منتدى المؤمنين والمؤمنات
عن عبادة بن الصامت ، عن رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - أنه قال : من قتل مؤمنا فاغتبط بقتله لم يقبل الله منه صرفا ولا عدلا فأتاهُ رجلٌ فَناداهُ : يا عبدَ اللَّهِ بنَ عبَّاسٍ ، ما تَرى في رجُلٍ قتلَ مُؤمنًا متعمِّدًا ؟ فقالَ : جَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا قالَ : أفرأيتَ إِن تابَ وعملَ صالحًا ثمَّ اهتَدى ؟ قالَ ابنُ عبَّاسٍ : ثَكِلتهُ أمُّهُ ، وأنَّى لَهُ التَّوبةُ والهُدى ؟ والَّذي نَفسي بيدِهِ ! لقَد سَمِعْتُ نبيَّكم صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ يقولُ : ثَكِلتهُ أمُّهُ ، قاتِلُ مؤمنٍ متعمِّدًا ، جاءَ يومَ القيامةِ آخذَهُ بيمينِهِ أو بشمالِهِ ، تشخَبُ أوداجُهُ في قِبَلِ عرشِ الرَّحمنِ ، يلزمُ قاتلَهُ بيدِهِ الأخرى ، يقولُ : يا ربِّ سَل هذا فيمَ قتلَني ؟ وأيمُ الَّذي نفسُ عبدِ اللَّهِ بيدِهِ ! لقد أُنْزِلَت هذِهِ الآيةُ ، فما نسخَتها مِن آيةٍ حتَّى قُبِضَ نبيُّكم صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ ، وما نَزل بعدَها مِن بُرهانٍ
الراوي: عبدالله بن عباس المحدث: أحمد شاكر - المصدر: عمدة التفسير - الصفحة أو الرقم: 1/552
خلاصة حكم المحدث: إسناده صحيح
منتدى المؤمنين والمؤمنات
عن عبادة بن الصامت ، عن رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - أنه قال : من قتل مؤمنا فاغتبط بقتله لم يقبل الله منه صرفا ولا عدلا فأتاهُ رجلٌ فَناداهُ : يا عبدَ اللَّهِ بنَ عبَّاسٍ ، ما تَرى في رجُلٍ قتلَ مُؤمنًا متعمِّدًا ؟ فقالَ : جَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا قالَ : أفرأيتَ إِن تابَ وعملَ صالحًا ثمَّ اهتَدى ؟ قالَ ابنُ عبَّاسٍ : ثَكِلتهُ أمُّهُ ، وأنَّى لَهُ التَّوبةُ والهُدى ؟ والَّذي نَفسي بيدِهِ ! لقَد سَمِعْتُ نبيَّكم صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ يقولُ : ثَكِلتهُ أمُّهُ ، قاتِلُ مؤمنٍ متعمِّدًا ، جاءَ يومَ القيامةِ آخذَهُ بيمينِهِ أو بشمالِهِ ، تشخَبُ أوداجُهُ في قِبَلِ عرشِ الرَّحمنِ ، يلزمُ قاتلَهُ بيدِهِ الأخرى ، يقولُ : يا ربِّ سَل هذا فيمَ قتلَني ؟ وأيمُ الَّذي نفسُ عبدِ اللَّهِ بيدِهِ ! لقد أُنْزِلَت هذِهِ الآيةُ ، فما نسخَتها مِن آيةٍ حتَّى قُبِضَ نبيُّكم صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ ، وما نَزل بعدَها مِن بُرهانٍ
الراوي: عبدالله بن عباس المحدث: أحمد شاكر - المصدر: عمدة التفسير - الصفحة أو الرقم: 1/552
خلاصة حكم المحدث: إسناده صحيح
منتدى المؤمنين والمؤمنات
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى المؤمنين والمؤمنات

-- قال صلى الله عليه وسلم وايم الله لقد تركتكم على مثل البيضاء ليلها و نهارها سواء “
 
الرئيسيةاليوميةالأحداثمكتبة المنتدىالمنشوراتس .و .جبحـثالتسجيلدخولاالمواضيع اليوميه النشيطه
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ
فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ }. ...
فهذه رسالة مختصرة إلى أهل الثغور في الشام،
وكما لهم حق النصرة فلهم حق النصيحة، فأقول:١
1--
عليكم بالاجتماع، فإن لم تجتمعوا على كمالٍ في الحق فلا تتفرقوا
بسبب نقص بعضكم، لا تفرقكم بدعة ومعصية فإنكم تقابلون كفرًا،
فقد اجتمع المسلمون على قتال العبيديين وقائدهم خارجي،
وقاتل ابن تيمية التتار ومعه أهل بدع.




٢---
بالفرقة تُهزم الكثرة، وبالاجتماع تنصر القلة، ولن تنتصروا حتى تقتلوا هوى النفس قبل قتل العدو، فالهوى يقلب موازين العداوات فتنتصر النفوس لهواها وتظن أنها تنتصر لربها،
وقليل الذنوب يُفرق القلوب، قال النبي ﷺ: (لتقيمن صفوفكم أو ليخالفن الله بين قلوبكم) لم يمتثلوا باستواء صفوف الصلاة فتسبب بانـحراف القلوب،
فكيف بانـحراف صفوف الجهاد ولقاء العدو، فإن اختلفت القلوب فالتمسوا سبب ذلك في سوء الأعمال .


3---- إنكم في مقام اصطفاء ومقام ابتلاء، فمن أعلى مراتب الجنة جُعلت لمقاتلٍ قاتل لله، وأول مَن تُسَّعَر بهم النار مقاتل قاتل لهواه . ٤)---- إياكم وحب الاستئثار بالأمر وقد حذّر النبي ﷺ من (الأثَرَة) فاجعلوا همّكم نصرة الدين لا صدارة حزب وجماعة .

٥) ----
لا تخدعكم الألقاب فتوالوا لها وتعادوا عليها، فالله لا ينظر إلى ألويتكم وراياتكم وأسماء جماعاتكم، بل ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم،
لا تختصموا على اسمٍ فمهما بلغت أسماؤكم شرفاً فلن تكون أعظم شرفاً من كلمة (رسول الله) حيث محاها رسول الله بيده من صلح الحديبية
عندما نازعه المشركون عليها وذلك حتى يُمضي الحق وصالح الأمة .

٦)
----



العبرة بأعمالكم، فما ينفع (حزب الله) اسمه عند الله

٧)
 
لا يجوز لأحدٍ أن يجعل جماعته وحزبه قطبَ رحى الولاء والعداء، فلا يرى البيعة إلا له ولا يرى الإمارة إلا فيه،
ومن رأى في نفسه ذلك من دون بقية المسلمين فهو من الذين قال الله فيهم (إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعًا لست منهم في شيء)
قال ابن عباس لما قرأ هذه الآية: أمر الله المؤمنين بالجماعة، ونهاهم عن الاختلاف والفرقة، وأخبرهم
إنما هلك من كان قبلهم بالمراء والخصومات في دين الله
وبالاختلاف والتنازع يذهب النصر (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم) قال قتادة: لا تختلفوا فتجبنوا ويذهب نصركم .
٨) ---
لا يصح فيكم اليوم وأنتم في قتال وجماعات أن ينفرد أحدٌ ببيعة عامة يستأثر بها ولوازمها عن غيره وإنما هي بيعة جهاد
وقتال وثبات وصبر وإصلاح ونـحو ذلك، ولا يصح من أحدٍ أن ينفرد بجماعة منكم فيُسمى (أمير المؤمنين) وإنما أمير الجيش
أو الجند أو الغزو، فالولايات العامة مردّها إلى شورى المؤمنين لا إلى آحادٍ منهم، والألقاب استئثار تفضي إلى نزاع وقتال
وفتنة وشر، وإنما صحت الولاية الكبرى من النبي ﷺ لأنه ليس في الأرض مسلم سواه ومن معه، وليس في
الأرض خير من نبي ولا أحق بالأمر منه، فلو استأثر فهو نبي لا يرجع لأحدٍ ويرجع إليه كل أحد .

9---- لا يضرب بعضكم رقاب بعضٍ، فاتقوا الله في دمائكم، واحذروا مداخل الشيطان في تسويغ القتل وتبريره فتأخذوا أحداً بظن العمالة أو التجسس
أو التخذيل فالله حذر من الظنون التي تفسد أمر الأمة وتفرق شملها (اجتنبوا كثيرًا من الظن إن بعض الظن إثم)
ولا تجوز طاعة أميرٍ في قتل مسلم معصوم ومن أُمر بحرام كقتل معصومٍ فلا تجوز طاعته ولا بيعته حتى بيعة قتال،
 ولو بايعه فبيعته منقوضة، ولا يجوز لأحدٍ أن يمتثل أمرًا ظاهره التحريم  حتى يتيقن من جوازه بعلمٍ وإن جهل سأل من يعلم،
حتى لا يلقى الله بدم أو مال حرام، فيُفسد آخرته بجهل أو تأويل غيره، فالله يؤاخذ كل نفس بما كسبت (كل نفس بما كسبت رهينةٍ)
ولا أعظم بعد الشرك من الدم الحرام .

تابع 9 ----

فقد صح من حديث ابن عمر، أن النبي ﷺ أمّر خالد بن الوليد إلى جذيمة فدعاهم إلى الإسلام، فلم يحسنوا أن يقولوا: أسلمنا، فجعلوا يقولون:

صبأنا، صبأنا، فأمر خالد بقتل أسراهم، فقال ابن عمر: والله لا أقتل أسيري، ولا يقتل رجل من أصحابي أسيره،

قال: فقدموا على النبي ﷺ فذكروا له صنيع خالد، فقال النبي ﷺ ورفع يديه: (اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد) مرتين .

فقد عصوا خالدًا لما اشتبه عليهم الأمر، وهذا في دماءِ من الأصل فيه الكفر فكيف بدم من الأصل فيه الإسلام ؟!

10 ----

عند النزاع انزلوا إلى حكم الله كما أمر الله (وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله)
وقال: (فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر)
فالنزول عند حكم الله إيمان والنفرة منه نفاق، وإن اختلف اثنان أو جماعتان فليتحاكموا
إلى ثالث من غيرهم، دفعاً لتهمة المحاباة، فقد ورد في الحديث عنه ﷺ قال: (لا تجوز شهادة خصم ولا ظنّين)
وفي الحديث الآخر: (لا تجوز شهادة ذي غمر (عداوة) لأخيه، ولا مجرب شهادة،
ولا القانع (أي التابع) لأهل البيت، ولا ظنين في ولاء ولا قرابة)
وقد جاء معناه من طرق متعددة يشد بعضه بعضاً، وهذا في الشهادة وفي القضاء من باب أولى

١١)

احفظوا ألسنتكم فإن الوقيعة في أعراض بعضكم تزيد من أحقادكم على بعضكم، فما يزال الواحد واقعاً
في عرض أخيه حتى يمتلىء قلبه حقدًا وغلاً عليه فيُصدّق فيه ظن السوء ويُكذّب فيه يقين الخير .



١٢)
أحسنوا الظن بالعلماء ورثة الأنبياء واحفظوا قدرهم بالرجوع إليهم والصدور عن قولهم،
وأحسنوا الظن بهم واحملوا أقوالهم على أحسن المحامل، فمدادهم في نصرة الحق أثرها عظيم
وقد جاء عن جماعة من السلف (مداد العلماء أثقل في الميزان من دماء الشهداء)

13)

لا تُرحم الأمة إلا إذا تراحمت فيما بينها، ومحبة الله للمجاهدين ونصرته لهم معقودة
برحمتهم بالمؤمنين وتواضعهم لهم، وعزتهم على الكافرين، فإن من صفات المجاهدين
ما ذكره الله في قوله تعالى
: (فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم).



ومن الله استمدوا النصر والعون هو المولى فنعم المولى ونعم النصير .



الشيخ عبدالعزيز الطريفي ١٧/ من ذي القعدة / ١٤٣٤ هـ
.

 

 طوفان المباهلة

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
العميد
عضو فعال
عضو فعال
العميد

شكرا لتفاعلك ومشاركتك
اللهم اغفر له وارحمه وتجاوز عنه


طوفان المباهلة Empty
مُساهمةموضوع: طوفان المباهلة   طوفان المباهلة I_icon_minitime12/7/2020, 12:10 am


بسم الله الرحمن الرحيم


طوفان المباهلة 0c17f59bb36cf89ebdd912235adeca29149017bf


طوفان المباهلة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله محمد وعلى آله وصحبه.
في شهر جمادى الأولى 1435، دعا الشيخ أبو محمد العدناني (حفظه الله) قيادة جبهة الجولاني إلى مباهلة في كلمته المشهورة "ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين"، وكان ذلك بعدما زعم أبو عبد الله الشامي – عضو مجلس شورى جبهة الجولاني ولجنتها "الشرعية" العامة – في خطاب رسمي طويل أن الدولة الإسلامية أشد غلوا من الخوارج الأوائل؛ وبعد دعوة الشيخ العدناني استجاب الشامي بالنيابة عن قيادة حزبه – جبهة الجولاني.
قال الشيخ أبو محمد العدناني في الكلمة - بعدما ذكر بعض اتهامات الشامي وبيّن أنها أكاذيب هدفها تشويه صورة الدولة الإسلامية – فقال: "اللهم من كان كاذبا فاجعل عليه لعنتك، وأرنا فيه آية، واجعله عبرة، اللّهم كل من تآمر على الجهاد والمجاهدين، فردّ كيده في نحره، واكشف خبيئته، وافضح سريرته، واجعله عبرة لمن يعتبر، اللهم سلّط عليه الأسقام والبلايا" [ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين]؛ وقبله دعا الشيخ أبو مصعب الزرقاوي (رحمه الله) بهذا الدعاء على الفِرق التي كانت باطنا تنتمي إلى الحزب "الإسلامي" أو تتعاون معه، وذلك في كلمته "فسيكفيكهم الله".
ثم في شهر جمادى الآخرة 1435، أكّد الشيخ أبو محمد العدناني المباهلة بدعاء آخر في كلمة "ما كان هذا منهجنا ولن يكون"، فقال: "اللهم إن كانت هذه الدولة دولة خوارج، فاقصم ظهرها، واقتل قادتها، وأسقط رايتها، واهد جنودها إلى الحق؛ اللهم وإن كانت دولة إسلام، تحكم بكتابك وسنّة نبيك، وتجاهد أعداءك، فثبتها، وأعزها، وانصرها، ومكّن لها في الأرض، واجعلها خلافة على منهاج النبوّة، فقولوا: "آمين" يا أيها المسلمون؛ اللهم عليك بكل مَن شقّ صف المجاهدين، وفرّق كلمة المسلمين، وأفرح الكفار، وأغاظ المؤمنين، وأخّر الجهاد سنين؛ اللهم افضح سريرته، واكشف خبيئته، وأنزل عليه غضبك ولعنتك، وأرنا فيه عجائب قدرتك، قولوا: "آمين" يا أيها المسلمون" [ما كان هذا منهجنا ولن يكون].


- بحث مختصر حول المباهلة -
إن المجاهدين – ولله الحمد – من أرسخ الناس إيمانا بشرعية المباهلة؛ فقد كتب الشيخ عبد الكريم الحميد (ثبّته الله وفكّ أسره) رسالة قيّمة عنوانها "المشايخ الجدد ودعوتهم إلى المباهلة"، ذكر فيها الأدلة على هذه المسألة ودعا "هيئة كبار العلماء" المزعومة وكذلك سلمان العودة وناصر العمر إلى المباهلة بعدما تكرّر منهم تسمية المجاهدين بـ"الخوارج" ودعوة الفلسطينيين إلى المشاركة في دين الديمقراطية بالتصويت لحماس؛ وأكثر البحث التالي مأخوذ من رسالته.
الحجة الرئيسية في شرعية المباهلة هي الآيات التالية:
{إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ * الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلَا تَكُن مِّنَ الْمُمْتَرِينَ * فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ} [آل عمران: 59-61].
كان سبب نزول هذه الآيات أن وفدا من نجران جاء إلى النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم) ليجادلوه في الإسلام، فلمّا عُرضت المباهلة عليهم، نكلوا عنها، كما ذكر ابن كثير وغيره في تفاسيرهم.
وقال عزّ وجلّ: {قُلْ مَن كَانَ فِي الضَّلَالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَٰنُ مَدًّا حَتَّىٰ إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَّكَانًا وَأَضْعَفُ جُندًا} [مريم: 75].
قال ابن كثير (رحمه الله) في تفسير هذه الآية:
"يقول تعالى: {قل} يا محمد، لهؤلاء المشركين بربّهم المدّعين، أنهم على الحق وأنكم على الباطل: {من كان في الضلالة} أي: منا ومنكم، {فليمدد له الرحمن مدا} أي: فأمهله الرحمن فيما هو فيه، حتى يلقى ربه وينقضي أجله، {إما العذاب} يصيبه، {وإما الساعة} بغتة تأتيه، {فسيعلمون} حينئذ {من هو شر مكانا وأضعف جندا} أي: في مقابلة ما احتجوا به من خيرية المقام وحسن الندي؛ قال مجاهد في قوله: {فليمدد له الرحمن مدا} فليدعه الله في طغيانه؛ هكذا قرر ذلك أبو جعفر بن جرير (رحمه الله).
وهذه مباهلة للمشركين الذين يزعمون أنهم على هدى فيما هم فيه، كما ذكر تعالى مباهلة اليهود في قوله: {قل يا أيها الذين هادوا إن زعمتم أنكم أولياء لله من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين} [الجمعة: 6] أي: ادعوا على المبطل منا ومنكم بالموت إن كنتم تدعون أنكم على الحق، فإنه لا يضركم الدعاء، فنكلوا عن ذلك، وقد تقدم تقرير ذلك في سورة "البقرة" مبسوطا، ولله الحمد؛ وكما ذكر تعالى المباهلة مع النصارى في سورة "آل عمران" حين صمموا على الكفر، واستمروا على الطغيان والغلو في دعواهم أن عيسى ولد الله، وقد ذكر الله حججه وبراهينه على عبودية عيسى، وأنه مخلوق كآدم، قال بعد ذلك: {فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنت الله على الكاذبين} [آل عمران: 61] فنكلوا أيضا عن ذلك" [تفسير ابن كثير].
وقد دعا ابن عباس وابن مسعود والشعبي والأوزاعي وابن تيمية وابن القيم وابن حجر ومحمد بن عبد الوهاب وصديق حسن خان من خالفهم إلى المباهلة، وبعضهم دعا إليها من أجل مسائل فقهية فرعية.
قال ابن القيم (رحمه الله):
"والمناظرة إذا انتهت إلى هذا الحد لم يبق فيها فائدة، وينبغي العدول إلى ما أمر الله به رسوله من المباهلة" [مختصر الصواعق المرسلة].
وقال رحمه الله في فقه قصة الوفد من نجران:
"ومنها: أن السنة في مجادلة أهل الباطل إذا قامت عليهم حجة الله، ولم يرجعوا، بل أصروا على العناد أن يدعوهم إلى المباهلة، وقد أمر الله سبحانه بذلك رسوله، ولم يقل: "إن ذلك ليس لأمتك من بعدك"، ودعا إليه ابن عمه عبد الله بن عباس لمن أنكر عليه بعض مسائل الفروع، ولم ينكر عليه الصحابة، ودعا إليه الأوزاعي سفيان الثوري في مسألة رفع اليدين، ولم ينكر عليه ذلك، وهذا من تمام الحجة" [زاد المعاد].
وليس للمباهلة لفظ خاص؛ مثلا، دعا ابن حجر رجلا من محبّي الزنديق ابن عربي إلى المباهلة، فقال له: "قلْ: اللهم إن كان ابن عربي على ضلال فالعنِّي بلعنتك"، ودعا ابن حجر بعده: "اللهم إن كان ابن عربي على هدى فالعنِّي بلعنتك"، وبعد شهرين عَميَ بَصر محب ابن عربي وهلك مخزيا؛ ذكرها السخاوي – تلميذ ابن حجر – في كتابه "القول المُبْنِي".
قال العلماء: مما عُرف بالتجربة أنه لا تمضي على المباهل الكاذب سنة من يوم المباهلة دون أن تتحقّق نتائج الملاعنة، وربما تكون النتيجة بالهلاك المخزي (الذي لا يتضمن الشهادة في سبيل الله بشرف)، والمرض، والنفي من الأرض، والفقر، إلخ؛ وإذا كانت المباهلة بين طائفتين، فالنتيجة الظاهرة تكون بانتصار إحدى الطائفتين وانكسار الأخرى؛ تُظهر هذه النتيجة الطائفةَ الكاذبةَ بأوضح من مجرّد هلاك عضو واحد منها بشكل مخزٍ؛ فكيف لو هدّدت الطائفة الكاذبة بإهلاك الطائفة المخالفة كاملة بجنودها "أسود الشرقية"؟!
قال حذيفة (رضي الله عنه): "جاء العاقب والسيد – صاحبا نجران إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) - يُريدان أن يُلاعناه، فقال أحدهما لصاحبه: لا تفعل، فوالله لئن كان نبيّا فلاعننا، لا نفلح نحن ولا عقبنا من بعدنا" [صحيح البخاري].
قال ابن عباس (رضي الله عنهما): "لو أن اليهود تمنّوا الموت، لماتوا ورأوا مقاعدهم من النار، ولو خرج الذين يُباهلون رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، لرجعوا لا يجدون مالا ولا أهلا" [صحيح: رواه الإمام أحمد].
وروى الطبري (رحمه الله) عن عِلباء بن أحمر اليشكري (رحمه الله) – وهو تلميذ التابعي المفسّر عكرمة (رحمه الله) – لمّا دعا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) اليهود ليلاعنهم، قال شاب من اليهود: "ويحكم أليس عهدكم بالأمس إخوانكم الذين مُسِخُوا قردة وخنازير؟ لا تُلاعنوا، فَانْتَهَوْا" [تفسير الطبري - باختصار].
وكانت المباهلة جزءا من دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب (رحمه الله)، حيث قال:
"وأنا أدعو من خالفني إلى أحد أربع: إما إلى كتاب الله، وإما إلى سنّة رسوله (صلى الله عليه وسلم)، وإما إلى إجماع أهل العلم؛ فإن عاند، دعوته إلى المباهلة، كما دعا إليها ابن عباس في بعض مسائل الفرائض، وكما دعا إليها سفيان والأوزاعي في مسألة رفع اليدين، وغيرهما من أهل العلم" [الدرر السنية].


- عقيدة المجاهدين الصحيحة -
بعد هذا البحث، لا بد من التذكير بأن المجاهدين من أصح الناس عقيدة، خاصّة في أسماء الله وصفاته وأفعاله، وذلك لأن عقيدتهم هي عقيدة أهل السنّة والجماعة، فيؤمنون أن أفعال الله حقّا لا تخرج عن الرحمة والعدل والحكمة، خلافا للأشاعرة الذين يؤمنون بأن الحكمة تنافي كونه مريدا مختارا! لذلك لا يصفونه بحكمة حقّا، فضلا عن الرحمة، التي يؤولونها لمعنى "إرادة الخير للخلق"، بل ظنّ بعض هؤلاء المتكلّمين بأن الله ربّما يقدّر ظهور المعجزات النبوية على يد كذّاب يدّعي النبوّة، والحجّة الوحيدة لإبطال دعواه تكون شخصا يعارض دعواه بمعجزات مشابهة(1)!
وبعض المتكلّمين من المعتزلة (ومن قلّدهم من الظاهرية) يجحدون حقيقة كرامات الأولياء(2)، وربما تبنّى بعض جبهة الجولاني هذه العقيدة، وغلوا فيها، ووسّعوها ليجحدوا نتائج أي مباهلة بعد وفاة النبيّ (صلى الله عليه وسلم).
بالإضافة إلى عقيدة أهل السنة الصحيحة التي يحملها المجاهدون، فإنهم يحسنون الظن بالله، فإن الله تعالى قال، كما في الحديث القدسي: "أنا عند ظن عبدي بي، إن ظن بي خيرا فله، وإن ظن شرا فله" [صحيح: رواه الإمام أحمد، وابن حبّان]؛ وفي رواية: "أنا عند ظن عبدي بي، فليظن بي ما شاء" [صحيح: رواه الإمام أحمد، وابن حبّان، والحاكم]؛ وفي رواية: "أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا دعاني" [صحيح مسلم].
قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): "لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن بالله الظن" [صحيح مسلم].
أخيرا، تكمن مشكلة المخالفين للدولة الإسلامية في أنهم يتعاملون مع المباهلة وهم متساهلون بالافتراء وكأنها لعبة أطفال، بينما أمراء الدولة الإسلامية وجنودها يعرفون أن التكبّر بالمباهلة واتّهام المسلمين بالأكاذيب الباطلة مسألة خطيرة، هو أمر يتضمن نزول غضب الجبّار؛ قال الله تعالى كما في الحديث القدسي: "من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إليّ عبدي بشيء أحبّ إليّ مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبّه، فإذا أحببته، كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه، وما تردّدت عن شيء أنا فاعله تردّدي عن نفس المؤمن، يكره الموت وأنا أكره مساءته" [صحيح البخاري].
والله المستعان.


- الواقع بعد المباهلة -
بعد المباهلة، ظهر عدد من الأمور إلى العلن، أوّلا، تبيّن أن بعض القصص التي "احتج" بها أبو عبد الله الشامي ليدّعي أن الدولة الإسلامية امتنعت عن شريعة الله، كانت أكاذيب وتحريفات، خاصّة الادعاء بأن الدولة الإسلامية رفعت القضية إلى الظواهري ليحكم بينها وبين الجولانيين، ويقدر الله تكذيب الشامي على لسان الظواهري نفسه في كلمة صوتية (وللأسف في تكذيبه وكلمته قلب للحقائق أيضا).
ثانيا، كثير من الحلفاء الرئيسيين لجبهة الجولاني – خاصة جيش المجاهدين المزعوم والجبهة الإسلامية – أظهروا بسرعة حقيقة عقائدهم ومناهجهم، فمثلا، في "18 آذار 2014"، أخرج جيش المجاهدين بيانا وصف الحجاب الشرعي بأنه حرية شخصية! وبعد شهر، تفاخروا باستقبال أسعد المصطفى وهو وزير دفاع حكومة الائتلاف الوطني السوري المؤقتة! لا تنس أن الشامي ذكر جيش المجاهدين في كلمته وشهد له بسلامة العقيدة، وزعم أن ذلك معروف لديهم بناء على قرب جبهة الجولاني منهم، وعليه، هم أدرى بهم من الدولة الإسلامية! قال الشامي: "وأُباهلك على أنكم تمتحنون الناس في عقائدهم بدليل اشتراطكم شروطا للقبول بمبادرة الشيخ المحيسني، وهي في مجملها امتحان لعقائد الناس، بل خيرة الناس، وأعني بهم المجاهدين من الفصائل المجاهدة كالجبهة الإسلامية وجيش المجاهدين وغيرهما" [المباهلة]. وقال الشامي: "إن تصوير القتال الدائر على أنه قتال بين جماعة الدولة من جهة ومن يقف في صف الجربا وإدريس من جهة هو تصوير مجانب للصواب بشكل كبير، فإن الذي تحمل العبء الأكبر من قتال جماعة الدولة في الشمال هو الجبهة الإسلامية وجيش المجاهدين، [...] أما الجبهة الإسلامية وجيش المجاهدين وهما طرفان رئيسان في قتال جماعة الدولة فلم يثبت لنا أنهما وقعتا في الردة ونحن أعلم بحالهم من جماعة الدولة بحكم قربنا منهم" [ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرا لهم].
أما الجبهة الإسلامية، فأخرج قادتها عددا من البيانات والتي وصفوا طواغيت العرب فيها بأنهم "أصدقاء سوريا"، وجدّدوا عهدهم بأنهم سيحترمون كافّة الطوائف الدينية في سوريا دون استثناء، وهي تتضمّن النصيرية والإسماعيلية واليزيدية والدروز؛ وعندما نجح "الإسلاميون" "العلمانيون" في تركيا بالانتخابات الأخيرة، هنّأ قادة الجبهة الإسلامية علمانيي أردوغان على ردّتهم المجدّدة؛ أخيرا، أخرجوا وثيقة عنوانها "ميثاق الشرف الثوري"، الذي وقّع عليه عدد من الجماعات الأخرى كجيش المجاهدين؛ هذا الميثاق صيغ كبيان علماني وُعُوده بريئة من الإسلام، حتى طالب بعض كبار المناصرين للجبهة الإسلامية – المنظِّرون المزعومون – قيادة الجبهة الإسلامية بإخراج بيان استنكار وتراجع عن ذلك الميثاق.
وأقبح من ذلك، دخلت جبهة الجولاني في تحالفات مع الأحزاب العلمانية بما فيها المجالس العسكرية التابعة لهيئة الأركان والائتلاف الوطني السوري، خاصّة في المنطقة الشرقية من سوريا؛ وبعد الانهيار الأخير لـ"مشمش" (مجلس شورى المنطقة الشرقية)، قام كبار حلفاء جبهة الجولاني بمطالبة مجدّدة موجّهة إلى الائتلاف الوطني السوري و"أصدقاء سوريا" لتسليحهم ومناصرتهم في حربهم ضد الدولة الإسلامية!
وخلال تلك الفترة، خرج تصوير للهراري ("الشرعي" العام لجبهة الجولاني) يظهر فيه وهو يدّعي أنه مؤسس جبهة النصرة والمطلوب الأول لأمريكا! وكانت كلماته مشبّعة بالرياء والنفاق والحماقة؛ ثم أُطلق سراح أسير سابق من جنود الدولة الإسلامية كان مأسورا عند الهراري، وشهد بأن الهراري أكرهه على تسجيل نفسه وهو يطعن في الدولة الإسلامية، وذكر أن الهراري طالبه بأن يتّصل بصحوات العراق وقائدهم إبراهيم الشمّري لينسّق بينهم وبين جبهة الجولاني في حربهم على الدولة الإسلامية! وأكّد الهراري كلام الأسير بـ"اعتذار" عبر "تويتر" موجّه إلى أهل العراق، وزعم فيه أنه كان يظلمهم بتسمية أحزاب الردّة والغدر بالصحوات! وبالإضافة إلى ذلك، كان كلام قيادة جبهة الجولاني مملوءاً بالطعن الضمني والمبطّن في أبي عمر البغدادي وأبي حمزة المهاجر (رحمهما الله)، علما أنه لم يُقاتل صحوات العراق أحد سوى الدولة الإسلامية بقيادة هذين الرجلين، وكان الشيخ أسامة بن لادن (رحمه الله) يزكي هذين الرجلين والدولة التي أقاماها، كما زكتهما القيادة السابقة للقاعدة.
بالإضافة لذلك، انسحبت الصحوات وحلفاؤهم الجولانيون من قواطع واسعة في حلب وحمص ودمشق واللاذقية؛ وكانت هذه الصحوات نفسها تتفاخر لأشهر بأنها ستحرّر الأسرى في سجن حلب المركزي، الذي لم يعد محاصَرا؛ وتبجّحوا عندما أخذوا مدينة كسب الحدودية، والتي انسحبوا منها فيما بعد؛ وكانوا يطعنون في الدولة الإسلامية بالانتصارات السطحية للصحوة والتقارير الإخبارية من الإعلام القطري والسعودي، جاعلين منها "حجة" على أن الصحوة هي الكيان الوحيد المحارب للنصيرية.
ثم، إن جبهة الجولاني تتصرّف يوما بعد يوم وكأنها عصابات دون قيادة مركزية؛ فرغم أن الظواهري الذي يدّعون أنه قائدهم الأعلى، أمرهم بالتوقّف عن استعمال "القنابل البشرية" ضد المسلمين، لا يزالون يستعملون هذا التكتيك ضد مخالفيهم ولو كان المخالفون حديثي عهد بالانشقاق عنهم، كما حصل في البوكمال؛ وفي بيان تأسيس "مشمش"، أعلنت مكوّنات "مشمش" – والتي تتضمن جبهة الجولاني في ولاية الخير – أنهم سيذوبون في هذا الكيان الجديد بعد أشهر من الإعلان؛ وبشكل دوري، تسمع أخبار عن دخول قيادات محلية لجبهة الجولاني في تحالفات مع الجماعات السلولية والعلمانية في مناطق، في حين يخرج قيادات محلية أخرى عن تحالفات في مناطق أخرى، دون أي تجانس في أي قرار يُتّخذ، وكأن رأس القيادة المركزية قد قُطع؛ وظهرت أشد التناقضات أيضا عندما تبنّوا مواقف كانوا سابقا يلومون الدولة الإسلامية عليها، بما في ذلك استهداف المعارضة المسلّحة التي تتصرف كقُطّاع طرق تسرق أموال المسلمين، وإظهارُ العداوة (خجلا) لتجمّعات عسكرية وسياسية تابعة - بشكل مباشر وغير مباشر - للمعارضة الوطنية بما في ذلك الهيئات "الشرعية"، هذه الأمور تمارسها الدولة الإسلامية منذ زمن طويل (لكن دون خجل "قاعدي")، وكانت جبهة الجولاني تطعن فيها وتزعم أنها غيّرت مسار "الثورة" والجهاد، ففي نظرهم ينبغي أن لا يُقاتل إلا النصيرية، مهما اشتدت ردّة المجرمين.
بالمقابل، رغم ما تتعرض له الدولة الإسلامية من حرب اقتصادية وعسكرية وسياسية وإعلامية، ورغم اجتماع الأحزاب على محاربتها – ابتداء من قيادة القاعدة الجديدة في خراسان، مرورا بالصفويين في طهران، انتهاء بالصليبيين في واشنطن – رغم ذلك، تتقدّم الدولة الإسلامية من نصر إلى نصر؛ فقد حرّرت المناطق الشرقية في "سوريا" من الصحوات، وحرّرت ولايتي نينوى والأنبار، بالإضافة إلى قواطع واسعة من ولايات أخرى؛ وسبّبت في حلّ وتشتّت وتلاشي الجيش الصفوي؛ وقتلت من الرافضة بالآلاف (وهم "مسلمون" حسب رؤية القيادة الجديدة لتنظيم القاعدة)؛ ووفّت بوعدها فكسرت الحدود والموانع التي فرّقت بين أراض العراق والشام؛ ولا يزال عدد جنودها في ازدياد؛ وأعلنت عن الخلافة وبدأ يبايعها الناس في الجزائر والسودان وإندونيسيا والفلبين ووزيرستان وغيرها من الأماكن؛ وكل هذا من فضل الله وحده، فالدولة الإسلامية - لو وُكلت إلى نفسها - لن تكون شيئا يُذكر.
ورغم ذلك كله، حلفاء الصحوات يصرّون على زعمهم أن الفرقة خير للأمّة من البيعة والسمع والطاعة والإمارة والإمامة والجماعة، علما أن ليس لهم أي طموح سياسي عملي واقعي للإسلام! والله المستعان.


- حقيقة الحكمة في أفعال الله -
من الضروري تدبّر حكمة الله في أفعاله قبل التفكّر في المباهلة؛ رغم أن الفقرات التالية تدور حول حكمة الله في سياق أعظم، إلا أنها تساعد على فهم حقيقة حكمته في غيرها من السياقات.
قال ابن القيم (رحمه الله):
"وأذكر في هذا مناظرة جرت لي مع بعض اليهود قلت له بعد أن أقضى في نبوة النبي، إلى أن قلت له: إنكار نبوته يتضمن القدح في رب العالمين وتنقصه بأقبح التنقص، فكان الكلام معكم في الرسول، والكلام الآن في تنزيه الرب تعالى.
فقال: كيف تقول مثل هذا الكلام؟
فقلت له: بيانه عليّ، فاسمع الآن؛ أنتم تزعمون أنه لم يكن رسولا، وإنما كان ملكا قاهرا قهر الناس بسيفه حتى دانوا له، ومكث ثلاثا وعشرين سنة يكذب على الله، ويقول: "أوحي إليّ"، ولم يوح إليه، "وأمرني"، ولم يأمره، "ونهاني"، ولم ينهه، "وقال الله كذا"، ولم يقل ذلك، "وأحلّ كذا وحرّم كذا وأوجب كذا وكره كذا"، ولم يحل ذلك ولا حرّمه ولا أوجبه، بل هو فعل ذلك من تلقاء نفسه كاذباً مفترياً على الله وعلى أنبيائه وعلى رسله وملائكته، ثم مكث من ذلك ثلاث عشرة سنة يستعرض عباده، يسفك دماءهم، ويأخذ أموالهم، ويسترق نساءهم وأبناءهم، ولا ذنب لهم إلا الرد عليه ومخالفته، وهو في ذلك كله يقول: "الله أمرني بذلك"، ولم يأمره، ومع ذلك فهو ساع في تبديل أديان الرسل، ونسخ شرائعهم، وحل نواميسهم، فهذه حاله عندكم.
فلا يخلو إما أن يكون الرب تعالى عالما بذلك، مطلعا عليه من حاله، يراه ويشاهده، أم لا؟
فإن قلتم: إن ذلك جميعه غائب عن الله، لم يعلم به، قدحتم في الرب تعالى، ونسبتموه إلى الجهل المفرط، إذ لم يطلع على هذا الحادث العظيم، ولا علمه، ولا رآه!
وإن قلتم: بل كان ذلك بعلمه واطلاعه ومشاهدته.
قيل لكم: فهل كان قادرا على أن يغير ذلك ويأخذ على يده ويحول بينه وبينه أم لا؟
فإن قلتم: ليس قادرا على ذلك! نسبتموه إلى العجز المنافي للربوبية، وكان هذا الإنسان هو وأتباعه أقدر منه على تنفيذ إرادتهم!
وإن قلتم: بل كان قادرا ولكن مكّنه ونصره وسلّطه على الخلق، ولم ينصر أولياءه وأتباع رسله! نسبتموه إلى أعظم السفه والظلم والإخلال بالحكمة! هذا لو كان مخلى بينه وبين ما فعله، فكيف وهو في ذلك كله ناصره ومؤيده ومجيب دعواته ومهلك من خالفه وكذبه ومصدّقه بأنواع التصديق ومظهر الآيات على يديه التي لو اجتمع أهل الأرض كلهم على أن يأتوا بواحدة منها لما أمكنهم ولعجزوا عن ذلك، وكل وقت من الأوقات يحدث له من أسباب النصر والتمكين والظهور والعلو وكثرة الأتباع أمرا خارجا عن العادة!
فظهر أن من أنكر كونه رسولا نبيا فقد سبّ الله وقدح فيه ونسبه إلى الجهل والعجز والسفه.
قلت له: ولا ينتقض هذا بالملوك الظلمة الذين مكّنهم الله في الأرض وقتا ما، ثم قطع دابرهم وأبطل سنّتهم ومحا آثارهم وجورهم، فإن أولئك لم يعيدوا شيئاً من هذا، ولا أُيدوا ونُصروا وظهرت على أيديهم الآيات، ولا صدّقهم الرب تعالى بإقراره ولا بفعله ولا بقوله، بل أمرهم كان بالضد من أمر الرسول، كفرعون ونمرود وأضرابهما.
ولا ينتقص هذا بمن ادّعى النبوة من الكذّابين، فإن حاله كانت ضد حال الرسول من كل وجه، بل حالهم من أظهر الأدلة على صدق الرسول، ومن حكمة الله سبحانه أن أخرج مثل هؤلاء إلى الوجود، ليعلم حال الكذّابين وحال الصادقين، وكان ظهورهم من أبين الأدلة على صدق الرسل والفرق بين هؤلاء وبينهم، فبضدها تتبين الأشياء، والضد يظهر حسنه الضد، فمعرفة أدلة الباطل وشبهه من أنواع أدلة الحق وبراهينه.
فلما سمع ذلك قال: معاذ الله لا نقول أنه ملك ظالم بل نبي كريم، من اتبعه فهو من السعداء...[إلى آخر المناظرة]" [التبيان في أقسام القرآن](3).


- تدبّر نتائج المباهلة -
رغم أن هذا الاقتباس مرتبط بمسألة النبوّة – وهي مسألة أعظم من تلك التي نبحثها بلا شك – لكن الاقتباس يساعد على فهم حقيقة حكمة الله وظهورها في أفعاله؛ المباهلة مسألة رُفعت إلى الله حتى يقضي بين الطرفين ويظهر الطرف الكاذب مدّعي الحق وهو في الحقيقة على باطل وكذب؛ ففي سياق المباهلة، لا يليق بالله جلّ وعلا سبحانه وتعالى أن يتباهل حزبان ويدّعي كلاهما أنه على منهج ديني صحيح ويخالفان بعضهما بعضا ويتّهمان بعضهما بعضا بضلال عظيم، ثم يبارك الله الحزب الكاذب الذي يستحق اللعن ويلعن الحزب الصادق الذي يستحق البركة، بل يدمّر الحزب "المبارَك" على أيدي الحزب "الملعون"! ثم يجعل نتائج المباهلة ظاهرة جدا ليشهدها الناس، خاصّة وقد ذكر العلماء أن نتائج المباهلة تُحقّق خلال عام من تاريخ المباهلة، عادة دون ذلك؛ وفي هذا رد على الحزبي هاني السباعي وأمثاله ممن زعموا أن الغلبة لن تدلّ على سلامة المنهج أبدا، فإن هذه الانتصارات والهزائم تأتي في سياق المباهلة وما تبعها من النتائج، وليست هذه الأمور مجردة من أي سياق.
لكن لو تعرف العقلية الحزبية عند هؤلاء الناس، تعلم أنهم إما سيتجاهلون هذه النتائج أو يتصرّفون كالمشركين من قريش عندما جحدوا الآية التي رأوها في انشقاق القمر وجعلوها من آثار السحر.
{اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ * وَإِن يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ * وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُّسْتَقِرٌّ * وَلَقَدْ جَاءَهُم مِّنَ الْأَنبَاءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ * حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ * فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَىٰ شَيْءٍ نُّكُرٍ} [القمر: 1-6].


- طوفان الشبهات والشهوات -
لو سأل سائل: "ما الذي يسبب في ضلال هذه الأحزاب رغم أنهم يدّعون صحة المعتقد؟" فليس عليه سوى تدبّر شيء من الحقائق وأقوال العلماء في تلك الحقائق.
قال ابن القيم (رحمه الله):
" أركان الكفر أربعة الكبر والحسد والغضب والشهوة" [الفوائد].
هذه الأركان الأربعة تدفع المرء والحزب إلى الكفر؛ كيف؟ الكبر والحسد دفعا إبليس إلى الامتناع عن السجود لآدام بعد أن أمره الله، ثم قسم بغضبه أنه سيحارب آدم وذريته رغم علمه بأنه سيُحرق في النار؛ الكبر والحسد أيضا دفعا بني إسرائيل إلى الامتناع عن الإسلام، حيث زعموا أن خاتم الرسل لا بد من أن يكون منهم حصرا.
ذكر أبو عمر البغدادي (رحمه الله) أن أحد المكوّنات الرئيسية للصحوات العراقية كانت:
"طائفة من الحساد، دفعهم مسارعة كثير من عناصرهم وكتائبهم إلى التعاضد والتناصر وبيعة دولة الإسلام، فإن النفس جبلت على حب الرفعة، فهي لا تحب أن يعلوها أمر، [...] فهم صدّوا الناس عن الجهاد في سبيل الله لما في قلوبهم من الضغن والحسد للمؤمنين الصادقين والخوف والهلع الذي يخلع قلوبهم، ودعوا أصحابهم وعشائرهم إلى الدعة والراحة، ولو كانت بتولّي الكافرين، ومحاداة الله ورسوله والمؤمنين، ووضعوا أيديهم في أيدي طواغيت العرب يستجدونهم على أهل الملة والدين، بلسان ذرب، زاعمين أنهم ما أرادوا إلا إخراج المحتلين!" [قل إنّي على بيّنة من ربّي].
الواقع الذي يصفه يشبه الوضع في الشام من جوانب كثيرة؛ إن الجنود تركوا الأحزاب الضالّة بالمئات، وأحيانا كتائب كاملة، ليبايعوا الدولة الإسلامية؛ هذا الأمر جعل قلوب قياداتهم السابقة تمتلئ بالحسد والغضب.
الشهوة أيضا تدفع إلى الكفر، كما قال السلف: "المعاصي بريد الكفر"؛ وأخطر الشهوات هي شهوة المال والإمارة؛ قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): "ما ذئبان جائعان أرسلا في غنم بأفسد لها من حرص المرء على المال والشرف لدينه" [صحيح: رواه الإمام أحمد والترمذي].
ثم هذه العوامل الأربعة تدفع المرء إلى تسويغ معصيته وكفره؛ فيبحث في المجلدات الضخام من المراجع عن اسم واحد منسي أو رأي شاذّ ليبرّر مثلا لماذا "يجوز" له الدخول في تحالفات عَلَناً مع المرتدّين ككتائب الائتلاف الوطني السوري والجبهة السلولية ضد "الخوارج"، ولماذا لا يُعدّ ذلك كفرا على حد زعمه؛ ثم يزعم إما أن المرتدّين "مسلمون" جُهّال ينطقون بالكفر ليخدعوا العلمانيين والصليبيين كي يستلموا منهم السلاح، أو أن تحالفاته هي نوع من أنواع الاستعانة بالمرتدّين على "الخوارج"! ويزعم أن ذلك لن يكون كفرا مهما كان حال الطوائف في واقع "المسألة".
قال أبو عمرو بن الصلاح (رحمه الله):
"من تتبع ما اختلف فيه العلماء، وأخذ بالرخص من أقاويلهم، تزندق أو كاد" [إغاثة اللهفان - ابن القيم].
فحالهم كحال من يجمع الآراء المختلفة للعلماء، ثم يضعها في معادلة تنتهي بالكفر، كمن يرتكب الكفر من أجل الدعم العسكري، يرى أن بعض العلماء أجاز تأخير الصلاة أثناء المعركة إلى بعد وقت الجمع بين الصلاتين، ويرى أن بعض العلماء لم يكفّروا من ترك بعض الصلوات أحيانا، ويرى أن بعض العلماء عدّ التهديد الحقيقي بالتعذيب الذي لا يُطاق من الإكراه، ثم يرى أن بعض "العلماء" ابتدعوا رأيا ضالّا مضلّا فأجازوا ارتكاب الكفر الصريح لـ"مصلحة الجهاد"، زعموا! ثم يجمع بين هذه العوامل في معادلة ويقرّر أنه يجوز له ترك الصلاة ولبس الصليب والدعوة إلى الديمقراطية من أجل "إنقاذ" الناس و"الدفاع" عنهم.
والمشكلة أن كثيرا من الواقعين في هذا النوع من الكفر لا يسوّغون لأنفسهم أفعالهم بهذه الشبه الواهية أصلا، بل إن الجهمية الجدد اخترعوا هذه المبررات لهم بعدما ارتُكِبَ الكفر، ثم يتحالفون معهم ضد "الخوارج".
بالتأكيد، الكبر والحسد والغضب والشهوة هي عوامل تؤدي إلى الكفر، إذا شربها شخص ذو منهج "سليم"، فستعمل كمحفّز يدفع الضلال المخفي – إن وجد – إلى الظهور حتى يتجلى ليشاهده جميع الناس.
"من أراد أن يعرف كيف تتحول الجماعة المجاهدة في سبيل الله إلى جماعة مقاتلة في سبيل الطاغوت (كبعض الفصائل "السورية")، فليراجع التاريخ، وليعلم أنّ حب المرء للجاه والمال والرأي يصير عُجْبا، والعُجْب حسدا، والحسد كبرا، والكبر بغضا، والبغض عداوةً، والعداوة مخالفة للخصم، والمخالفة تكون بإخفاء التوحيد وإبداء اللحن واجتناب الموحّدين ومداهنة المشركين أولا، ثم تكون كفرا بواحا وحربا وحرابة آخِرا، اتباعا للشهوات وتمسّكا بالشبهات، إلا أن يعصم الله العبد برحمته" [اقتباس من مقالة نشرت على صفحة "عبوة لاصقة"].
والله المستعان، وعليه التكلان، ولا حول ولا قوة إلا به، هو حسبنا ونعم الوكيل.
اللهم اهد الحائرين ليتدبّروا نتائج المباهلة، وليتركوا شبهاتهم وشهواتهم، وليعودوا إلى صف الموحّدين؛ آمين.
------------------------------------
(1) مسائل الحكمة والعدل ودلائل النبوّة والتحسين والتقبيح ناقشها ابن القيم في "مفتاح دار السعادة" و"الصواعق المرسلة" و"شفاء العليل"، وشيخ الإسلام ابن تيمية في "النبوات".
(2) قال شيخ الإسلام ابن تيمية (رحمه الله): " ومن أصول أهل السنة: التصديق بكرامات الأولياء وما يجري الله على أيديهم؛ من خوارق العادات، في: أنواع العلوم والمكاشفات وأنواع القدرة والتأثيرات وكالمأثور عن سالف الأمم، في سورة "الكهف" وغيرها وعن صدر هذه الأمّة من الصحابة والتابعين وسائر قرون الأمّة، وهي موجودة فيها إلى يوم القيامة" [الواسطية]. لذلك، خصّص اللالكائي بابا لكرامات الأولياء في كتابه القيّم "شرح أصول اعتقاد أهل السنّة والجماعة"، وذكر فيه أكثر من مائتي أثر عن النبيّ (صلى الله عليه وسلم) وعن السلف.
(3) تجد مناظرة مشابهة في "زاد المعاد" ج3 ص558-561.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
طوفان المباهلة
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» طوفان
» طوفان قادم
» طوفان وذهب
» “ متفائلون باليوم 40 من بدأ طوفان الأقصى ..”
» انتصار غزة في طوفان الأقصى له احتمالان لاثالث لهما

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى المؤمنين والمؤمنات :: {{{{{{{{{ === منتدى المؤمنين والمؤمنات === }}}}}}}}}} :: المنبر الاعلامي للمؤمنين-
انتقل الى: