).

يعني حتى من أراد إفراد الله بالعبادة يحرم عليه كل الأفعال التي قد تكون ذريعة في يوم من الأيام إلى شرك القبور.

ونهى النبي عن الصلاة بعد العصر وبعد الفجر سدا لذريعة التشبه بالمشركين الذين كانوا يسجدون للشمس في هذين الوقتين...مع أن هذا التشبه –كما قال ابن القيم- (لا يكاد يخطر ببال المصلي). فليس من المسلمين من يخطر بباله إن صلى في هذين الوقتين مشابهة الكفار، لكن رسول الله أراد سد ذريعة المشابهة بالكلية.

ونذر رجل على عهده صلى الله عليه وسلم أن ينحر إبلا ببوانة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((هل كان فيها _يعني في بوانة_ وثن من أوثان الجاهلية يعبد؟ قالوا:لا، قال: ((هل كان فيها عيد من أعيادهم؟)) قالو: لا . فأمره النبي أن يوفي بنذره. (صححه الألباني) لاحظ: هل كان فيها، قديما وليس الآن! كل هذا سدا لذريعة عودة الشرك.

ونهى عليه الصلاة والسلام عن الحلف بالآباء وبأي شيء دون الله بل وقال في الحديث الحسن: ((من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك)). كل هذا سدا لذريعة التسوية في التعظيم مع الله تعالى.

ونهى رسول الله أصحابه أن يقولوا (ما شاء الله وشئت) وذم الخطيبَ الذي قال: (من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن عصاهما فقد غوى)، كل هذا حسما لمادة الشرك، حتى في اللفظ.


وقال: ((لا يقل أحدكم:أطعم ربك، وضئ ربك، وليقل:سيدي، مولاي. ولا يقل أحدكم: عبدي، أمتي، وليقل: فتاي، وفتاتي وغلامي)) (البخاري ومسلم).

مع أن ألفاظ ربي بمعنى سيدي وعبدي بمعنى فتاي المملوك...هذه كلها كانت تستخدم لغةً دون قصد الشرك. قال البغوي: (فإدخاله مملوكه تحت هذا الاسم –اسم: عبد- يوهم التشريك) يعني مع الله عز وجل...انظر: لمجرد أنه يوهم.

ونهى عن أن ينحني الرجل لصديقه إذا لقيه....

كل هذا لماذا؟ حفاظا على سلامة العقيدة. فليس هذا تنطعا ولا تكلفا ولا مبالغة. بل أي شيء يمكن أن يؤدي إلى التلبيس العقدي ولو بعد حين، وإن تيقَّنَّا سلامة نية قائله في الوقت الحاضر...هذا كله يمنعه الشرع ويحذر منه.

ألستم تقرون أيها العلماء الذين حشدتم الناس إلى الانتخابات البرلمانية والرئاسية بما تقدم كله بل درَّستموه ونشرتموه؟ فأين حراستكم للتوحيد وحسمكم لمادة التلبيس وسدكم للذرائع عندما يقول القائل للشعب: (أنتم الشرعية التي لا تعلو عليها شرعية).
أين سدكم للذرائع وهو يقول لعباد الله:
(لكم ما تشاؤوا وتَمنعوا عما من تشاؤوا)

أيهما أقرب للشرك وأولى أن يُنكر سدا للذريعة؟

تسمية السيد ربا مع سلامة القصد، أم عبارة: (السيادة للشعب وحده والشعب مصدر السلطات جميعها)، والتي تعني ربوبية التشريع بالقصد الفاسد الذي يُكرَّس في نفوس الناس؟

أيهما أقرب للشرك وأولى أن يُنكر سدا للذريعة؟

إضاة المصابيح على القبور أم عبارات التعظيم للدستور الوضعي والقسم على احترامه؟!

هل يُعقل أن تمنع الشريعة من السجود لله عند طلوع الشمس وغروبها سدا للذريعة وتسمح بالقسم على احترام دستور يجعل التشريع للبشر من دون الله؟! ما لكم كيف تحكمون؟!


أيهما أقرب إلى الشرك: عبارة ما شاء الله وشئت، أم (الشعب مصدر السلطات جميعها)، وعبارة (تصدر الأحكام وتنفذ باسم الشعب)؟ فهي ليست عبارات ما شاء الله وشاء الشعب، بل ما شاء الشعب وحده! ومع ذلك حشدتم الناس للموافقة على دستورٍ تضمن هذه العبارات!

ألم تكونوا تحرمون على الناس تعليق صورة أبٍ متوفى على اعتبار أن هذا التعليق تعظيم وهو ذريعة إلى الشرك؟ فتمنعون من ذلك قولا واحدا ولا ترونه قابلا للخلاف، حتى غدا ذلك من ملامح الدعوة السلفية. فأين حزمكم وعزمكم وإنكاركم في الحملات الانتخابية لتعليق صور عملاقة لرئيس سيحكم بغير ما أنزل الله؟!

ألم تكونوا تحتاطون جدا في سد الذرائع في العلاقة بين الجنسين حتى أنكم حرمتم استخدام الفيس بوك فترة من الزمن؟ سؤل الشيخ ياسر برهامي عن التشات بين الجنسين فقال: (إن من باب سد الذريعة إغلاق هذا الباب (التشات بين الجنسين) لما فيه من الفتن).

ألم تكونوا تتمسكون بوجوب النقاب وتذكرون من حججكم سد ذريعة الفتنة وتعرضونه على أنه القول الأوحد الذي لا يُقبل فيه خلاف؟ أليس سد ذريعة التلبيس العقدي أولى وأحرى ألا يُقبل فيه خلاف؟!


ألا تهدينا مرونة التفكير إلى أن شرك الأصنام والقبور كان الظاهرة الأشد خطرا وقت نزول الرسالة فسد الشارع الحكيم الذرائع إليه، فكذلك شرك التشريع هو الظاهرة الأشد خطرا في زماننا فينبغي سد الذرائع إليه؟!


ألا ترون أنه في زمن النبي صلى الله عليه وسلم كان الناس قد تطهروا من المفاسد العقدية فَسدَّ النبي الذرائع لئلا تعود إليهم، بينما في زماننا انتشرت مفاسد وتلبيسات عقدية من جديد فانتشال الناس منها وسدُّ الذرائع إليها أولى؟!

المشكلة أننا عندما ننكر الأقوال الضالة للديمقراطيين يدافع عنهم المجادلون بأنهم قالوا خلافها في مقام آخر! ننكر قول قائلهم: (نريد تطبيق مبادئ الشريعة فقط) فيُقال لنا: لكنه قال في المقام الآخر: (نريد تحكيم الشريعة)!
ألم يكن النبي يمنع من ألفاظ موهمة لفساد عقدي حتى وإن جاء الصحابة بألفاظ أخرى صحيحة أحيانا أخرى؟ فهم وإن حلفوا بآبائهم أحيانا إلا أنهم حلفوا بالله وحده أحيانا أخرى. فكيف والصحابة في ذلك كله سليمةٌ عقائدهم يحاربون ليكون التشريع كله لله بينما أصحاب التصريحات التي فيها شرك تشريع واضح وفيها تسويغ للحكم بغير ما أنزل الله يطبقون تصريحاتهم هذه على أرض الواقع وتبقى تصريحات تطبيق الشريعة في المقابل وعودا في الهواء تدغدغ عواطف المطالبين بها وليس لها من الواقع نصيب؟!
وهنا نلاحظ ازدواجية عجيبة! فالمدافعون عن المسلك الديمقراطي يتعذرون لهذه التصريحات الفاسدة بأن "الناس فاهمة كل شيء" و "هذه التصريحات لن تلبس على الناس لأنهم يعرفون أنه إنما يراد بها مراوغة العسكري". بينما هؤلاء المتعذرون أنفسهم يبررون تعطيل الشريعة بقولهم أن "الناس لديهم جهل بمفاهيم الدين وتصورات مشوهة عنه، فكيف تريدنا أن نطبق عليهم الشريعة مرة واحدة"!
فالناس عندهم مرة يفهمون كل شيء ومحصنون ضد التلبيس العقدي، ومرة أخرى جهلة ملوثوا المفاهيم! حسب مصلحة المدافعين عن المسلك الديمقراطي!


ثم هل الناس أكثر فهما للعقيدة وأكثر حصانة ضد التلبيس من صحابة النبي الذين حرم عليهم رسول الله هذه الألفاظ سدا للذريعة؟

خلاصة الأمر أن سالكي المسار الديمقراطي لم يفشلوا في سد الذرائع إلى شرك التشريع فحسب بل صرحوا تصريحات فيها شرك تشريع واضح وفيها تسويغ للحكم بغير ما أنزل الله ثم ها نحن هذه التصريحات تطبق على أرض الواقع. ليست مشكلتنا أنهم قالوا: ما شاء الله وشاء الشعب، بل قالوا ما شاء الشعب وحده. ثم لم يكن هذا سوء تعبير جبَرَه الواقع، بل قناعة آتت ثمارها الخبيثة في مفاهيم الناس وفي منظومة الحكم والتشريع.

في الحلقة القادمة سنعرض لمفهوم سيادة الشعب وآثاره على عقيدة الناس وتصوراتهم، ونرصد مدى انتشار هذه الآثار في المجتمعات الإسلامية بإذن الله.

خلاصة الحلقة: لئن كان العلماء يسدون الذرائع إلى محرماتٍ فسد الذرائع إلى شرك التشريع والحكم بغير ما أنزل الله أولى.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
المثنى 2007
عضو فعال
عضو فعال
المثنى 2007

شكرا لتفاعلك ومشاركتك
اللهم اغفر له وارحمه وتجاوز عنه


تفريغ سلسلة نصرة للشريعة للدكتور إياد القينبي  Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفريغ سلسلة نصرة للشريعة للدكتور إياد القينبي    تفريغ سلسلة نصرة للشريعة للدكتور إياد القينبي  I_icon_minitime15/2/2013, 5:55 pm

الحلقة 26
سيادة الشعب تعني ربوبية الشعب-نصرةً للشريعة26
[وحدهم المشرفون لديهم صلاحيات معاينة هذا الرابط]

السلام عليكم ورحمة الله،
إخوتي الكرام، رأينا في الحلقة الماضية أن الشريعة جاءت بمراعاة الألفاظ بما يحفظ سلامة العقيدة حتى لو كان قصد قائلها صحيحا.
سيادة الشعب عبارة فاسدة المبنى فاسدة المعنى تدل في أيامنا على تشوش العقيدة وعطبها في أهم مفاصلها.
ما معنى السيادة؟ السيادة هي الأحقية في الحكم على الأفعال بالصواب والخطأ، والحكم على المبادئ والأفكار بالصحة والبطلان، والحكم بعد ذلك بالمكافأة الدنيوية لفاعل الصواب، والعقوبة الدنيوية لفاعل الخطأ. سيادة جهة ما تعني أنها لا تُسأل عما تفعل، لأنها هي التي تحاكم الأفراد. السيادة تعني أنه لا جهة تعلو هذه الجهة وتخضعها لإرادتها. السيادة تعني الحاكمية العليا.
والسيادة بهذا التعريف ربوبية، وهي لله وحده لا شريك له.

راجع الكلام لترى أن السيادة بهذا التعريف أصبحت تنسب إلى الشعب! وعلى ألسنة من يُفترض أنهم "إسلاميون".
فسيادة الشعب دين جديد، الحكم فيه على الأفعال والمبادئ بالصحة والبطلان للشعب، والعقوبة فيه تقع على الفعل الذي حكم عليه الشعب بالخطأ، وإرادة الشعب فيه لا تحاكَم إلى إرادة الله، بل شرع الله يُخضع فيه لإرادة الشعب. فالشعب السيد في هذا الدين هو الشعب الرب.
تعالوا نرى سيادة الله في دين الله ثم نرى في المقابل سيادة الشعب في دين الديمقراطية.
وعبارة "سيادة الله" ليست مبتدعة. ففي الحديث الذي رواه أبو داود وصححه الألباني أن وفد بني عامر قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم (أنت سيدنا)، فقال: (السيد الله تبارك وتعالى). إذن فالسيادة المطلقة لله تعالى.
قارن سيادة الله تعالى القائل: ((إِنِ الْحُكْمُ إِلا لِلَّهِ))
هذا أسلوب حصر، يعني ليس الحكم إلا لله، الحكم بكافة أشكاله: فالحكم على الأفعال والأقوال والأفكار بالصواب والخطأ هو لله وحده لا شريك له، والحكم بأن افعل أيها المكلف ولا تفعل هو لله وحده لا شريك له، والحكم بعد ذلك بالمكافأة الدنيوية لمطيع أحكام الله والمعاقبة الدنيوية لعاصيها هو لله وحده لا شريك له. هذا كله متضمَّن في قوله تعالى: ((إِنِ الْحُكْمُ إِلا لِلَّهِ)).
ماذا قال رب العزة بعدها؟ قال حكاية عن يوسف عليه السلام: ((إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه))
إذن فرد الحكم في أيٍّ من هذه الأشياء إلى غير الله عز وجل هو عبادة لهذا الغير. إعطاء أي أحد أحقية الحكم على الأفعال بالصواب والخطأ هو عبادة له، إعطاء أي أحد أحقية العقاب لمخالف أحكامه هو عبادة له.
قارن هذا بدين سيادة الشعب الذي تقول الآية الثالثة من آياته الشيطانية: (السيادة للشعب وحده).
قارن هذا بالتصريحات التي تطفح بها مقولات المنتسبين للعمل الإسلامي ممن ارتضى الديمقراطية مسلكا. وأنا هنا لن أذكر أسماء ولا أحزابا. ما يهمنا في النهاية أن نصحح المفاهيم. نريد أن يتنبه المسلمون إلى هذه التصريحات فيرفضوها ويرفضوا العمل بها أيا كان قائلها. قارن ((إن الحكم إلا لله)) بقول أحدهم:
(نحن مع الديمقراطية بكل أبعادها وبمعناها الكامل والشامل، ولا نعترض على تعدد الأحزاب، فالشعب هو الذي يحكم على الأفكار والأشخاص).
قارن سيادة الله تعالى القائل: ((إِن الْحُكْمُ إِلا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ))
فالفصل في الأمور كلها إلى الله تعالى. كلمته تعالى هي الفصل بين الحق والباطل. وهذا من مقتضيات الرضا بالله ربا وبالإسلام دينا.
قارن ذلك بدين سيادة الشعب الذي قال أحد سدنته: (سيكون قرار شعبنا هو الفيصل الذي نرجع إليه، والشعب يقضي ما يشاء أو يرفض ما يشاء، فهو وفق كل الأعراف الدولية ووفق مبادئ الديمقراطية، هو صاحب الحق في هذا المجال).

قارن سيادة الله القائل:
((والله يحكم لا معقب لحكمه))...فليس لأحد أن ينقض حكمه أو يرفضه.
وفي المقابل دين سيادة الشعب، الذي قال أحد معتنقيه: (فنحن دائما وأبدا نبقى مع إرادة الشعب وسنقبل بما تفرزه صناديق الاقتراع مهما كانت النتيجة لأن صناديق الاقتراع والديمقراطية هي الطريق الصحيح والسليم)...إذن لم تعد الديمقراطية مطية للوصول إلى تطبيق الشريعة في نظرهم، بل "هي الطريق الصحيح والسليم"! إذ لا يجوز أن يعقب أحد على حكم الشعب!

فيا مَن رضيتم بالله ربا وبالإسلام دينا...ألا تحمل هذه التصريحات معنىً واحدا: الرضا بالشعب حَكَما (وبالتالي ربا) وبالديمقراطية منهج حياة؟ ((أفغير الله أبتغي حكما وهو الذي أنزل إليكم الكتاب مفصلا)).
قد يتعذر متعذر لهذه التصريحات بأن (الشعب في عمومه مسلم، ولن يختار غير الشريعة، فسيادة الشعب تؤدي إلى تطبيق الشريعة). يعني يريد أن يتوصل من خلال تسييد الشعب إلى سيادة الله. وهذا يساوي عند التحقيق القول بالتوصل إلى ربوبية الله من خلال ربوبية الشعب! ويذكرنا بقول مَن قبلهم ((ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى)). وهؤلاء يقولون ما نحتكم إلى الشعب إلى ليقربنا إلى تحكيم دين الله!
وقد بينا بطلان هذا الطرح في حلقة (قصة عجلان وسليمة) بيانا وافيا.
وقد يتذاكى علينا من اعتاد صياغة جمل هلامية يحفظ فيها خط الرجعة لنفسه أمام جميع الأطراف فيقول أتقصد من كلامك أن الشعب ليس له سلطة في تولية وعزل الحاكم؟ وهنا لا بد من التنبيه إلى أننا نفرق جيدا بين السيادة التي لا حق لأحد من البشر فيها، وفي المقابل سلطة الشعب المسلم في اختيار الحاكم المسلم ليحكمه في ظل سيادة الشريعة، وسلطة الشعب المسلم في عزل هذا الحاكم إن ظلم شعبه أو خرج على سيادة الشريعة. فهذه السلطة للشعب نقر بها ونعتبرها من حق الشعب بل ومن واجبه. وهذه السلطة منضبطة بأحكام الشرع من حيث كيفية اختيار الأمة للحاكم الذي جعل له الشرع شروطا يتم اختياره بحسبها، ومن حيث كيفية عزله إن خرج عن أحكام الشرع. فسيادة الله تعالى أعطت الشعب المسلم الحق في أن يولي ويعزل ويراقب ويحاكم الحاكم على أساس الشريعة وما تكفله من حقوق للرعية.
كلامنا عن سيادة الشعب، فنحن نعارض تسييد الشعب على أنه وسيلة مرحلية لنزع السيادة من السلطات الدكتاتورية المعادية للشريعة. نعارضه حتى لو قال قائل: أنا لا أقر بسيادة الشعب لكننا نتخذها وسيلة لتطبيق الشريعة.
لكن الخطير في الموضوع أن التصريحات المذكورة، والتوجه الذي انبثقت عنه تصحح مفهوم سيادة الشعب في ذاته، لا أنها تبرره بشرعية هدفه فحسب...أصبح يكرس في النفوس أن الشعب هو صاحب الحق في الحكم على الأشياء، وأن حكمه محترم أيا كان، إذ أنه يمثل "الشرعية الشعبية"، والتنقص من إرادة الشعب والعمل بخلافها خروج على "الشرعية" و رِدة عن الديمقراطية والحرية! صار يُروَّج لفكرة أن إرادة الشعب مقدسة في ذاتها حتى لو اختار غير شرع الله!
لهذا فإن الحاكم في الإسلام لا يبايع من قبل الأمة كأجير عندها لينفذ لها ما تريد كما في الديمقراطية وانما يبايع من الأمة لينفذ الشرع فلو خرج الناس الذين بايعوه عن الشرع قاتلهم حتى يرجعوا

هذا المفهوم الفاسد، وهذا الدين الجديد المسمى "سيادة الشعب"، أفسد عقائد كثير من المسلمين وتصوراتهم، وأحدث اضطرابا في أحكامهم ومواقفهم وتصرفاتهم. وسنرى أمثلة لذلك في الحلقة القادمة بإذن الله.
خلاصة الحلقة: سيادة الشعب تعني ربوبية الشعب، فالسيادة تعني الحاكمية العليا, والحق في التصويب والتخطئة للأقوال والأفعال والمبادئ والأفكار، والحق في الأمر والنهي, والحق في المكافأة والعقاب الدنيوي على الصواب والخطأ. وهذه كلها لله.
والسلام عليكم ورحمة الله.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
المثنى 2007
عضو فعال
عضو فعال
المثنى 2007

شكرا لتفاعلك ومشاركتك
اللهم اغفر له وارحمه وتجاوز عنه


تفريغ سلسلة نصرة للشريعة للدكتور إياد القينبي  Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفريغ سلسلة نصرة للشريعة للدكتور إياد القينبي    تفريغ سلسلة نصرة للشريعة للدكتور إياد القينبي  I_icon_minitime16/2/2013, 9:59 pm

السلام عليكم

الحلقة 27

أبو بكر الصديق يخرج على الشرعية الشعبية! نصرة للشريعة 27
[وحدهم المشرفون لديهم صلاحيات معاينة هذا الرابط]
السلام عليكم ورحمة الله. إخوتي الكرام في الحلقة الماضية بينا أن "سيادة الشعب" تعني ربوبية الشعب. اليوم سنناقش ستة آثار لمفهوم "سيادة الشعب" على عقائد المسلمين ومواقفهم لنرى أننا لم نبالغ حينما وصفناه بأنه دين جديد غير دين سيادة الله عز وجل
. 1) أول هذه الآثار الاعتراف بما يسمى "الشرعية الشعبية"، والتي تعني لدى الكثيرين إضفاء الشرعية على نظام الحكم أو الحاكم لمجرد أن الشعب اختاره بغض النظر عما يحكم به. وأركز هنا على عبارة "بغض النظر عما يحكم به" حتى لا يُشوَّش علينا بأنا لا نقر بسلطة الشعب، وقد وضحت في الحلقة الماضية أن الشعب المسلم له سلطة اختيار الإمام الذي يحكمه بالشريعة. كلامنا عمن يرى أن نظام الحكم أو الرئيس يصبح شرعيا بمجرد اختيار الشعب له دون نظر لالتزامه بالشريعة، ثم بعد ذلك يستخدم نصوص الشريعة الإسلامية في تطويع الناس لهذا الحاكم، فنقول له: حدد موقفك: ما مصدر الشرعية عندك؟ هل المصدر هو كتاب الله القائل: ((يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم))؟ إن كان كذلك فكتاب الله يقول أيضا: ((ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون)). فإن كان الاحتكام إلى الله ورسوله، فليكن احتكاما كليا صادقا وإلا أصابكم قوله تعالى: ((وإذا دُعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون (48) وَإِن يَكُن لَّهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ (49) )) (النور). أم أن مصدر الشرعية عندك هو اختيار الشعب لهذا الرئيس بغض النظر عما يحكم به؟ إن كان كذلك عندك فمن لم يطع أمر الله بالحكم بشريعته فليس له أن يُطوِّع الناس لحكمه باسم الله. فشريعة الله عقد ملزم للحاكم كما هو ملزم للمحكوم. أصدر أزهري فتوى فيها تخاليط بين دين الله ودين سيادة الشعب. فهو يحذر في فتواه من "الخروج" على الرئيس الفلاني، معللا ذلك بأن الأمة اختارته بـ"بيعة" مباشرة متمثلة في الانتخابات الحرة. فاستنتج أن: الرئيس "الشرعي" الآن هو فلان. ثم قال: فهؤلاء –الخارجون عليه- يقومون بـ"الحرابة الكبرى"، وثورتهم هي "ثورة خوارج وردة على الديمقراطية والحرية". ثم استخدم هذا الأزهري نصوصا شرعية في كيفية التعامل معهم. تناقض وتخبط وتخليط عجيب و تردد بين جعل المرجعية للشريعة وجعلها للشعب! إما أن تكون الشرعية مستمدة من شريعة الله، وحينئذ فالرئيس ملزم بتطبيق الشريعة والشعب ملزم بطاعته بنص كلام الله وكلام رسوله. أو أن تكون الشرعية عندكم مستمدة من اختيار الشعب فحسب، وحيئنذ فلا تلجأوا إلى قال الله وقال رسوله، بل كونوا منسجمين مع أنفسكم وقولوا: دين الديمقراطية يقول وجان جاك روسو يقول. ثم إن كانت الشرعية مستمدة من اختيار الشعب للرئيس فحسب، فيلزم من ذلك أن الشعب إن اختار رئيسا علمانيا فهو رئيس شرعي، وبمنطق هذه الفتوى يحق له أن يطبق حد الحرابة على الخارجين عليه لأنهم ارتدوا عن الحرية والديمقراطية! فمثل هذه الفتاوى يلزم منها لوازم في غاية الفساد.

2) من الآثار المشؤومة لشيوع مفهوم سيادة الشعب أن من الناس من يحكم على فعل بالخطأ لمخالفته أمر الحاكم الذي يتمتع بـ"الشرعية الشعبية"، حتى وإن كان عمله هذا يتمتع بالشرعية الإلهية! فأصبحنا نسمع من يعارض قتال اليهود من خلال الحدود المصرية وتفجير خطوط الغاز لأن ذلك خروج عن سياسات الرئيس الذي يتمتع بالـ"شرعية الشعبية"! نعود فنقول: هل وجه انتقادكم أن هذا ولي أمر شرعي؟ وهل منعُه من قتال اليهود مستند إلى نصوص شرعية؟ فليظهر هذه النصوص لنا. ثم إن أظهرها فهل هو ملتزم بالشريعة التي يطوِّع الناس بها. أم أن الأدلة الشرعية ليست لغتكم؟ بل ترون أن من أعطاه الشعب الشرعية له الحق أن يعاقب من يقوم بأفعال أعطاها الله الشرعية؟! حددوا لنا تعريف هذا المفهوم المشوه الهجين "الشرعية الشعبية" الذي تحاكمون به الأفراد والأفعال؟ إذن فالشريعة لم تعد هي المعيار الأوحد في الحكم على الأفعال والأشخاص لدى هؤلاء. فإنك إن سألت أحدهم: (أنت عندما تعارض جهاد اليهود لأن النظام المنتخب "الشرعي" يمنع من ذلك، فهل تعني بذلك أن جهادهم محرم شرعا في هذه الحالة؟)، فلعله يتردد في أن يجيب بــ (نعم). لكن لو سألته: (هل تعني أن جهادهم خطأ) فلن يتردد وسيقول: نعم خطأ! إذن أصبح هناك معيار آخر لتصويب وتخطئة الأفعال غيرُ الشريعة!
3) من آثار مفهوم سيادة الشعب ترويج العلمانية بعباءة "إسلامية"! فما هي العلمانية؟ أن تعبد الله في أحوالك الشخصية كما تشاء لكن تحتكم في السياسات العامة إلى القوانين التي صيغت بالأغلبية الشعبية، ولا تتحدثَ بعد ذلك عن فرض سلطان الإسلام وتطويع الناس لربهم. جَهِد خفافيش العلمانية في ترويج هذا المبدأ عقودا طويلة كانوا فيها منبوذين تعرفهم في لحن قولهم ونشاز أشكالهم...أذيالا لأنظمة يمقتها الناس ويمقتون من لف لفيفها. ثم إذا بهذه المبادئ العلمانية تندس إلى بيوت المسلمين بعباءة "إسلامية" وتضفى عليها مسحة إسلامية بمصطلحات هجينة تخلط بين النصوص الشرعية وسيادة الشعب.
4) من آثار مفهوم سيادة الشعب طمس عقيدة الولاء والبراء والتسويةُ بين المسلم والكافر على أساس المواطنة حتى فيما فرق الشرع فيه، بل والتسوية بينهما تسوية قيمية ذاتية. فالمسلم العالم التقي والنصراني والشيوعي الملحد والشاذ جنسيا، هؤلاء كلهم أفراد من الشعب، ولكل منهم نصيب من السيادة الموزعة حسب الكثرة العددية، أي أن لكل منهم نصيبا من الربوبية! فقد بينا في الحلقة الماضية أن السيادة التي يتكلمون عنها من خصائص الربوبية. فما عاد مقبولا ذوقا أن يقال عن هذا "الـرب الصغير" كافر، أو ضال، أو فاسق. فقد يُحَصل هو وزمرته يوما الأغلبية، وبالتالي الشرعية الشعبية، فيصبح كفرُه وضلاله قانونا يكافأ الملتزم به ويعاقب مخالفه! والمسألة رقمية نسبية، فلا حقَّ مطلقَ ولا ضلالَ مطلق!

5) من آثاره أنك ترى من ينتسب إلى الإسلام ومع ذلك يدافع عن قوانين تُطبق في دول غربية، كتلك التي تمنع الحجاب في المدارس والجامعات، على اعتبار أن هذه القوانين صيغت بالأغلبية وحصلت على الشرعية الشعبية! فمن ينادي بسيادة الشعب فليس له أن يحصر هذه السيادة في الشعوب المسلمة، إذ لو كان المبرر لسيادتها إسلامُها فهذا يعيدنا إلى تسييد الإسلام ذاته، وإن كان المبرر الكثرةَ فكثرة أي بلد هي التي تضفي الشرعية على أي حكم مهما كان!
6) من آثار سيادة الشعب إبطال شرائع الإسلام كجهاد الطلب. فلا أدري ما المبرر للفتوحات الإسلامية وجهاد الطلب إن كان فيه خروج على إرادة وسيادة الشعوب الرافضة للإسلام وأداء الجزية؟! وكيف يمكن التوفيق بين ((ويكون الدين كله لله)) واحترام سيادة هذه الشعوب وإرادتها وديمقراطيتها؟! ثم إنه بعد وفاة النبي وردة أناس وامتناع آخرين عن الزكاة لم يكن أبو بكر الصديق رضي الله عنه يملك الشرعية الشعبية. فلو أجريت انتخابات ديمقراطية "نزيهة" لفاز مسيلمة الكذاب الذي كان يحظى بتأييد مئة ألف من بني حنيفة! فمحاربة أبي بكر لمانعي الزكاة والمرتدين كانت –في دين سيادة الشعب- انقلابا على الشرعية الشعبية وردة عن الحرية والديمقراطية وديكتاتورية دينية وفرضا لـ"مفهومه الخاص للإسلام"! وكان الأولى به –حسب دين سيادة الشعب- أن ينشر "مفهومه للإسلام" بطريقة سلمية ويحتكم هو وشرائح المجتمع كافة إلى صناديق الاقتراع ويقبلوا بالنتيجة مهما كانت! أما في دين الله، فتطبيق الشريعة هو العقد الملزم للطرفين. فإن خرج الحاكم عن الشريعة خلعه الشعب، وإن خرج جزء من الشعب عن الشريعة حاربهم الحاكم حتى يعودوا. هذه بعض لوازم سيادة الشعب. لكن أود ختاما أن ألفت النظر إلى أن مشكلتنا الحقيقية ليست مع الشعوب الإسلامية، ولا أريد أن يظهر من كلامنا وكأن الشعب ادعى السيادة فحاولنا انتزاعها منه. بل مشكلتنا في هذا الموضوع مع من مارسوا العمل السياسي باسم الإسلام وأدخلوا إليه بممارساتهم الخطيرة مفاهيم غريبة شوشت ما كان من المسلمات الفطرية لدى الشعوب. ثم هم بعد ذلك لم يحترموا ولا حتى سيادة الشعب التي نادوا بها، بل قاموا بعد وصولهم الحكم بما يحرمه الله ويرفضه الشعب! فلا شريعة أقاموا، ولا شعبا سودوا، ولا تركوا عقائد الناس على نقائها الفطري، بل نفذوا ما يريده النصارى والفساق والعلمانيون والدول الغربية. هذا ما سنبينه في الحلقة القادمة بإذن الله. والسلام عليكم ورحمة الله.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
المثنى 2007
عضو فعال
عضو فعال
المثنى 2007

شكرا لتفاعلك ومشاركتك
اللهم اغفر له وارحمه وتجاوز عنه


تفريغ سلسلة نصرة للشريعة للدكتور إياد القينبي  Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفريغ سلسلة نصرة للشريعة للدكتور إياد القينبي    تفريغ سلسلة نصرة للشريعة للدكتور إياد القينبي  I_icon_minitime16/2/2013, 10:04 pm

السلام عليكم
الحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات
لقد أنتهت سلسلة نصرة للشريعة
وهذا رابط واحد لجميع السلسلة
[وحدهم المشرفون لديهم صلاحيات معاينة هذا الرابط]

وأذا أضاف الشيخ إياد القنيبي لهذه السلسلة شئ جديد فأن شاء الله سوف أضيفه هنا
ولا تنسونا من صالح دعائكم
وجزاكم الله خيرآ
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
المثنى 2007
عضو فعال
عضو فعال
المثنى 2007

شكرا لتفاعلك ومشاركتك
اللهم اغفر له وارحمه وتجاوز عنه


تفريغ سلسلة نصرة للشريعة للدكتور إياد القينبي  Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفريغ سلسلة نصرة للشريعة للدكتور إياد القينبي    تفريغ سلسلة نصرة للشريعة للدكتور إياد القينبي  I_icon_minitime23/2/2013, 9:36 pm

السلام عليكم
لقد أضاف الشيخ إياد القنيبي اليوم
مقال جديد في نصرة الشريعة
قال الله ولكن!-نصرةً للشريعة 29
السلام عليكم ورحمة الله.
إخوتي الكرام نستمر بعون الله في سلسلة (نصرةً للشريعة).
في حلقة مفاسد أسلمة الديمقراطية ذكرنا مفاسد نتجت عن الانخراط في العمل السياسي المتحلل من الضوابط الشرعية. ثم في حلقات تلتها وضحنا أحد الآثار العقدية السلبية وهو شيوع مفهوم السيادة المطلقة للشعب، سيادته حتى على الشريعة.

اليوم نتكلم عن أثر فكري سلبي آخر، ظاهرة خطيرة تحتاج وقفة وتأملا وإصلاحا، ألا وهي تعود الناس على عدم احترام النص الشرعي، ومعارضتِه بالشبهات "العقلية".

عندما نناقش سلوكا معينا ونبين حرمته بالقرآن والسنة، فإن ردود المبررين المدافعين عادة ما تكون ردودا عقلية بحتة مجردة من الدليل. نقول لهم: قال الله تعالى وقال رسوله صلى الله عليه وسلم. وهم يقولون: هذا الطريق غير موصل، اختلفت الأحوال، يلزم من قولك أن نترك الساحة للعلمانيين، إن نفعل ما تقول تنتكس الدعوة ويزج بالمسلمين في السجون، يترتب على قولك تضليل كثير من الناس، طرحكم تسطيح للمسألة، الوضع أعقد من هذا، إن فعلنا ما تقولون تكالب علينا أعداؤنا وفقدنا مكتسباتنا وحينئذ لا عزاء للأغبياء.

بل ويتكلم البعض بعبارات مثل: التنظير سهل لكن عند الدخول في المعترك يختلف الأمر، كلامكم هذا مثاليات حالمة يصعب تطبيقها عند مواجهة الضغوط.
يقولون هذه العبارات بنفَس الإنسان المجرب صاحب الرؤية الشمولية والنظرة الحكيمة الذي عركته الحياة مخاطبا شابا غِرا متحمسا. مع أن هذه العبارات ما هي إلا رفض مبطن لنصوص الكتاب والسنة واتهام لها بالقصور وعدم الكفاية...مدارها جميعا على عبارة من قال قبلهم: (إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا).

نحن عندما نخاطبهم بقال الله وقال رسوله نحسب أننا حسمنا الأمر وقطعنا السؤال لأننا نخاطب مسلمين، فإذا بنا نفاجأ بأن هذه اللغة لا تعني الكثير بالنسبة لهم ولا تقنعهم، بل يردون بقولهم يلزم ويترتب ولكن والواقع والظروف. وأحيانا يخلطون كلامهم بعبارات مجملة لتلطيف حدة ردهم لكلام الله ورسوله، كقولهم: (وقد تنازل النبي في صلح الحديبية)، (الإسلام لا يمكن أن يدعو إلى ما تقول)، (ما تقوله هو فهمك أنت للآيات)، (أنتم تتشبثون بنص واحد ولا تنظرون إلى الموضوع بشموليته).

طيب نسألهم: هاتوا لنا الفهم الصحيح، هاتوا لنا النصوص الأخرى...لا جواب...إنما هي إطلاقات هلامية واتباع للهوى. فنحن عندما نقول الشبهات العقلية إنما نستخدم اصطلاحا تعارف عليه الناس، وإلا فهي هوى متبع، أما العقل فهو يقود إلى اتباع النقل وللإذعان لحكم الله تعالى.

فنقول هنا إخواني، هذه الطريقة فيها رد لحكم الله ورسوله. فالإسلام مبني على التسليم والخضوع التام لأحكام الله تعالى، ثقة ويقينا وإيمانا بأنه ((وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون)). الإسلام مبني على أنك تفعل الشيء مخالفا لهواك وعقلك ثقة ويقينا بعلم الله وحكمته ورحمته.

الرد على النصوص الشرعية بالشبه العقلية هو عدم احترام لها، وعدم توقير لها...إذ ليس التوقير بتقبيل القرآن وتعليق آياته زينة في البيوت. قال الله تعالى: ((إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا على الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا)). إذن فمن ادعى الإيمان فليس له إلا هذا الرد.

إخواني نهى الله عز وجل المؤمنين عن أن يفعلوا فعلا أو يقضوا أمرا قبل إذن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ((يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله)). فكيف بمن جاءه أمر الله ورسوله فرد عليه بشبهاته العقلية؟!
نهى الله عز وجل عن مجرد رفع الصوت في حضرة النبي فقال تعالى:
((يا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ)). كاد الخيران أبو بكر وعمر أن يهلكا وتحبط أعمالهما لأن أصواتهما ارتفعت وهما يختلفان على اختيار أمير لبني تميم. لم يتكلم النبي ولم يردا عليه أمره بل رفعا صوتهما في حضرته فقط، كما في البخاري. فجاءهما التنبيه: ((أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ)).
فكيف بمن يقال له: قال الله ورسوله فيقول: ولكن أرى أنه، والواقع، والتبعات؟! ألا يخشى من يردون بهذه العبارات أن تحبط أعمالهم وهم لا يشعرون؟!

ليست مشكلتنا مع هؤلاء أنهم يردون على الكتاب والسنة بالكتاب والسنة. فلو أنهم قالوا: لعل هذه الآية عامة وهناك آية تخصصها، أو لعلها مطلقة وهناك آية تقيدها، أو لعلها منسوخة، أو لعل الحديث غير صحيح، أو لعلها أو لعلكم لم تفهموا الآية أو الحديث والفهم الصحيح كذا، أو لعلكم لم تحسنوا تحقيق المناط فأنزلتم الدليل على غير محله.
لو كانت الردود من هذا الجنس لهان المصاب ولأمكن التحاور والوصول إلى نتيجة. لكنهم يقولون: العمل السياسي يتطلب والمرحلة تقتضي.

قال ابن تيمية في مجموع الفتاوى:
(وفي قوله تعالى‏:‏ ‏{‏يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ‏}‏، بيان أنه لا يجوز أن يعارض كتاب الله بغير كتاب الله، لا بفعل أحد ولا أمره، لا دولة ولا سياسة، فإنه حال الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم). إذن هذه مجادلة في آيات الله تستوجب مقت الله يا عبد الله فاحذر.
قال الله تعالى: ((الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم كبر مقتا عند الله وعند الذين آمنوا)). كل من شم رائحة الإيمان يمقت مثل هذا الرد على كلام الله.

قال ابن رجب في (جامع العلوم والحكم): (فأما إن كانت همة السامع مصروفة عند سماع الأمر والنهي إلى فرض أمور قد تقع وقد لا تقع، فإن هذا مما يدخل في النهي، ويثبط عن الجد في متابعة الأمر).
وهؤلاء يقولون: إذا استجبنا لما تقولون فسيقع كذا وسنفقد كذا.

وقد اشتد نكير صحابة النبي صلى الله عليه وسلم على من يقال له: قال رسول الله فيقول (ولكن)، روى البخاري ومسلم أن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الحياء خير كله). فقال بشير بن كعب: (إنا لنجد في بعض الكتب أو الحكمة أن منه سكينة ووقارا لله، ومنه ضعف) فغضب عمران حتى احمرّت عيناه وقال : (ألا أراني أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتُعارض فيه).

وروى ابن ماجة أن عبادة بن الصامت ذكر أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن درهمين بدرهم، فقال رجل: (ما أرى بهذا بأسًا، يدًا بيد). فقال عبادة: أقول قال النبي صلى الله عليه وسلم وتقول: لا أرى به بأسًا! والله لا يظلُّني وإياك سقف أبدًا (صححه الألباني).
ولاحظوا إخواني أن هذه الردود التي أنكرها الصحابة كانت فلتة تفلت من فم المتكلم لا يُظن إلا أنه تاب عنها، ولم تكن تمثل منهجا مستمرا مستقرا يردون به على النصوص.

ونختم بكلام نفيس لابن القيم رحمه الله في (مدارج السالكين) إذ قال:
هل كان في الصحابة من إذا سمع نصَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم عارضه بقياسه أو ذوقه أو وجده أو عقله أو سياسته؟ وهل كان قط أحدٌ منهم يقدم على نصِّ رسول الله صلى الله عليه وسلم عقلاً أو قياسًا أو ذوقًا أو سياسة أو تقليد مقلِّد؟ فلقد أكرم الله أعينهم وصانها أن تنظر إلى وجه من هذا حاله أو يكون في زمانهم.
ولقد حكم عمر بن الخطاب رضي الله عنه على من قدَّم حُكمه على نصِّ الرسول بالسيف، وقال: هذا حُكمي فيه..
فيا لله! كيف لو رأى ما رأينا؟ وشاهد ما بُلينا به من تقديم رأي كلِّ فلان وفلان على قول المعصوم صلى الله عليه وسلم، ومعاداة من اطَّرح آراءهم وقدَّم عليها قول المعصوم؟
فالله المستعان .. وهو الموعد .. وإليه المرجع) انتهى كلامه رحمه الله.
نسأل الله أن يهدي الضالين من المسلمين ويشرح بهذا الكلام صدور من يسمع ويتقبل منا أعمالنا.
والسلام عليكم ورحمة الله.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
تفريغ سلسلة نصرة للشريعة للدكتور إياد القينبي
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 2انتقل الى الصفحة : 1, 2  الصفحة التالية
 مواضيع مماثلة
-
» سلسلة "رحلة اليقين" للدكتور إياد قنيبي
» التبرير الخطير على دينك !نصرة للشريعة
» نجحت العملية ومات المريض!- نصرة للشريعة 14
» تفريغ سلسلة [شرح السنة للإمام البربهاري رحمه الله]
» تفريغ كلمة رسالة الى الامة الاسلامية اسامة بن لادن

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى المؤمنين والمؤمنات :: {{{{{{{{{{مدونات اعضاء المؤمنين والمؤمنات}}}}}}}}}} :: مدونات الاعضاء :: مدونة الدكتور اياد القنيبي-
انتقل الى: